اخبار السودان

هل يصبح السودان الملاذ الجديد للتنظيمات الإرهابية؟

(تقرير: SPT ترجمة الراكوبة)

تحت عنوان “السودان المنسي”، تصدّرت افتتاحية نشرة “النبأ” الصادرة عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العدد الأخير رقم 479، الخميس الماضي الموافق 23 يناير.

وتعد النبأ الصحيفة الرسمية للتنظيم الإسلامي المصنف كواحد من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم. وقد صدر عددها الأول في بداية عام 2014، واستمر صدورها بشكل أسبوعي حتى يومنا هذا.

🔺الجهاد في السودان

دعا التنظيم في منشوره إلى استغلال حالة الحرب والفوضى التي يعيشها السودان لصالح الجهاد، وتحويل الحرب من مواجهة عسكرية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، تتداخل فيها النزعات السلطوية والمصالح الذاتية مع التدخلات الخارجية، إلى مواجهة مسلحة بين الإسلام والكفر وفقاً لمنظوره الأيديولوجي وأهدافه التوسعية.

المنشور طويل ومليء بالاستطرادات والتكرار للمفردات الدينية الأكثر تطرفاً، لكن جوهر دعوته، كما ورد نصاً في المنشور: “السعي الحثيث لاستغلال الأحداث لصالح الجهاد”.
وهذا يعني عملياً استغلال البيئة الخصبة التي أفرزتها الحرب لنمو الإرهاب، والمتمثلة في التوزيع العشوائي للسلاح، ودعوات الاستنفار، وتأسيس مجموعات مسلحة مساندة للجيش يشرف عليها إسلاميون من النظام القديم، مثل “المقاومة الشعبية”، بالإضافة إلى تكاثر الميليشيات المسلحة التي تتم برعاية الجيش. تستغل (داعش) كل ذلك في تسليح وتدريب وتنظيم عناصرها، واستقطاب وتجنيد المزيد لصالحها، ثم إعلان الجهاد في كامل السودان بعد السيطرة على منطقة معينة، يليها توسيع هذه السيطرة تدريجياً حتى تتحقق إقامة ولاية داعشية مكتملة، كما حدث سابقاً في الموصل بالعراق والرقة بسوريا.

يقول باحث متخصص في دراسات الإسلام السياسي: “إن افتتاحية صحيفة داعش لا تقتصر فقط على الشباب السوداني وأعضاء التنظيم، بل تسعى أيضًا إلى استقطاب جمهور أوسع من المسلمين في العالم من خلال تأجيج المشاعر الدينية ، وتصوير الحرب السودانية على أنها مخطط ضد الإسلام والمسلمين، كما في فلسطين، بهدف توليد إحساس عام بالمسؤولية الجماعية، عبر استخدام آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحث على الجهاد.”

🔺داعش داخل الحرب

يمثل السودان بيئة خصبة لتنفيذ مخططات تنظيم الدولة (داعش) بوتيرة أسرع مقارنة بمناطق أخرى في العالم، وذلك بسبب وجود عدد كبير من المسلحين ضمن كتائب وميليشيات إسلامية جهادية تقاتل إلى جانب الجيش، مثل كتائب البراء بن مالك، الفرقان، والبرق الخاطف. يتبنى أفراد هذه الكتائب الأيديولوجيا المتطرفة ذاتها، ويرددون الأناشيد الجهادية الحماسية نفسها. بل إن بعض هؤلاء المقاتلين الإسلاميين سبق لهم القتال إلى جانب داعش في ليبيا والصومال.

في 16 يونيو 2023، وبعد شهرين من اندلاع الحرب، قُتل العشرات من عناصر كتائب المجاهدين الإسلاميين أثناء خوضهم معركة ضد قوات الدعم السريع، وذلك من داخل قاعدة سلاح المدرعات التابعة للجيش جنوب العاصمة الخرطوم. وكان من بين القتلى ثلاثة من القادة الجهاديين الإسلاميين السودانيين، وهم: أيمن عمر، بابكر أبو القاسم، ومحمد الفضل عبد الواحد. الأخير معروف بتوجهاته الدينية المتشددة، وقد سبق له أن قاتل في صفوف داعش في ليبيا ومع تنظيم الشباب الصومالي. كما يُعد من القيادات الشبابية النافذة داخل الحركة الإسلامية السودانية، وقد نعاه “علي كرتي”، الأمين العام للحركة الإسلامية، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في سبتمبر 2023 لدعمه استمرار الحرب.

في 15 يناير الماضي، وبعد أربعة أيام من استعادة الجيش مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، من قبضة قوات الدعم السريع، ظهر أحد عناصر التنظيمات الدينية المتشددة الموالية للجيش في مقطع فيديو، وهو يحمل بندقية ويشير إلى ضريح صوفي، مدعيًا أن الضريح يمثل “مظهرًا من مظاهر الكفر” ويجب هدمه.

تحدث إلينا باحث متخصص في الحركات الجهادية السودانيةنتحفظ على ذكر اسمه لدواعٍ أمنيةوأوضح أن الشخص الظاهر في الفيديو يُدعى محمد إبراهيم، وهو عضو في مجموعة دينية متشددة موالية لداعش.

وأضاف الباحث ” ما تقوم به كتائب الإسلاميين من فظائع مثل؛ الذبح، وبقر البطون، وتكبيل الشباب بالسلاسل وإلقائهم في النيل، والقتل بالحرق، وغيرها من الممارسات الداعشية وحدها تكفي.”

🔺متطرف وقاتل يشارك في الحرب:

تلقينا معلومات من مصدرين تفيد بأن عبد الرؤوف أبو زيد حمزة أحدَ الأربعةِ المتطرفين الإسلاميين الذين أُدينوا في جريمة اغتيال جون غرانفيل، الموظفِ الرفيعِ في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في ليلة رأس السنة 2008 قد عاد للمشاركة في الحرب بجانب الجيش مجددًا. كان قد انخرط في الحرب منذ بدايتها قبل أن يتم إيقافه من قِبلِ الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، بدايةَ العامِ الماضي بعد تسرب المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد ذكر عبد الرؤوف نفسه هذه المعلومة في منشورٍ له على صفحته في فيسبوك بدايةَ العامِ الماضي.

تقول المصادر إنه عاد إلى ساحات الحرب، لكننا لم نتمكن من التحقق من مصادر أخرى. ومع ذلك، عثرنا على منشورٍ له في صفحته على فيسبوك بتاريخ 24 أكتوبر من العام الماضي، وهو نفس الشهر الذي تقول فيه المصادر إنه عاد للقتال بجانب الجيش. في المنشور، نشر آيةً قرآنيةً متعلقةً بالقتال، تبيحُ المشاركةَ في الحرب اضطرارًا، ما اعتبره كثيرون إعلانًا منه باشتراكه في الحرب.

🔺الأمير المنسي:

كان الانقلاب الذي نفذه الجنرالان المتحاربان حاليًا، البرهان قائد الجيش، وحميدتي قائد قوات الدعم السريع، ضد الحكومة المدنية الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر 2021، هو البداية الحقيقية لعهد الفوضى. فقد سيطر الإسلاميون، بمساعدة من سلطة الانقلاب، على الشارع، وكانت تلك الفترة أزهى فتراتهم، حيث أعادوا تنظيم صفوفهم للعودة إلى السلطة مجددًا.

في تلك الفترة، وتحديدًا في 2 فبراير 2022، أصدر “أبو حذيفة السوداني”، القيادي البارز في تنظيم القاعدة الإرهابي، منشورًا في شكل كتاب بعنوان “الأمير المنسي”، خصّصه بالكامل للسودان، حيث دعا فيه أنصار التنظيم إلى استغلال الظروف القائمة في البلاد لتأسيس ميليشيات وكتائب تابعة للتنظيم في العاصمة الخرطوم وخارجها.

في كتابه، الذي نشرته مؤسسة “بيت المقدس الإعلامية”، الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة، وجّه أبو حذيفة رسالته بأسلوب مشفّر إلى شخص مجهول لم يُسمِّه، لكنه وصفه بـ”الأمير المنسي” و”زرقاوي السودان”، طالبًا منه الإشراف على هذه المهمة، والبدء في إعداد وتجهيز المجموعات الجهادية داخل البلاد.

تحدثنا إلى باحث متخصص في الحركات الجهادية، وأوضح أنه استفسر عددًا من الجهاديين عن “الأمير المنسي” و”زرقاوي السودان” الذي خاطبه أبو حذيفة في كتابه، لكن من تحدّث معهم لم يفصحوا عن اسمه. وأضاف الباحث: “قالوا لي إنه مجاهد سوداني مخضرم، من قدامى الجهاديين في أفغانستان خلال الحرب ضد السوفييت، وأنه يحظى بثقة قيادة التنظيم الإرهابي. وقد عاد إلى بلده السودان، ويعيش في الخرطوم بعيدًا عن الأضواء منذ عودته.”

🔺السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيصبح السودان محطة جديدة لتجمع التنظيمات الإسلامية الإرهابية مثل داعش والقاعدة، ووجهة للإرهابيين ومركزًا لنشاطهم وتحوله إلى نقطة عبور لهم؟ وذلك في ظل احتمالية عودة الإسلاميين إلى الحكم مجددًا ببنادق الجيش، وتعاظم نفوذ كتائبهم وميليشياتهم المسلحة المتشددة دينيًا، التي أصبحت تفرض سيطرتها على القرار العسكري أكثر من الجيش نفسه.

اضغط اللنك أدناه لقراءة التقرير باللغة الإنجليزية:

https://rb.gy/311kmo

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *