اخبار السودان

هل من حق الجميع الحصول على دخل ثابت دون اعتبارات العمل والتعليم؟

هل من حق الجميع الحصول على دخل ثابت دون اعتبارات العمل والتعليم؟

صورة لسيدة تحصي بعض الاموال

صدر الصورة، Getty Images

  • Author, نيك إريكسون
  • Role, بي بي سي الخدمة العالمية

تخيّل أن مبلغاً مالياً معيناً يُمنح لك كل شهر، بغضّ الطرف عن وضعك المالي أو الاجتماعي.

هذه هي جوهر فكرة “منحة الدخل الأساسي الشامل” أو ما يُعرف اختصاراً بـ UBIG، وهي فكرة ناقشتها حكومات حول العالم على مدى سنوات، وكانت أيضاً محور عدد من التجارب الاجتماعية.

في ألمانيا، قامت منظمة غير ربحية مقرها برلين تُدعى “دخلي الأساسي” (Mein Grundeinkommen) بمتابعة 122 شخصاً لمدة ثلاث سنوات، تلقّى كلٌّ منهم مبلغاً شهرياً غير مشروط قدره 1365 دولاراً.

وأظهرت الدراسة أن الأشخاص لم يصبحوا أقل ميلاً للعمل، بل إن الجميع حافظوا على وظائفهم بدوام كامل. ومع ذلك، أبدى عدد كبير من المشاركين شعوراً أكبر بالأمان مما دفعهم لتغيير وظائفهم. كما أبلغوا عن زيادة في الرضا الوظيفي، وخصصوا وقتاً أكبر للتعليم والتدريب.

موظف يعد نقوداً

صدر الصورة، Khaled Desouki/AFP via Getty Images

التعليق على الصورة، تثير فكرة منح الدخل الأساسي الشامل جدلاً في الأوساط السياسية والأكاديمية

أظهرت دراسة كبرى أخرى لا تزال مستمرة في كينيا، وتموّلها منظمة غير ربحية أخرى تُدعى GiveDirectly، نتائج مماثلة وإن كانت مؤقتة حتى الآن. ففي هذه التجربة، يتلقى أفراد في 295 قرية موزعة على مقاطعتين تحويلات مالية عبر الهاتف المحمول تمتدّ بين عامين و12 عاماً.

تخطى الأكثر قراءة وواصل القراءة

الأكثر قراءة

الأكثر قراءة نهاية

وعلى نطاق واسع، لم تُسجَّل أيّ تراجعات عامة في حجم القوى العاملة، لكن العديد من المشاركين غادروا وظائفهم المأجورة ليؤسسوا مشاريعهم الخاصة أو يتحوّلوا إلى العمل الحر. بعضهم حتى بدأ يجمع موارده مع آخرين ليتناوبوا على تقاسم العائدات.

وتقول كادي، وهي أرملة من دون مصدر دخل ثابت وتعيش في كينيا: “راحة البال التي أشعر بها حين أعلم أنني لن أذهب إلى النوم جائعة، لا تُقدَّر بثمن”.

تعمل كادي كعاملة بالأجر اليومي، وهي من المستفيدات من البرنامج، وتتلقى تحويلات شهرية بقيمة 34 دولاراً من منظمة GiveDirectly، وهي مبالغ تقول إنها تعتمد عليها كلياً، واصفة إياها بأنها “أصبحت مصدر الأمل الوحيد والثابت في حياتي”.

وتضيف: “لقد منحني هذا المشروع شعوراً بالانتماء، وأتاح لي فرصة الوصول إلى مبلغ مالي كبير دفعة واحدة وهو أمر لم أكن أتخيله يوماً. أخطّط لشراء ثيران للحراثة عندما يحين دوري”.

“يُسقطون من الحسابات”

أسرة عائدة من مركز مساعدات بعد الحصول على مساعدات غذائية بالقرب من كايب تاون

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، هناك الكثير من مستحقي الدعم المالي لا يحصلون عليه لأسباب مختلفة

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه نهاية

ما مدى إثارة نتائج هذه الدراسات؟ “ليست مفاجِئة على الإطلاق”، تجيب الدكتورة كيلي هاوسون، الباحثة في “معهد العدالة الاقتصادية” بجنوب أفريقيا.

وتقول هاوسون في حديثها لبي بي سي: “أي جهود تستهدف الناس بناءً على تفاوت الدخل محكومٌ عليها بالفشل دائماً. لسنا بحاجة إلى مزيد من التجارب لتبيان أن الدخل الأساسي الشامل لا يدفع الناس إلى الانسحاب من سوق العمل، بل على العكس، يُمكّنهم ذلك من إطلاق مشاريعهم الخاصة وتنشيط الاقتصاد المحلي”.

وتشير إلى أن برامج الدعم المالي المشروطة، أي تلك التي تُمنح بناءً على اختبار للدخل بدلاً من أن تشمل الجميع، تؤدي دائماً إلى نوع من الإقصاء. فهناك دائماً من “يتسرب من بين الشقوق” ولا يحصل على حقه.

فعلى سبيل المثال، في جنوب أفريقيا، يعتمد الحصول على منحة دعم الدخل على توفر قدر من المعرفة الرقمية، في حين أن نحو 20% من السكان لا يملكون إمكانية الوصول إلى الإنترنت.

ويُتوقَّع من المستفيدين أيضاً امتلاك هاتف ذكي بكاميرا عالية الجودة لتلبية متطلبات الهوية البيومترية. ونتيجة لذلك، تقول هاوسون إن كثيراً ممن تنطبق عليهم شروط الاستحقاق لا يحصلون في الواقع على أي دعم مالي.

وفي الهند، فإن المواطنين الحاصلين على بطاقات “تحت خط الفقر” مؤهلون لتلقي الإعانات الحكومية، لكن استطلاعات الرأي أظهرت أن نحو نصف الفقراء لا يملكون هذه البطاقة.

وفي مقال نُشر على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2016، كتب البروفيسور براناب باردان، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي: “إجراء اختبارات الاستحقاق يمكن أن يكون صعباً للغاية في بيئة تتركز فيها الوظائف في القطاع غير الرسمي، لا سيما العمل الذاتي، دون وجود سجلات أو بيانات دخل رسمية. وفي ظل هذه الظروف، فإن تحديد الفقراء يصبح أمراً مكلفاً، فاسداً، معقداً، ومثاراً للجدل”.

هل يكون المال للجميع؟

رجل يبيع الطعام في محله الصغير في شنغهاي

صدر الصورة، Alex Plavevski/EPAEFE/REX/Shutterstock

التعليق على الصورة، رجحت دراسات أن صرف منح مالية يوفر قدراً أكبر من المرونة للمواطنين للإنفاق على الأشياء التي تتناسب مع احتياجاتهم

هل تعكس نتائج التجربة الألمانية ما توصلت إليه تجارب أخرى في أنحاء مختلفة من العالم؟ وهل ما زالت فكرة الدخل الأساسي الشامل تحظى بقبول عالمي؟

شهدت السنوات الأخيرة عدداً من التجارب المشابهة في دول نامية، من بينها تجارب في ولاية ماديا براديش الهندية، وقرى في ناميبيا، فضلاً عن برنامج التحويلات النقدية الشامل في إيران الذي أُطلق عام 2011 لتعويض المواطنين عن رفع الدعم عن الغذاء والوقود، وفقاً لما أورده عدد من الاقتصاديين، من بينهم الحائز على جائزة نوبل أبيجيت بانيرجي، في ورقة بحثية نُشرت عام 2019 عن “المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية” (NBER) في الولايات المتحدة.

ورغم صعوبة استخلاص استنتاجات قاطعة من هذه التجارب المتنوعة، فإن هناك مؤشراً مشتركاً يتمثل في أن هذه المنح وفّرت للمستفيدين قدراً من المرونة. بمعنى أن كل فرد أنفق المال في المجال الذي كان أكثر ارتباطاً بحياته الشخصية سواء لتأمين الغذاء، أو لتكاليف علاج العقم، أو حتى للحصول على وسائل منع الحمل.

وتقول الدكتورة كيلي هاوسون إن آثار الدخل الأساسي الشامل تكون إيجابية بشكل خاص في البيئات التي تشهد مستويات عالية من التفاوت الاجتماعي. لكنها تضيف أن الدعم للفكرة لا يقتصر على تيار سياسي بعينه، بل يمتد عبر الطيف السياسي بأكمله.

فبالنسبة لليسار، تنطلق الحجة من قناعة بأن الحصول على دخل هو حق أساسي من حقوق الإنسان. أما اليمين الليبرالي رغم اختلاف المنطلقات فيرى في الدخل الأساسي أداة فعالة أيضاً.

وتشير إلى أن شخصيات بارزة مثل الملياردير ورجل الأعمال والمستشار السياسي إيلون ماسك دافعت عن الدخل الأساسي الشامل، بحجة أنه وسيلة ضرورية للحفاظ على الطلب الاستهلاكي في ظل تصاعد وتيرة الأتمتة وانتشار الذكاء الاصطناعي.

وتضيف هاوسون: “الدخل الأساسي الشامل أداة قوية للتنمية. صحيح أن المبررات تختلف من سياق لآخر، لكن جوهر الفكرة يبقى واحداً”.

وتلفت إلى فوائد أخرى محتملة من تطبيق منحة الدخل الأساسي الشامل، إذ تظهر البيانات أن لها آثاراً إيجابية على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تأثيرها الموثّق في معدلات التعليم، حيث يبقى أطفال الأسر المستفيدة في المدارس لفترة أطول.

كما توضح أن النساء اللواتي شاركن في التجارب في كينيا والهند أبلغن عن شعور أكبر بالاستقلالية، بعد أن تحرّرن من الاعتماد على الذكور في الأسرة للحصول على المال. وفي بعض الحالات، ساعدت هذه المنح النساء على الخروج من علاقات سيئة.

سوبر ماركت

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، تظهر كفاءة المنح المالية في الدول ذات الدخل المنخفض

ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن من الصعب استخلاص استنتاجات شاملة من التجربة الألمانية.

البروفيسورة إيفا فيفولت، من جامعة تورنتو في كندا، قادت دراسة حول منحة الدخل الأساسي الشامل (UBIG) في ولايتي تكساس وإلينوي الأمريكيتين.

وفي هذه التجربة، تلقّى المشاركون تحويلات نقدية سنوية بقيمة 12 ألف دولار لكل شخص لمدة ثلاث سنوات. لكنهم، وعلى عكس نتائج التجربة الألمانية، عملوا أقل بمعدل 1.3 ساعة في الأسبوع، وانخفض دخلهم المكتسب بنحو 1,500 دولار سنوياً.

وقالت فيفولت لبي بي سي: “البلدان ذات الدخل المنخفض تميل إلى إظهار آثار أكثر إيجابية، بينما تكون النتائج أكثر تراجعاً في الدول ذات الدخل المرتفع”.

وأضافت: “في دراستنا، لاحظنا أن عدداً متزايداً من المشاركين توقفوا عن العمل أو قلّصوا عدد ساعات عملهم”.

وتابعت: “قد يكون الأمر مجرد تخمين، لكن في البلدان الفقيرة، الناس غالباً ما يعانون من نقص السيولة، وبالتالي فإن المال يُحدث فرقاً كبيراً. أما في الدول الغنية، فقد تكون المشكلات التي يواجهها الأفراد أعقد من أن تُحلّ بالمال وحده”.

ماذا عن دافعي الضرائب؟

قالت هوسون إن هناك اعتقاد منتشر على نطاق واسع عالمياً بأن الدخل الأساسي الشامل من شأنه أن يعزز “متلازمة الاعتمادية” وأن القاعدة الضريبية الآخذة في التضاؤل ستواجه المزيد من الضغوط لتمويل أولئك الذين لا يستطيعون وربما لا يريدون العمل.

وذكرت فلورا جيل، من جامعة سيدني في أستراليا، في مقال كتبته لمدونة Transforming Society في 2023، مشككةً في فكرة الدخل الأساسي الشامل “إذا أراد الناس العمل، فيجب أن يكونوا قادرين على ذلك. ولا ينطبق ذلك على الوضع الحالي على الإطلاق. وقبل أن نطبق فكرة الدخل الأساسي الشامل، نحتاج أولاً إلى ضمان حق الإنسان الأساسي”.

وأعربت جيل عن مخاوفها حيال أن يكون السبيل الوحيد لتمويل الدخل الأساسي الشامل الذي تعتقد أنه سيكون “أقل بكثير من مستوى الكفاف” هو زيادة الضرائب بشكل كبير، مؤكدة أن “الدخل الأساسي الشامل يتطلب، في حد ذاته، ضخاً هائلاً من الإيرادات الضريبية غير المتداولة حالياً في اقتصاداتنا”.

لكن هاوسون ترى أن الدخل الأساسي الشامل يحقق العكس.

وقالت: “ففي جنوب أفريقيا، هناك الكثير من المحرومين من جميع الميزات الاقتصادية. ومن أجل تعزيز القاعدة الضريبية، يجب معالجة مشكلة نقص الغذاء والجوع أولاً، وتمكين الناس من الوصول إلى أولى درجات السلم. عندها، يُمكن إطلاق العنان للإبداع البشري وروح ريادة الأعمال. فالناس يريدون أن يكونوا أكثر إنتاجية”.

وبعيداً عن أن القاعدة الضريبية تتعرض لضغوط متزايدة بسبب تمويل الدخل الأساسي الشامل، “تعود الأموال إلى خزائن الحكومة إما من خلال الإنفاق، أو من خلال ضريبة القيمة المضافة، أو تأسيس الشركات. إنه استثمار في مستقبل الاقتصاد، ليس إهداراً”.

مخاوف أخرى

رغم الإمكانيات الكبيرة التي يحملها مفهوم منحة الدخل الأساسي الشامل (UBIG)، إلا أن بعض الباحثين يبدون تحفظات بشأن تطبيقه.

من بين هذه المخاوف، احتمال انكماش سوق العمل إذا لم يعد لدى الأفراد حافز كافٍ للعمل، بحسب ما يقول بعض الخبراء.

وتُعدّ مسألة التضخم تحدياً آخر. ففي إيران، على سبيل المثال، لم تتمّ مراجعة القيمة التي تُصرف ضمن نظام التحويلات النقدية الشاملة منذ إطلاقه عام 2011، ما أدى إلى تآكل فعلي في القوة الشرائية للمستفيدين بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة بشكل حاد، وفقاً لدراسة نُشرت عام 2019 من قبل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (NBER).

ويحذّر الخبراء أيضاً من أن التماسك الاجتماعي قد يتعرض للاهتزاز، وهو ما قد يُفضي إلى حالة من عدم الاستقرار في بعض المجتمعات.

وفي المجمل، ترى البروفيسورة فيفولت أن الأمر يتعلق بقيمة “حرية الاختيار” التي ترغب الحكومات في منحها لمواطنيها، ومدى استعدادها لتحمل الكلفة. وتقول: “على المدى القصير، من غير المرجّح أن يكون تنفيذ هذا النظام على نطاق واسع سياسياً ممكناً في الدول ذات الدخل المرتفع، نظراً لتكلفته الباهظة”.

وتضيف: “غالباً ما يفضّل صناع القرار في الدول منخفضة الدخل استهداف نتائج محددة في قطاعات مثل الصحة أو التعليم. وإذا كانت هذه هي الأهداف المرجوة، فمن الأجدى تطبيق برامج مصممة خصيصاً لتلك المجالات. أما المنح النقدية، فميزةُ مرونتها قد تكون أيضاً مصدر ضعف، إذ يمكن للأفراد إنفاقها بطرق مختلفة ولأغراض متنوعة”.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *