هل حلّت الإمارات مكان سلطنة عُمان في الوساطات الدولية؟

هل حلّت الإمارات مكان سلطنة عُمان في الوساطات الدولية؟
صدر الصورة، Getty Images
- Author, نسرين حاطوم
- Role, مراسلة بي بي سي نيوز عربي لشؤون الخليج
“جيراننا هم أولويتنا”، بتلك الكلمات رحّب وزير الخارجية الإيرانية، عبّاس عراقجي، بالمستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، بعد زيارته للعاصمة الإيرانية الأربعاء الماضي، حاملاً رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إيران.
فلماذا اختارت الإدارة الأمريكية الإمارات؟ وهل دخلت الأخيرة على خط الوساطة بين واشنطن وطهران؟.
ما الذي رفع أسهم الإمارات لدى الإدارة الأمريكية الجديدة؟
اختيار واشنطن للدبلوماسية الإماراتية لإيصال رسالة إلى إيران بشأن برنامجها النووي، أمر لا بد من التوقف عنده لأسباب عدة، إذ يبدو جلياً أن ذلك يعكس ثقة واشنطن في أبو ظبي، التي إلى جانب كونها طبّعت علاقاتها مع إسرائيل بموجب الاتفاقية الإبراهيمية عام 2020، تحافظ في الوقت نفسه على حبل الوصل مع خصم إسرائيل اللدود، إيران.
فقد كانت الإمارات في السابق من أشد الداعمين لسياسة الضغط على برنامج إيران النووي، إلا أنها غيّرت سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة، بعد تصاعد التهديدات الإقليمية لاسيما فيما يتعلق بأمن الملاحة البحرية وأيضاً الهجمات التي طالت منشآت أرامكو السعودية للنفط عام 2019.
فقامت الإمارات بتحسين علاقاتها مع إيران، علماً أنها لم تقطع علاقاتها التجارية معها، لدرجة أنها تُصنّف الشريك التجاري الأكبر لإيران في المنطقة بعد الصين.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
الكاتب الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية عبد الخالق عبد الله، اعتبر أن اللجوء إلى الوساطة الإماراتية يعكس رغبة أمريكية وإيرانية على حد سواء، باعتبار أن الإمارات تلقى تقديراً واحتراماً من قبل الإدارة الأمريكية، كما أن الإيرانيين يرون أن الإمارات مناسبة للعب دور الوسيط لما لها من تقدير في واشنطن.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية “تتابع تقدّم الحوار الإماراتي الإيراني، وبالتالي أرادت أن توظفّه في إيصال رسائل إلى إيران”، بحسب ما قال عبد الله لبي بي سي.
هل سيؤثر الخلاف الإيراني الإماراتي على الوساطة الإماراتية؟
صدر الصورة، Getty Images
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
ولكن إذا ما نظرنا إلى دور الإمارات في الوساطة بين طهران وواشنطن من منظور سياسي وتاريخي، نرى أنه تحوّل مثير للاهتمام.
أولا، لأن الإمارات على خلاف تاريخي مع إيران حول قضية الجزر الثلاث، وثانياً لأن سلطنة عُمان كانت تقليدياً الوسيط الرئيس في الخليج بين إيران والغرب، لاسيما خلال المحادثات السرية التي أدّت إلى الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في عام 2015.
وفي هذا الإطار، لم ينكر الكاتب الإماراتي استمرار وجود الخلافات بين بلاده وإيران بشأن قضية الجزر الثلاث وحول التهديدات الأمنية في المنطقة، وأيضاً حول المخاوف الإماراتية والخليجية عموماً من البرنامج النووي الإيراني.
لكنه أضاف أن كلّ ذلك انتقل من مرحلة المواجهة إلى مرحلة الحوار، إذ باتت هذه الخلافات تُناقش من خلال القنوات الدبلوماسية، لذلك لن تؤثر هذه الخلافات بحسب رأيه على مسألة الوساطة الإماراتية.
وفي المقابل، قالت المحلّلة الإيرانية، فرشته صادقي، إن مطّلعين على فحوى الرسالة التي نقلتها الإمارات إلى إيران، أشاروا إلى أنها تضمّنت شرطاً أمريكياً مسبقاً بوقف دعم إيران لما سمتها “حركات المقاومة” في كلّ من لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية واليمن، على أن تبدأ بعدها واشنطن وإيران المفاوضات فيما يخصّ البرنامج النووي الإيراني، تليها بحث برنامج إيران للصواريخ البالستية.
هل استُبعدت سلطنة عُمان من الوساطة؟
ولفتت صادقي في مقابلة مع بي بي سي، إلى أن الوسيط التقليدي كان تاريخياً سلطنة عُمان، وأحياناً قطر والعراق وسويسرا وروسيا، مرجّحة أن تكون هذه البلدان قد “علمت بفحوى الرسالة الأمريكية والشروط والتهديدات التي تضمّنتها، لذا رفضت نقلها إلى إيران لأنها لا ترغب بنقل أي تهديد إلى طهران”، وفق المحلّلة الإيرانية.
وأشارت صادقي إلى أن إرسال رسائل مشابهة يتم عادة من خلال وزراء الخارجية، إلا أن إيفاد المستشار الدبلوماسي للرئاسة الإماراتية، أنور قرقاش، يعكس برأيها علماً إماراتياً مسبقاً بأن الجانب الإيراني سيرفض فحوى الرسالة.
وأضافت صادقي: “بدا ملفتاً إيفاد قرقاش إلى طهران، فهو شخصية ليست لديها نظرة إيجابية تجاه إيران”.
لكن للكاتب الصحفي المتخصّص في الشؤون الإيرانية، حكم أمهز رأياً مغايراً، إذ اعتبر أن إيفاد قرقاش إلى طهران قد يعني أن “هناك شيئاً من السرية في فحوى الرسالة، وإلا لما تم إيفاد هذه الشخصية بما تحملها من خصوصية لاسيما فيما يخصّ دوره كأحد أبرز منظّري السياسة الاستراتيجية للإمارات” وفق ما قاله لبي بي سي.
أما عن اختيار الإدارة الأمريكية وسيطاً جديداً لنقل الرسالة إلى إيران، فقال أمهز: “لم تتلقّف واشنطن بإيجابية الموقف الحيادي لسلطنة عُمان فيما يخصّ الحرب في اليمن، إذ كانت تنتظر منها الانخراط في الحرب إلى جانب التحالف العربي”.
أما فيما يخصّ قطر، فاعتبر أمهز أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست “مرتاحة” للدور القطري فيما يتعلّق بالاتفاق بين حركة حماس وإسرائيل.
وفي سياق متصل، وصف الكاتب العُماني، أحمد الشيزاوي، طريقة تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع الملفات الدولية بالحادة.
ومن هذا المنطلق، رأى أن “الإدارة الأمريكية الحالية تعتبر أن سلطنة عُمان ليست الدولة المناسبة لخوض تفاوض يميل إلى الحدّة، وذلك انطلاقاً من سياسة السلطنة الحيادية وتمسّكها بالحفاظ على العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف وبعدم رغبتها في التصادم”.
ورجحّ الكاتب العُماني أن الجانب الأمريكي كان متأكّداً من أن سلطنة عمان لن تقدم على تسليم رسالة فيها تهديدات لإيران.
صدر الصورة، Getty Images
وقال الشيزاوي لبي بي سي، إن هناك نقاط قوة عدة تتمثّل في متانة العلاقة الإماراتية الإيرانية، وهي ما أدّت إلى اختيار واشنطن لأبو ظبي.
وأضاف أنه “على رغم الخلافات بين أبو ظبي وطهران إلا أن العلاقة بين البلدين متينة، إذ شكّلت الإمارات ولاسيما إمارة دبي المتنفس الاقتصادي الأساسي لإيران في ظل العقوبات الأميركية على إيران”.
وكذلك اعتبر الكاتب العماني أن الجمهوريين يميلون عادة إلى الإمارات والسعودية، فيما يميل الديمقراطيون إلى ما سمّاها “الوساطات الكلاسيكية التقليدية” كقطر وعُمان.
ووصف الشيزاوي اللجوء إلى الوساطة الإماراتية بأنها مغامرة وتجربة جديدة لتغيير الوساطات في المرحلة الحالية، مرجّحاً أن تعود الوساطة إلى السلطنة في حال لم يتقبّل الجانب الإيراني الوساطة الإماراتية، على حدّ قوله.
ويجمع مراقبون للشأن الخليجي أن بروز لاعبين جدد في الوساطات التي كانت تقليدياً تسلّم إلى عُمان، لا يعني تراجع دور السلطنة في هذا الإطار، إنما يعني ظهور وسطاء خليجيين جدد، كدور الوساطة السعودية بين روسيا وأوكرانيا ودور قطر بين حركة حماس وإسرائيل وأخيراً، دورِ الإمارات بين الولايات المتحدة وإيران، وهو أمر يرى المتابعون أنه مؤشر على دور أكثر نشاطاً لعواصم خليجية في الدبلوماسيتين الإقليمية والدولية.
المصدر: صحيفة الراكوبة