
ايقاف الحرب في السودان في اروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة: هل جهود الرباعية قد تكون الفرصة الاخيرة لإسكات البنادق؟
بكري الجاك
لم أتحدث مع أي سودانية أو سوداني داخل السودان أو فى الخارج لم يشكو بؤس حاله و شظف عيشه و ألمه و خوفه من عدم قدرته من تحمل المزيد إذا استمر هذا الحال، اما أوضاع السودانيين الذين عادوا و الذين ما زالوا في النزوح أو في اللجوء فأقل ما توصف به كارثية، و شبح المجاعة حقيقي و ماثل أمر واقع و ليس مجرد تقديرات وتوقعات كما كان في السابق. و لم التق كائن حي بلحمه و دمه حتى الآن من يقول أن في استمرار الحرب خير له، الأمر الذي جعلني موقن أن الكائنات الاسفيرية، التي تتحدث عن ضرورة استمرار الحرب إلى آخر جندي في الدعم السريع بالنسبة لمناصري القوات المسلحة أو الي آخر فلولي بالنسبة لمناصري تأسيس، هم ليسوا كائنات حية تعمل ليل نهار لمساعدة الأهل او الأقارب و تعاني من الدين وضيق ذات اليد ومن قلة الحيلة و ليس لهم أقارب يموتون جوعا و يشحتون في شوارع القاهرة و عواصم دول الجوار و ربما يقومون بأفعال أخرى لسد الرمق. أتفهم أن الغضب والرغبة في الانتقام قد أعمت قلوب الكثيرين و جعلتهم يقولون أحيانا أقوال متناقضة على شاكلة ” نحن مع السلام ولكن السلام مع منو؟ و من ثم يعددون انتهاكات الدعم السريع و بعضهم يمضي و يقول أن هذا غزو أجنبي و يجب أن يقاوم” و من حيث لا يشعرون تجدهم قد أقاموا الحجة لدعم استمرار الحرب.
ببساطة السلام ضرورة بين الأعداء الحقيقيين و المتخيلين و مهما كانت مرارة الحرب وما خلفته في النفوس ففي وقفها خير وفي تحقيق السلام فرصة للانتصار للحق و لتحقيق العدالة و لكن الأهم أن في تحقيق السلام فرصة لإنقاذ حياة الملايين الذين يمكن أن يكونوا في عداد الاموات اذا استمرت الحرب للانتقام للأموات و لما فقدنا من ممتلكات، أما الاهداف السياسية للحرب سواء كانت الدفاع عن مؤسسات الدولة وانهاء ظاهرة تعدد الجيوش أو صد الغزو الأجنبي أو بناء دولة المواطنة أو هزيمة الفلول فكلها يمكن أن تتحقق بوسائل الحل السياسي المتفاوض عليه بواسطة السودانيين أنفسهم أصحاب المصلحة العليا، و تصوير أن الحرب بمثابة قدر الهي أو فرضت علي طرف فهو محض تدليس و مثله مثل السرديات التي حتى لو سلمنا بصحتها جدلا فهي مجرد أدوات حرب ليس الا.
الاهتمام الذي وجدته الحرب في السودان و الكارثية الانسانية التي خلفتها في دهاليز القمة الثمانين للجمعية العامة للامم المتحدة والأنشطة المصاحبة لها هو أمر لم يحدث طوال سنوات الحرب التي تقترب من إكمال عامها الثالث، فالعديد من الرؤساء العرب والأفارقة اشاروا الى ضرورة وقف الحرب فورا والبدء في عملية تفاوضية وعلى سبيل المثال لا الحصر ذكر صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم ضرورة إيقاف الحرب بالتفاوض و كذلك ايضا فخامة الرئيس روتو رئيس جمهورية كينيا. و الأهم أن الرباعية وجدت دعما من خلال الاجتماع المشترك للاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي و الايقاد و الجامعة العربية والمملكة المتحدة وفرنسا و ألمانيا والعديد من الدول الافريقية. بشكل عام لم تجد قضية السودان مثل هذا الاهتمام ربما منذ اتفاقية السلام الشامل و لم تجد عملية إسكات البنادق إجماعا دوليا مثل الذي حدث في أروقة الجمعية العامة و ما صاحبها من انشطة، وإن كان من المؤسف أن يكون دوما اهتمام العالم بالسودان لإيقاف حرب ما، و نتمنى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه اهتمام العالم بالسودان لأن به علماء اكتشفوا لقاحا او طوروا تقنية لمقاومة ظاهرة التغير المناخي، ولكن الأشد أسفا هو أن السودانيين انفسهم ليسوا متفاعلين بما يكفي من أجل جعل هذا الاهتمام يتحول الي حقيقة عملية تؤدي الى ايقاف الحرب وعودة الحياة المدنية و إغاثة الناس و تهيئة المناخ لحوار سوداني جامع بين السودانيين لجعل حرب 15 أبريل آخر حروبهم بوضع لبنات لعقد اجتماعي يؤسس لتعايش سلمي و يحتفي بالتنوع لنمكن الأجيال القادمة بالمساهمة الايجابية في مسيرة البشرية باكتشافات علمية و صناعية.
ما أخشاه أن هذه ربما تكون الفرصة الأخيرة لإسكات البنادق، و التوافق الذي تم بين دول الرباعية، وهي دول مؤثرةفي مشهد الحرب في السودان، أمر ليس بيسير و قد لا يحدث بسهولة إذا انهارت هذه الجهود. أما اذا انهارت هذه الجهود و عاد كل فريق إلى تصوراته حول إمكانية النصر العسكري و ذهب كل الى حلفائه في الداخل والخارج لحشد الدعم لمواصلة الحرب ففي ظني هذا سيكون خطر ماحق، و التصورات البسيطة أن هناك طرف سيظل متماسك و يحارب و يحرر الأرض ستصبح حلم و قد يأتي اليوم أن تتحول كل أرض السودان إلى ساحة حروب تسيطر عليها كانتونات عسكرية لها ارتباطات اثنية داخلية و تحالفات خارجية و قد يكون ما شهدنا من انتهاكات حتى الآن مجرد مناظر لما قد يأتي، فليس هنالك مصالح متطابقة في هذه تحالفات الحرب العسكرية مهما حاول البعض تصويرها و تجميلها و قد يفقد الجميع السيطرة، أما الانقسام الاجتماعي والاستقطاب الأثني و الجغرافي سيتضاعف و سيصبح هو المحرك الجديد للحروب التي ستتوالد. أما اذا انهارت هذه الجهود فلكم أن تتخيلوا كم من الوقت سنحتاج الي الوصول الي هذه النقطة مرة أخرى وبعد كم من الخسائر و الدمار؟
خلاصة القول أن هناك فرصة مؤاتية لدي معسكر بورتسودان و لمعسكر تأسيس للوصول إلى تسوية سياسية قد لا تحقق لكل طرف كل تطلعاته لكنها يمكن أن تؤسس الى نقطة بداية جديدة تنقل الصراع إلى مربع سياسي جديد وهذا ممكن ومتاح متى ما تخلينا عن قلة الحيلة بالاستسلام إلى ضيق الأفق و ضعف الخيال الذي يصور لنا دائما أن الموقف يجب أن يكون صفريا من الأعداء المصنوعين و المتخيلين، وفي حقيقة الأمر ليس هناك أعداء دائمين في هذه الحياة القصيرة الطويلة، وإذا ركزنا على المصالح المشتركة وليس المواقف المسبقة بفعل الغضب سنجد أننا كلنا كسودانيين لنا مصلحة جامعة في ايقاف الحرب و في تحقيق السلام و في خلق شروط فرص التعايش المشترك بما في ذلك تجار الحروب إذ يمكنهم كسب الكثير من المال في ظل حياة مدينة مستقرة و آمنة.
بكري الجاك
26 سبتمبر 2025
المصدر: صحيفة التغيير