اخبار السودان

هل تنجح روسيا في كسر عزلتها بـ”بديل الأولمبياد”؟

تسعى روسيا لكسر عزلتها الرياضية بعد غزوها لأوكرانيا من خلال تحدي شرعية البطولات العريقة بإطلاق نسخ بديلة منافسة، مما يمكن أن يؤدي لشرخ في المؤسسات الرياضية الدولية.

واتهمت اللجنة الأولمبية الدولية، الثلاثاء، روسيا “بتسييس الرياضة” من خلال إطلاق “ألعاب الصداقة”، وهي مسابقة جديدة منافسة للألعاب الأولمبية، وتخطط أيضا لإقامة نسخة شتوية.

وجراء غزو الكرملين لأوكرانيا، جمدت المؤسسات الرياضية الدولية مشاركة الرياضيين الروس بالمنافسات الدولية إلى حد كبير، قبل أن تسمح عدة اتحادات بقبول هؤلاء الرياضيين بشروط.

وسط الحرب المستمرة في أوكرانيا، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في ديسمبر الماضي أن الرياضيين الروس والبيلاروسيين سيكونون مؤهلين للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية التي تقام هذا الصيف في باريس كرياضيين أفراد، تحت علم محايد، دون أن يشاركوا في حفل الافتتاح.

كذلك، اشترطت اللجنة الأولمبية الدولية على هؤلاء الرياضيين الروس ألا يدعموا غزو أوكرانيا حتى يستوفوا شروط المشاركة في ألعاب باريس 2024.

ردا على ذلك، اعتبرت ممثلة روسيا لدى الأمم المتحدة بشكل خاص اختيار اللجنة الأولمبية الدولية حرمان الرياضيين الروس من ألوانهم الرسمية “قرارا مسيسا وتميزيا ومنافقا”.

ما هي ألعاب الصداقة؟

يعود تاريخ ألعاب الصداقة إلى عام 1984 عندما نظم الاتحاد السوفيتي نسخة منافسة للأولمبياد بعد مقاطعة الاتحاد السوفيتي ودول اشتراكية أخرى لدورة لوس أنجلوس الأولمبية التي أقيمت خلال العام ذاته، بحسب شبكة “سي إن إن” الإخبارية.

وبحسب رويترز، فإن ألعاب الصداقة التي لم تقم سوى نسخة واحدة منها، شاركت فيها 50 دولة، وسيطر عليها السوفييت بـ126 ذهبية، قبل ألمانيا الشرقية بـ 50 ميدالية ذهبية.

وبينما كانت الدول المقاطعة تنافس بأفضل رياضييها، أرسلت دول أخرى بعثات تضم رياضيين فشلوا في التأهل للألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس عام 1984.

لكن المشروع الذي ولد من رحم السياسة قبل 40 عاما عاد من جديد بعد إعلان وزير الرياضة الروسي في مايو الماضي إعادة هذه الدورة وتنظيمها بالعاصمة موسكو خلال الخريف المقبل، أي بعد انتهاء منافسات أولمبياد باريس.

ووفقا لوكالة الأنباء الروسية الرسمية “تاس”، من المتوقع أن يشارك 5500 شخص في ألعاب الصداقة، ويتنافسون على جوائز إجمالية تبلغ 4.6 مليار روبل (حوالي 50 مليون دولار).

ونقلت وكالة “تاس” عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قوله إن الحدث يضمن “الوصول الحر للرياضيين والمنظمات الرياضية الروسية إلى الأنشطة الرياضية الدولية”.

ماذا تقول اللجنة الأولمبية الدولية؟

اللجنة الأولمبية الدولية قالت إنها تدين بشدة “أي مبادرة لتسييس الرياضة بشكل كامل، لا سيما تنظيم أحداث رياضية مسيسة بالكامل من قبل الحكومة الروسية”.

وأضافت في بيانها أن موسكو من خلال إطلاقها هذه الألعاب، تمارس “انتهاكا صارخا للميثاق الأولمبي” وكذلك “انتهاك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة” و”عدم احترام الرياضيين ونزاهة المسابقات الرياضية”، داعية الرياضيين والحكومات التي دعتها روسيا “رفض أي مشاركة ودعم” لهذا الحدث.

وأوضحت اللجنة الأولمبية الدولية أنها لا تلوم الروس تنظيم إنشاء مسابقات متعددة الرياضات خارج رعايتها نظرا لوجود العديد منها بالفعل، بينها ألعاب الكومنولث أو الألعاب الفرانكوفونية ولكن للقيام بذلك عبر “هجوم دبلوماسي مدعوم تماما، من خلال اتصالات مباشرة مع الحكومات في جميع أنحاء العالم”.

بماذا ترد روسيا؟

اتهمت روسيا اللجنة الأولمبية الدولية، الأربعاء، بممارسة “العنصرية والنازية الجديدة” بسبب قواعد الحياد التي فرضتها على الرياضيين الأولمبيين الروس والعقوبات المحتملة على المشاركين في “ألعاب الصداقة” التي سينظمها الكرملين.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن “هذه القرارات تظهر إلى أي مدى ابتعدت اللجنة الأولمبية الدولية عن مبادئها المعلنة وانزلقت إلى العنصرية والنازية الجديدة”.

كما اتهمت موسكو، الأربعاء، الأولمبية الدولية بترهيب الرياضيين الراغبين بالمشاركة في ألعاب الصداقة.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن “هذا تخويف للرياضيين. هذا يقوض تماما سلطة اللجنة الأولمبية الدولية”، وذلك عقب اتهام الأخيرة موسكو بـ”تسييس الرياضة” من خلال تنظيم هذه المسابقة.

هل يمكن لألعاب الصداقة منافسة الأولمبياد؟

يختلف محللون رياضيون في قدرة روسيا على كسر عزلتها من خلال هذه تنظيم ألعاب منافسة للبطولات الرياضية التقليدية، المعروفة منذ عشرات السنين.

وفي هذا الإطار، قال المحلل الرياضي، هاني اللؤلؤ، إن ألعاب الصداقة “لا يمكنها” منافسة الدورة الأولمبية على اعتبار أن الأخيرة أكبر حدث رياضي في العالم، ويعود تاريخها الحديث إلى عام 1896.

وأضاف في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن الأولمبياد “شيء لا يمكن مقارنته بأي حدث رياضي آخر بوجود كل الألعاب الرياضية وكل دول العالم وكل الإمكانات متوفرة له”، مضيفا أن “روسيا تريد الأضواء” من إعادة ألعاب الصداقة.

وتابع اللؤلؤ قائلا: “حديثي هنا رياضي بحت وليس لي علاقة بالسياسة”.

ويذهب المحلل الرياضي، رائد عابد، في اتجاه معاكس بقوله إن “هذا التوقيت يساعد موسكو” في كسر عزلتها الرياضية.

وقال عابد لموقع “الحرة” إن خلفيات هذه القضية تعود لمواقف سياسية بعد غزو أوكرانيا، لكن المؤسسات الرياضية الدولية لم تتعامل بالمثل مع إسرائيل، على حد قوله.

واستطرد قائلا: “روسيا تخطط تخطيطا ذكيا لكسر العزلة.. المؤسسات الدولية عزلت الرياضيين الروس ولم تفعل ذلك مع إسرائيل التي قتلت رياضيين ودمرت منشآت رياضية” في حرب غزة، موضحا أنه “من هذا الباب تجد روسيا تعاطفا كبيرا من بعض الدول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل وحتى دول عربية”.

ما هي علاقة فضيحة المنشطات؟

ومن المتوقع أيضا أن تقام نسخة شتوية من ألعاب الصداقة في سوتشي عام 2026، وهو نفس العام الذي تقام فيه الألعاب الأولمبية الشتوية في ميلانو وكورتينا دامبيزو.

وتملك سوتشي تاريخا في هذا المجال بعد استضافتها الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014، وهي نقطة بداية الخلافات بين موسكو واللجنة الأولمبية الدولية.

بعد تلك الألعاب، أدينت روسيا بفضيحة تعاطي ممنهج لرياضييها للمنشطات وتم فرض عقوبات عليها في سياق تورط العديد من المسؤولون الكبار وعملاء المخابرات لسنوات طويلة، لكن بلغت ذروتها في سوتشي 2014.

وتسببت ما وصفته وكالة فرانس برس بأنه “أكبر عملية غش مؤسسية في تاريخ الرياضة الحديث” في حظر البلاد من نشيدها الوطني وألوانها الرسمية في الألعاب الأولمبية الصيفية 2020 التي أقيمت في طوكيو عام 2021 بسبب انتشار فيروس كورونا، والألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عام 2022.

وقال عابد إن تلك القضية “بداية صراع اللجنة الأولمبية الدولية والرياضيين الروس بعد اكتشاف أكثر من 1100 عينة منشطات أخفيت من مختبرات روسية”.

وأردف بقوله إن “الملفات السابقة (المتعلقة بالمنشطات) تؤثر على الملفات الحالية” في علاقة روسيا باللجنة الأولمبية الدولية، مردفا: “لا أعتقد أن هناك فصلا بالجانب السياسي عن الرياضي”.

وتابع عابد: “اعتقد أن هناك بعض الدول التي ما زالت مرتبطة بمصالح مع روسيا علاوة على دول الاتحاد السوفيتي السابقة التي ما زالت ترى أن روسيا دولة قوية.. روسيا لم تقدم (على هذه الخطوة) إلا بالتنسيق مع حلفائها”.

وتأتي ألعاب الصداقة الصيفية والشتوية لتضاف إلى دورة ألعاب المستقبل التي تنظم في قازان خلال الفترة من 21 فبراير إلى الثالث من مارس التي تجمع بين الألعاب التقليدية والرياضة الإلكترونية، وإلى “ألعاب البريكس” المقررة في المدينة نفسها خلال الفترة من 12 إلى 23 يونيو والتي من المقرر أن تستضيف “رياضيين من أكثر من 50 دولة”، حسب السلطات الروسية.

وفي هذا الصدد، قال اللؤلؤ إن روسيا تجد في تنظيم هذه البطولات “سبيلا لكسر عزلتها”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن تجاهل أن روسيا دولة كبيرة وتحاول كسر العزلة بشتى الطرق الممكنة”.

ومع ذلك، يعتقد اللؤلؤ أن مشاركة الرياضيين الروس في باريس وإن كان ذلك تحت العلم المحايد “قرار من شأنه إذابة الجليد وأن يساهم بعودة العلاقات الفاترة مع ضرورة وضع في الاعتبار أن أساس المشكلة هي آفة المنشطات”، قائلا: “استبعد حدوث شرخ”.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *