هل تدفع مخاطر اضطرابات الأكل إلى وضع خطط طوارئ صحية في بعض الدول؟
هل تدفع مخاطر اضطرابات الأكل إلى وضع خطط طوارئ صحية في بعض الدول؟
سلط نواب بريطانيون الضوء على حجم المخاطر التي تواجه من يعانون من اضطرابات الأكل على نحو قد يفضي إلى الوفاة ومعاناة أفراد الأسرة بسبب “الرعاية غير الكافية” المقدمة لهم في المجتمع.
وقالت المجموعة البرلمانية المشتركة للأحزاب بشأن اضطرابات الأكل، وهي مجموعة غير رسمية داخل البرلمان البريطاني تضم أعضاء من مختلف الأحزاب السياسية لمناقشة موضوع معين، في تقرير لها إن الزيادة “المثير للقلق” في حجم الإصابة باضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية والشره المرضي، على مدى السنوات العشر الماضية، أصبحت تشكّل “حالة طوارئ”.
وتظهر علامات عدة في سلوكيات الفرد عند إصابته باضطرابات الأكل على الرغم من عدم معرفة السبب الرئيسي وراء هذه الاضطرابات. ولكن هناك مجموعة عوامل تسهم في حدوث هذه المسببات عند الفرد كالعوامل الحيوية، والنفسية، والاجتماعية، وغيرها.
وتؤدي اضطرابات الأكل إلى خلق جو من العُزلة والوحدة لمن يُعانون أعراضها، فكثيرون ممن شُخصت حالاتهم المرضية باضطرابات الأكل يتمنون أن يُحاطوا بمجتمع داعم لهم.
وتبرز حاجة ماسة إلى زيادة الوعي بشأن أنواع مختلفة من اضطرابات الأكل، وكيف تؤثر على الذكور والإناث من جميع الأعمار والأجناس.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
وتعترف هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية بأن خدمات الرعاية تعاني من ضغوط شديدة، لكنها قالت إن جميع صناديق تمويل خدمات الصحة النفسية تتيح الآن للمراهقين والشباب مساعدة ورعاية في وقت مبكر.
“عدم تناول أي شيء”
تأثرت أوليماتا تال، في سن الثالثة عشرة، ببعض المشاكل الأسرية، على نحو دفعها إلى حرمان نفسها من الطعام والإفراط في ممارسة التمارين الرياضية.
كان هذا هو الشيء الوحيد الذي شعرت أن بإمكانها التحكم فيه.
قالت أوليماتا: “سرعان ما تحولت عادة تناول الطعام الصحي إلى تناول كميات أقل، ثم إلى عدم تناول أي شيء على الإطلاق”.
وأضافت: “أتذكر أنني شعرت كما لو أنني قشرة بشرية بمعنى الكلمة”.
وقالت: “كنت أضطر إلى الاستحمام عدة مرات في اليوم، لأن جسدي أصبح عاجزا عن الاحتفاظ بدفئه”.
دفع الأمر بعض معلميها إلى الشك في وجود خطأ ما، لكنهم لم يتدخلوا.
وعندما ذهبت أوليماتا إلى طبيب عام أول مرة، طلب منها أن “تأكل كعكة فقط”.
“شعور بالذنب”
قالت أوليماتا، التي تبلغ من العمر الآن 27 عاماً، إن ثقافتها المختلطة التي تجمع بين الثقافة الغامبية والإنجليزية أضفت بُعدا آخر من التعقيد على تجربتها.
وأضافت: “جانب كبير من الثقافة الأفريقية، في رأيي، يتمحور حول التحلي بالقوة وصلابة الإرادة”.
وقالت: “لم أر أي شخص يشبهني يعاني من اضطراب في الأكل”.
شخّص الأطباء حالتها بأنها مصابة بفقدان الشهية، وواصلت أوليماتا تلقي الدعم المستمر من خدمات الصحة النفسية للأطفال والمراهقين في بريطانيا، الأمر الذي “أنقذ حياتها”، على حد قولها، على الرغم من أنها لا تزال تشعر “بذنب الناجي”، وهي حالة نفسية تصيب شخصا نجا من موقف خطر، في حين تضرر أو مات آخرين بسببه.
“التمويل غير كاف”
قضت اللجنة البرلمانية ستة أشهر في الاستماع إلى تجارب “مروعة” من مرضى وأسر وأطباء وأكاديميين.
ويقول التقرير إن اضطرابات الأكل غالباً ما يُساء فهمها، ويُنظر إليها على أنها اختيار لأسلوب حياة يؤثر فقط على الفتيات المراهقات.
بيد أن اضطرابات الأكل في واقع الأمر هي أمراض نفسية خطيرة يمكن علاجها.
ويشير التقرير إلى احصاءات تظهر زيادة عدد الأشخاص الذين يصابون باضطرابات الأكل على النحو التالي:
- يعاني 12 في المئة من جميع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و19 عاماً، ونحو 21 في المئة من الفتيات، من اضطرابات الأكل، وفقا لدراسة عن الصحة النفسية أجريت عام 2023.
- يمكن أن يتأثر ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين بالغ في بريطانيا، من جميع الأعمار، في مرحلة ما من مراحل حياتهم باضطرابات الأكل، على غرار عدد الأشخاص المصابين بمرض السكري، وفقا لدراسات أخرى.
- سجلت حالات دخول المستشفيات بسبب المعاناة من اضطرابات الأكل في إنجلترا زيادة مطردة منذ عام 2000، كما ارتفعت حالات الإصابة منذ جائحة كوفيد، وسجلت ما يزيد على 31 ألف حالة دخول إلى المستشفى خلال الفترة بين عامي 2023 و2024.
ويقول التقرير إن خدمات الدعم تعاني من نقص “حاد” في التمويل، كما توجد عقبات تعترض سبيل الاستفادة من العلاج، فضلا عن وجود تفاوت كبير في جودة الرعاية المقدمة داخل المملكة المتحدة.
وتدعو هذه الخطة إلى:
- وضع إستراتيجية وطنية لدعم البالغين والشباب والأسر وموظفي الرعاية الصحية بشكل مناسب.
- تنظيم دورات تدريبية إلزامية تتيح للعاملين في الخطوط الأمامية، مثل المعلمين والممرضات، إمكانية اكتشاف الأمراض المختلفة وتقديم المساعدة.
ويقول فيك تشابمان، استشاري طب الأطفال والمراهقين لدى خدمة اضطرابات الأكل التي تديرها مستشفى رويال فري في لندن: “إنها فكرة جيدة للغاية”.
ويضيف: “يوجد تفاوت كبير في علاج اضطرابات الأكل”.
كافحت مولي كامبل، 17 عاما، وعائلتها طوال ست سنوات من أجل تشخيص حالتها المرضية التي تعرف باسم اضطراب تجنُّب أو حصرية تناول الطعام (ARFID).
ما هو اضطراب تجنُّب أو حصرية تناول الطعام؟
خلال هذه الحالة المرضية يتجنب الأشخاص المصابون باضطراب الأكل أطعمة معينة أو مجموعات غذائية كاملة لذلك قد يكافحون للحفاظ على وزن صحي أو للحصول على الكميات المناسبة من العناصر الغذائية.
ولا يكون الاضطراب مدفوعا بأمور تتعلق بالوزن وصورة محددة عن شكل الجسم.
ويحدث الاضطراب نتيجة قلة الاهتمام بالطعام والأكل، أو مشاكل حسية أو مخاوف بشأن الشعور بالتوعك أو التوعك فعلا بعد تناول الطعام.
كما يمكن أن يشمل ذلك الحساسية الشديدة للمذاق أو الملمس أو الرائحة أو المظهر لأنواع معينة من الطعام، أو القدرة على تناول الأطعمة فقط عند درجة حرارة معينة.
لم تُقدَّم خدمات الرعاية لمولي باعتبارها شخصاً متعنتاً في اختيار الطعام، كما رفضت مراراً المساعدة من خدمات اضطرابات الأكل لأنها لم تتوافق مع المعايير المعروفة لهذه الاضطرابات.
وتقول مولي: “اعتقدت أن الطريقة الوحيدة التي تجعلني أحصل على المساعدة تكمن في تناولي كميات أقل من الطعام، وفقدان المزيد من الوزن وسوء حالتي المرضية”.
وبدون مساعدة من المتخصصين، كانت عائلتها اليائسة تصطحب مولي بانتظام إلى قسم الحوادث والطوارئ، بسبب آلام حادة في الصدر، والتي قال الأطباء إنها قد تكون ناجمة عن عاداتها الغذائية.
وتقول مولي: “كنت في مأزق لم أجد له مخرجاً”.
لكنها الآن بعد أن حصلت على مزيد من المعلومات حول حالتها، تشعر بالإيجابية، وتستعد لبدء فصل جديد في الجامعة، في سبتمبر/أيلول المقبل.
“أكثر من متدهورة”
عاش ريتشارد كويغلي، عضو البرلمان عن حزب العمال، “كابوساً” عندما شاهد طفله يعاني بشدة من اضطرابات الأكل.
ويقول: “مشاهدة إنسان كان يمتلئ بروح الحيوية والذكاء والدعابة، يشعر حاليا بالضياع والخوف بسبب عدم وجود علاج، يجعلك تشعر بخذلان”.
وتقول هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا، كجزء من خططها طويلة الأجل، إنها استثمرت أموالاً إضافية لتقليل فترات انتظار المرضى لتلقي خدمات الرعاية من اضطرابات الأكل، كما تستثمر ما يزيد على مليار جنيه إسترليني سنوياً لتوفير الرعاية الصحية النفسية للبالغين.
بيد أن كويغلي يصف الخدمات بأنها “أكثر من متدهورة”، وتوجد حاجة إلى المزيد من الاستثمارات، الأمر الذي من شأنه أن يوفر أموال هيئة الخدمات الصحية الوطنية في الأمد الطويل، كما يجب تنظيم دورات تدريبية محددة للأطباء العامين وأطباء الأسنان ومقدمي الرعاية.
ويقول: “نحن لا نتحدث فقط عن نصف يوم من التدريب هنا. بل نتحدث عن أيام على مدار العام لفهم الفروق الدقيقة، ليس فقط ما يتعلق باضطرابات الأكل، ولكن الأنواع المختلفة الأخرى من اضطرابات الأكل”.
التدخلات المبكّرة
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
قالت كلير مردوخ، مديرة الصحة النفسية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا، إن خدمات اضطرابات الأكل “تتعرض بدون شك لضغوط شديدة”، بيد أن أكثر من أربعة من كل خمسة أطفال وشباب، يحتاجون إلى علاج عاجل، بدأوا بالفعل العلاج في غضون أسبوع واحد.
وأضافت: “توجد حاجة إلى بذل مزيد من الجهود، ولهذا السبب تقدم كل مؤسسة للصحة النفسية الآن تدخلاً مبكراً بناء على أدلة لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاماً ويعانون من اضطرابات الأكل”.
ويحذر التقرير أيضاً من مخاطر لجوء بعض العيادات إلى عدم تقديم خدماتها للمرضى عندما يصبح مؤشر كتلة الجسم (أي قسمة وزن الجسم على الطول بالمتر) منخفضاً جداً، أقل من 15، مما يدل على وجود اضطرابات شديدة في الأكل، (جدير بالذكر أن مؤشر كتلة الجسم عندما يسجل أقل من 18.5 يدل على أن الوزن أقل من الطبيعي).
وتخشى الناشطة هوب فيرغو من أن يُنظر إلى بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل لفترة طويلة ومعقّدة على أنهم “غير مستجيبين للعلاج” ومن ثم “تركهم في منازلهم حتى يموتوا”.
وعلى الرغم من ذلك يقول بعض الخبراء إن ثمة حالات يمكن فيها خروج مثل هؤلاء المرضى، طالما كان متاحا القدر المناسب من الرعاية المكثفة أو رعاية المرضى في مجتمعهم.
المصدر: صحيفة الراكوبة