سارع قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” إلى نفي التقارير التي أشارت إلى عزمه فصل إقليم دارفور عن بقية أنحاء السودان، وذلك بعد أن سيطرت قواته على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم.

التغيير _ وكالات

وقال دقلو، في خطاب مصوّر، إن هذه مجرد شائعات أطلقها بحسب وصفه المرجفون والساعون إلى الفتنة، لكنه في الخطاب ذاته أعلن أن قوات من الشرطة الفيدرالية التابعة لحكومة تأسيس التي يقودها ستنتشر في الفاشر لحفظ الأمن بعد انسحاب القوات العسكرية، مؤكدًا أن حكومته ماضية في حفظ الأمن وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين. وقال دقلو: “تحرير الفاشر هو انتصار عسكري مهم، لكنها ستظل رمزًا لوحدة السودان”.

ورغم تأكيدات قائد قوات الدعم السريع وتطميناته بعدم رغبته في الانفصال، إلا أن العديد من المؤشرات والشواهد تشير إلى أن الأمور قد تمضي في اتجاه الانفصال أو التقسيم على أقل تقدير
قال قائد قوات الدعم السريع السودانية، الفريق محمد حمدان دقلو، إن “تحرير الفاشر انتصار عسكري مهم، لكنها ستظل رمزاً لوحدة السودان”
وتقول الكاتبة والمحللة السياسية شمائل النور إن ما وصفته بـ”سلوكيات قوات الدعم السريع” جعل الهوة بينها وبين المجتمع السوداني تتسع كثيراً.

“بعد الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر، فإن هذا السلوك قد يسهم في انفصال إقليم دارفور باعتبار أن المجتمع بشكل عام قد يتقبل فكرة الانفصال عن هذه المجموعة التي تقوم بمثل هذه الأفعال المشينة”.
في يونيو الماضي، شكّلت قوات الدعم السريع وفصائل أخرى من بينها الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تمتلك نفوذاً واسعاً في ولاية جنوب كردفان حكومة موازية أطلقت عليها اسم حكومة تأسيس، وقالت إنها تسعى إلى وقف الحرب وحماية المدنيين.
وفي أغسطس الماضي، تم الإعلان رسمياً عن هيكل الحكومة ومسؤوليها، حيث تم تعيين حميدتي رئيساً للمجلس الرئاسي (بمثابة رئيس الجمهورية)، ومحمد حسن التعايشي رئيساً للوزراء، كما ذهبت الحكومة إلى أبعد من ذلك حين عينت قوني مصطفى شريف مندوباً للسودان لدى الأمم المتحدة.

سلام يؤدي إلى تقسيم

منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، طُرحت العديد من الوساطات الإقليمية والدولية للتوصل إلى حل تفاوضي ينهي الأزمة.

وظلت الحكومة السودانية، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، ترفض تلك المقترحات، لكنها في المقابل سلّمت الأمم المتحدة عبر مبعوث الأمين العام الشخصي للسودان رمطان لعمامرة خارطة طريق خاصة بها تتضمن رؤيتها لحل الأزمة.

غير أن مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان التي تقاتل إلى جانب الجيش رفض هذه الخارطة، معتبراً أنها ستؤدي إلى تقسيم السودان.
وقال مناوي في حديث لبي بي سي إن المسودة تتضمن “بنداً يشير إلى تجميع قوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها ونفوذها الأهلي في إقليم دارفور. هذا المقترح هو دعوة لتقسيم السودان. كيف يمكن لقوات الدعم السريع أن تتجمع في دارفور وتمارس نشاطها من هناك؟ هذه دعوة واضحة للتقسيم، وأنا أرفضها رفضاً قاطعاً، ولم تتم مشاورتنا فيها من الأساس”.

وترسم شمائل النور عدة سيناريوهات لتطور الأوضاع خلال الفترة المقبلة، قائلة إن السيناريو الأول يتمثل في بدء حرب استنزاف كبيرة في محور القتال بإقليم كردفان، إذا أصرت الأطراف المتحاربة على خيار الحل العسكري.

أما السيناريو الثاني الذي ترجّحه فهو تقسيم السودان على غرار ما حدث في ليبيا، وذلك عبر مفاوضات تؤدي إلى قيام حكومتين.

الأولى تحت سيطرة الجيش في الخرطوم، والثانية تحت سيطرة قوات الدعم السريع في دارفور.

وتضيف أن هذا السيناريو مرتبط بإيجاد مخرج للقوات المشتركة التي تقاتل مع الجيش وينحدر قادتها وجنودها من إقليم دارفور.

انفصال دارفور غير وارد

في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، ينشغل القادة العسكريون والمسؤولون الحكوميون حالياً بكيفية تدارك الموقف واستعادة زمام المبادرة وقلب الطاولة على قوات الدعم السريع في محاور القتال، كما أكد الفريق عبد الفتاح البرهان في خطاب متلفز بُث بعد يومين من سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع.

ويبدو أن هناك ثقة لدى بعض المسؤولين في عدم قدرة حكومة الدعم السريع على إدارة شؤون الإقليم أو المضي نحو الانفصال، كما يرى وزير الإعلام خالد الأعيسر.

“شروط تشكيل دولة جديدة غير متوافرة، والحكومة المركزية لا تزال تتمتع بدعم شعبي واسع، حتى داخل إقليم دارفور، حيث ترفض الأغلبية أن تنعزل منطقتهم عن السودان”.

من جانبه، يرى رئيس تحرير صحيفة إيلاف، خالد التجاني، أن ربط سيناريو تقسيم السودان بالحالة الليبية أمر غير منطقي.

“هناك تعقيدات جيوسياسية كبيرة في المشهد السوداني تختلف عن الأوضاع في ليبيا. الواقع في دارفور معقد للغاية؛ فهناك تداخل قبلي وإثني واسع، مما يجعل من الصعب على جهة واحدة، مثل قوات الدعم السريع، إدارة الإقليم، الذي يفتقر أصلاً إلى الموانئ والمنافذ”.

ورغم تشكيكه في احتمال انفصال دارفور بسبب غياب المنافذ البحرية، إلا أن ذلك لم يمنع جنوب السودان من الانفصال عن السودان في ظل عدم وجود موانئ وذلك منذ عام 2011

ويرى التجاني أن المقاربة بين التجربتين غير منطقية.

“في تجربة جنوب السودان، كان هناك شبه إجماع دولي على منح الإقليم حق تقرير المصير والانفصال، استناداً إلى اختلافات ثقافية ودينية وإثنية واضحة بين الشمال والجنوب. أما في دارفور، فالوضع مختلف؛ فالثقافات والأديان واللغة واحدة، والأهم أن هناك شبه إجماع دولي على رفض فكرة التقسيم والانفصال”.

الجدير بالذكر أن جنوب السودان كان قد انفصل عن السودان في عام 2011 بعد استفتاء شعبي على مبدأ تقرير المصير، ما أدى إلى فقدان السودان نحو ثلث مساحته الجغرافية جنوباً، بما فيها من ثروات وموارد نفطية.

نقلاً عن “بي بي سي” _ محمد محمد عثمان

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.