عثمان الخميس و”الهوى السياسي”.. أين اختفت الغيرة من إيران؟

وطن في الوقت الذي حازت فيه زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران اهتمامًا إقليميًا واسعًا، بدا لافتًا الغياب التام لأي تعليق أو موقف من الداعية الكويتي عثمان الخميس، الذي لطالما اشتهر بمواقفه المتشددة ضد إيران وحلفائها، وخاصة حركة حماس.
هذا الصمت المفاجئ فتح بابًا واسعًا للجدل، خاصة أن الخميس لم يتردد سابقًا في مهاجمة حماس لمجرد ظهور أحد قادتها في طهران، واعتبر ذلك انحرافًا يستوجب الإدانة، بل ذهب أبعد من ذلك حين حوّل أي تقارب مع إيران إلى مادة تخوين ديني وسياسي.
لكن مع دخول السعودية رسميًا على خط التواصل مع إيران، والتقارب الذي تجسّد في زيارة رسمية لواحد من أعلى مسؤوليها العسكريين، لم نسمع من عثمان الخميس كلمة واحدة، لا تلميحًا ولا تصريحًا. لم يكن الخطاب الصاخب حاضرًا، ولم تُستدعى العبارات النارية التي طالما شُنّت بها الحملات على خصوم العقيدة وفق تعبيره ولا حتى تحذيرات من “المدّ الشيعي” الذي اعتاد التحذير منه.
هذا التناقض أثار تساؤلات مشروعة. هل العلاقة مع إيران حلال عندما تكون من بوابة السعودية وحرام إذا جاءت عبر فلسطين؟ هل الموقف الديني يُقاس بالولاء السياسي؟ أم أن المبادئ تتبدل وفق المصلحة؟
غياب الصوت من عثمان الخميس هذه المرة لم يفسّره أحد على أنه حياد، بل اعتُبر تنازلًا صريحًا عن مبدأٍ طالما رُفع كراية، وكان لسنوات عنوانًا رئيسيًا في خطابه الدعوي. المتابعون على منصات التواصل لم يُخفوا دهشتهم، بل صبّوا انتقاداتهم على ما اعتبروه ازدواجية فاضحة في المعايير، وسلوكًا يُظهر أن الصوت لا يعلو إلا على الطرف الأضعف، أما إذا تعلّق الأمر بالحكّام، فإن الحكمة تفرض الصمت.
اللافت أن الغياب هذه المرة جاء متزامنًا مع حملة دعائية سعودية لتسويق الزيارة على أنها انفتاح سياسي مسؤول، بينما كان المتابعون ينتظرون رأي الداعية الأشهر في التحذير من هذا “الخطر الشيعي” الذي كثيرًا ما ملأ به خطبه وندواته. لكن لا شيء، لا بيان، ولا حتى تغريدة، بل صمت كامل وكأن شيئًا لم يكن.
وفيما يستعد أنصاره لتبرير الغياب بحجج مألوفة من قبيل “السكوت حكمة” أو “لكل مقام مقال”، لم تعد هذه المبررات تنطلي على أحد، في زمن تُوثّق فيه المواقف وتُقارن، وتُرصد فيه التناقضات بلمسة شاشة.
الصمت هذه المرة لم يكن عابرًا، بل كان مدويًا. صمت كشف أكثر مما قال، وهزّ صورة مَن اعتاد أن يُقدَّم كصوت الحق في زمن المساومة.