رغم الانتقاد الضمني والنادر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب الضربة الجوية التي استهدفت قادة حركة حماس في قطر ، إلا أن تداعيات ذلك تتجاوز الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس.
وبدأ ترامب انتقاده في محاولة للنأي بنفسه عن ضربة وجهت ليس فقط لحليف لبلاده، وإنما لحليف “وثيق وصديق”، بحسب تعبيراته.
وسلطت وسائل إعلام دولية الضوء على الجهات والأطراف التي يمكن أن يُنظر إليها باعتبارها خرجت خاسرة من هذه الضربة.

علاقة واشنطن بالدوحة.. “خيانة”
في تقرير، كتب ستيفن كولينسون، كبير مراسلي شبكة “سي إن إن” في شؤون البيت الأبيض والسياسة الأمريكية، أن الضربة الإسرائيلية “انتهكت بشكل صارخ سيادة حليف حيوي للولايات المتحدة“.
ونقل التقريرعن السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل إدوارد جيرجيان، الذي خدم في ثماني إدارات أمريكية بداية من الرئيس جون كينيدي وحتى الرئيس بيل كلينتون، قوله إنه “من الواضح أن إسرائيل لا تولي اهتماما كبيرا لمصالح الأمن القومي الأمريكي”.
ويرى مراقبون أن الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على قطر يعد مسألة بالغة الحساسية بالنسبة إلى علاقة الولايات المتحدة بقطر، التي تستضيف قاعدة العديد الجوية، وهي الأكبر لواشنطن.
وفي عام 2022، أبلغ الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن الكونغرس رسميا بتصنيف دولة قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو).
عقب عودة ترامب إلى البيت الأبيض، كانت قطر ضمن جولته الخليجية، وقدمت له الدوحة طائرة فاخرة من طراز “بوينغ 7478” ليستخدمها كطائرة رئاسية.
وسارع ترامب بعد الضربة الإسرائيلية إلى الطلب من ماركو روبيو، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، بإنجاز اتفاق تعاون دفاعي مع قطر.
وفي حين أعلنت الرئاسة الأمريكية أن مبعوث ترامب أبلغ قطر مسبقا بالهجوم الإسرائيلي، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن الاتصال الذي أجراه “أحد المسؤولين الأمريكيين جاء خلال سماع دوي صوت الانفجارات الناتجة عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة“.
في تقريرها، نقلت “سي إن إن” عن مراقبين قولهم إن قطر “ستعتبر الهجوم الذي شنه أقرب حليف لأمريكا في الشرق الأوسط خيانة لها بعد سنوات من العمل على تعزيز أولويات الدبلوماسية الأمريكية، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في صفقات تتجاوز المنطقة”.
يشار إلى أن قطر ساعدت إدارة ترامب في التوسط لإبرام اتفاقيات سلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأرمينيا وأذربيجان. كما ساعدت الدوحة في تحرير رهائن أمريكيين في فنزويلا و روسيا.


“تقويض دور قطر كوسيط” في حرب غزة
ويحذر خبراء من تداعيات الضربة الإسرائيلية على دور قطر، التي تلعب إلى جانب مصر دورا محوريا في محادثات وقف إطلاق النار في غزة المتعثرة منذ شهور.
بيد أن الناطق باسم الخارجية القطرية أكد أن “الوساطة تمثل جزءا أصيلا من هوية السياسة القطرية، وأن دولة قطر ماضية في هذا الدور بكل ثبات، حرصا على استقرار المنطقة وضمان أمن ورفاه شعوبها”.
ورغم هذه التطمينات، إلا أن الضربة ستلقي بظلال سلبية على المفاوضات.
وقال السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل إدوارد جيرجيان لشبكة “سي إن إن” إن الضربة تأتي “في لحظة حساسة للغاية في مفاوضات وقف إطلاق النار”.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن الضربة “سوف تقوض دور قطر كوسيط”، مشيرة إلى أن الدوحة كانت تمثل “القناة الأكثر موثوقية لنقل الرسائل إلى قادة حماس في غزة”.
ونقلت الصحيفةعن مصادر قطرية قولها إن إسرائيل والولايات المتحدة “وعدتا” مسؤولي الدوحة “الشهر الماضي بعدم استهداف مسؤولي حماس على أراضيها”. وقالت المصادر إن “هذا الوعد تبيّن أنه فارغ”.
بدورها، رجحت صحيفة “يديعوت أحرونوت” استئناف المحادثات لاحقا “بقيادة شخصيات أقل تشددا في قيادة حماس” أو “مسؤولين من الصف الثاني والثالث ممن يقيمون في تركيا“.


إحراج وتضرر صورة ترامب كحليف
وأثارت الضربة الإسرائيلية حملة إدانة من قبل كثير من دول العالم، بداية من حلفاء واشنطن وحتى خصومها.
وقالت وسائل إعلام غربية إن “الخسارة“التي لحقت بصورة ترامب على الصعيد الخارجي نتيجة للضربة الإسرائيلية “كبيرة”.
وأضافت أن ردود فعل واشنطن “المتسرعة والمتناقضة جزئيا” تشير إلى أن ترامب يدرك تماما “حجم هذه الخسارة”.
وقالت شبكة “سي إن إن” إن الهجوم الذي تم “في وضح النهار في الدوحة قد يُلحق ضررا بالغا بصورة ترامب كرجل قوي يُخشى منه في الخارج”.
وأضافت الشبكة أن الضربة تشكل إحراجا جديدا لترامب.
وفي الجوار القطري، يبدو أن الضربة سوف تثير “الشكوك حول الضمانات الأمنية التاريخية التي قدمتها الولايات المتحدة لحلفائها في الخليج“، وفقا لتقرير وكالة “أسوشيتد برس”.
ونقلت الوكالة عن سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، قولها إن الضربة “ستُشكك في درجة الموثوقيّة في الولايات المتحدة بالشرق الأوسط”.
وقال التقرير إن مسؤولي قطر “اعتقدوا” بأن تصنيف الدوحة حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو، واستضافتها قاعدة العديد الجوية، سوف “يمنحها غطاء أمنيا من شأنه أن يكبح جماح إسرائيل”.
وأشار التقريرإلى أن “تجاهل الولايات المتحدة الواضح لأمن قطر وسيادتها” قد أثار “قلقا بالغا” في دول الخليج.
ورغم أن دول الخليج ما زالت تنظر إلى واشنطن كحليف غير موثوق به، إلا أن هذا لم يمنع الإمارات والسعودية من تنويع علاقاتهما والتقارب مع الصين وروسيا.
ونقلت “أسوشيتد برس” عن ويل تودمان، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، قوله إن دول الخليج “لا تريد الاعتماد كليا على الولايات المتحدة لضمان أمنها، بل تريد علاقات مع جهات فاعلة عالمية. ومن شأن الضربة الإسرائيلية تسريع هذا المسار”.


ضربة لقطار التطبيع مع إسرائيل
وقبل الضربة، أعرب نتنياهو عن أمله في أن تتمكن إسرائيل من توسيع اتفاقيات إبراهام واتفاقات التطبيع التي تم التوصل إليها مع الإمارات و البحرين و المغرب في عام 2020 بوساطة ترامب.
وقبل اندلاع حرب غزة إثر هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت السعودية قد بدأت مباحثات مع واشنطن تشمل مشروع تطبيع مع إسرائيل مقابل توقيع اتفاق أمني ودعم برنامجها النووي المدني.
لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اشترط آنذاك قيام دولة فلسطينية، الأمر الذي ترفضه إسرائيل بشدة.
ورأت “أسوشيتد برس” أن الضربة الإسرائيلية “لا تبشر بالخير لطموحات إسرائيل في توسيع اتفاقيات إبراهام“.
ونقلت عن محللين قولهم إن هجوم الثلاثاء “يبدد أي آمال متبقية لدى إسرائيل في التقرب من دول عربية أخرى”.
وفي هذا السياق، قالت دينا إسفندياري، كبيرة محللي شؤون الشرق الأوسط في مجموعة “بلومبرغ إيكونوميكس” البحثية: “في الواقع، يمكن القول إن مسار التطبيع قد انتهى بالنسبة لدول الخليج اليوم. كيف يمكن أن تطبع العلاقات مع دولة تشن هجوما على أحد أشقائك؟”
المصدر: صحيفة الراكوبة