«نيويورك تايمز»: طلاب مشردون ومدارس احتلها العسكر.. جيل سوداني يواجه كارثة
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريراً سلط الضوء على الأزمة التي خلفتها حرب 15 ابريل بين الجيش السوداني والدعم السريع في مجال التعليم وتركت كثيراً من الطلاب دون أمل في المستقبل.
ترجمة: التغيير
ركض التلاميذ والتلميذات عبر الساحة الترابية الخشنة، وهم يرتدون أغطية رأس ملونة وقمصان وأحذية ممزقة، ليقفوا في الطابور الصباحي مواجهين لمعلميهم.
وصل هؤلاء الأطفال، الذين تجمع المئات منهم في فصول دراسية مؤقتة، إلى هذا المعسكر في الشهور الماضية هرباً من الحرب في بلادهم، السودان.
وبالرغم من أنهم بدأوا في التطبع مع وضعهم الجديد بالمدرسة، لا زال كثيرون منهم مثقلين بذكريات النزاع التي عانوا منها ومن فقد أحبائهم وهدم بيوتهم. “نعلم ان الألم سيكون غائراً في أعماقهم” كما يقول مجاهد يعقوب 23 عاماً الذي فر من السودان ويقوم الآن بتدريس اللغة الإنجليزية في مدرسة بمعسكر ودويل لللاجئين بمدينة أويل في جنوب السودان.
ييقول مجاهد إن كثيراً من الأطفال غير قادرين على التركيز في الفصل وكثيراً ما يبكون عندما يتذكرون رحلة هروبهم المرعبة وسط نيران القصف والمذابح.
وأضاف “نريد أن نقنعهم أن هناك أمل.. ولكن ما حدث مؤلم”.
وقد ظلت الجامعات ومدارس الأساس والثانوي مغلقة لستة أشهر منذ بدء الحرب مما يعرض مستقبل جيل بحاله للخطر. هناك ما يقدر بـ19 مليون طفل خارج المدارس لعدة شهور بسبب الحرب، صار السودان على وشك أن يكون “أسوأ كارثة تعليمية في العالم” كما يقول مسؤولون بالأمم المتحدة.
ولم يتلق المعلمون في جميع أنحاء السودان رواتبهم وصار طلاب المدارس المغلقة عرضة لمهددات جسدية ونفسية بما في ذلك التجنيد في الجماعات المسلحة. وأصبحت الجامعات ومكاتب التعليم الحكومية بين مدمرة ومستخدمة كمواقع دفاعية بينما تحولت 171 مدرسة على الأقل إلى دور إيواء للنازحين، بحسب تصريحات المتحدث باسم اليونسكو.
وقال منزول عسل الذي كان حتى أبريل الماضي محاضراً بقسم الانثروبولوجي بكلية الاقتصاد، جامعة الخرطوم “إذا استمرت هذه الحرب سوف يصبح الخراب الذي أصاب التعليم غير قابل للإصلاح”.
لقد أدت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو لقتل 9 آلاف من المدنيين وإصابة آلاف آخرين بحسب الأمم المتحدة.
وصرح طرفا الحرب يوم الخميس أن وفديهما وصلا لمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية لبدء مباحثات حول وقف إطلاق النار تحت رعاية السعودية والولايات المتحدة رغم أن أي منهما لم يوافق على هدنة لوقف القتال.
وقدر عدد النازحين داخلياً بأكثر من سبعة ملايين بمن فيهم أكثر من 4.6 ملايين نزحوا بسبب الحرب الحالية ولذلك صار السودان يشكل أكبر كارثة نزوح في العالم بحسب الأمم المتحدة.
لقد ظل نظام التعليم في السودان يعاني لعقود من الزمن من نقص التمويل وعدم تدريب المعلمين إضافة إلى التدخل السياسي إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير.
وسرعان ما تبددت الآمال بتحسن الأحوال بعد خلعه عام 2019 فقد أدت الأزمات السياسية والاقتصاد المتعثر إلى ازدحام الفصول الدراسية وإضرابات المعلمين احتجاجا على عدم استلام الأجور وسوء أوضاع العمل.
وفاقمت الحرب الحالية من هذه المشكلات وتركت كثير من الطلاب دون أمل في المستقبل.
“كانت لدي طموحات لنفسي وأسرتي وبلدي” تقول براءة 21 عاماً وهي قد فرت مع أسرتها إلى معسكر أويل وتتشارك الآن خيمة مع ثمانية من أفراد أسرتها.
وقالت نوران، وهي طالبة طب أسنان بالخرطوم إنها تتألم لأنها ما عادت تذهب للكلية كل يوم “فكرة أن أكون لاجئة فكرة مستحيلة” وأضافت “أتفادى التفكير في هذا الأمر لأنه لا يوجد حل”.
كما أثرت الحرب على آلاف طلاب الجامعات الأجانب الذين يدرسون في السودان مجانا.
ويقول أستاذ الانثروبولوجي عسل إن الحكومة السودانية ظلت لعقود تمنح منح دراسية لطلاب أجانب، من الدول الأفريقية والعربية غالباً، كوسيلة لتعزيز الدبلوماسية الثقافية وكذلك لنشر الإسلام.
وتعني الحرب لهؤلاء ومعظمهم من أسر فقيرة العودة لبلدانهم بدون أي تطلعات لاستمرار دراستهم أو إكمالها.
“كنت أتمنى أن أتخرج وأساعد والدي في الصرف على احتياجات الأسرة” كما قالت ألكير كامان 25 عاماً وهي من دولة جنوب السودان وتدرس علوم الكومبيوتر بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم. وأضافت قائلة “ولكني الآن أبدأ من الصفر”.
وتقول وكالات العون والأمم المتحدة إنها تسعى لأن يكون الحصول على التعليم جنباً إلى جنب مع العون الإنساني. وقد تمكن بعض الطلاب السودانيين من مواصلة تعليم الأساس والثانوي ببعض البلدان مثل مصر وجنوب السودان واستضافت رواندا 200 من طلاب الطب.
وأعلن صندوق أنشأته الأمم المتحدة لدعم طوارئ التعليم 5 ملايين دولار منحة لدعم الأطفال الأكثر احتياجاً الذين وصلوا سن الدخول للمدارس.
ولكن مع استمرار الحرب لا يسع الأشخاص مثل يعقوب أستاذ اللغة الإنجليزية بأويل إلا المضي قدماً في مهمتهم بالإمكانبات القليلة المتاحة “أن تكون معلماً يعني أن يكون لديك أمل في مستقبل جديد. إننا نعلم الأطفال أن يكونوا أقوياء عقلياً وجسدياً حتى يعودوا للسودان ويكونوا الجيل الجديد الذي سيعيد بناء السودان”.
المصدر: صحيفة التغيير