اخبار السودان

نوروز بين الرمزية الدينية والهوية القومية

نوروز بين الرمزية الدينية والهوية القومية

التعليق على الصورة، حملة المشاعل في عقرة في إقليم كردستان العراق
  • Author, هيفار حسن
  • Role, بي بي سي عربي

لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، يحتفل أكراد سوريا بعيد نوروز، الذي يصادف 21 مارس/آذار، بروح جديدة في ظل غياب نظام البعث وحكم الأسد.

وقد عبّر العديد من السوريين العرب ومن مختلف الطوائف عن رغبتهم في مشاركة الأكراد السوريين احتفالاتهم، احتفاءً باتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية مع الدولة السورية وسقوط نظام الأسد.

ويُعتبر نوروز، الذي يعني “اليوم الجديد” باللغتين الفارسية والكردية، العيد الوحيد الذي تحتفي به شعوب وأديان متعددة عبر قارات مختلفة. ويحتفل به الملايين من الفرس والآذريين والبشتون والتركمان والطاجيك والأوزبك والكازاخ، إضافةً إلى سكان مقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وولاية كوجارات الهندية وشمال غرب الصين. كما يُعدّ عطلة رسمية في عدة دول مثل إيران والعراق وقرغيزستان وأذربيجان.

ورغم أن نوروز يرتبط لدى معظم هذه الشعوب بمناسبة دينية أو ثقافية تمتد جذورها إلى 3000 سنة، فقد اكتسب طابعاً قومياً بارزاً لدى الأكراد في العصر الحديث إذ أصبح مناسبة سنوية يؤكدون من خلالها هويتهم الوطنية، ويجددون مطالبهم بحقوقهم السياسية والقومية، لا سيما في تركيا، إيران، العراق، وسوريا.

احتفالات نوروز في ديار بكر، تركيا 2020

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، احتفالات نوروز في ديار بكر، تركيا

أكراد يحتفلون بعيد نوروز في ديار بكر

صدر الصورة، Getty Images

وفي حين حظي الأكراد في إيران والعراق بقدر أكبر من الحرية للاحتفال بعيد نوروز نظراً لكونه عيد رأس السنة في إيران، ولتمتع إقليم كردستان العراق بحكم ذاتي منذ سبعينيات القرن الماضي واجه الأكراد في تركيا وسوريا قمعاً شديداً على مدى عقود. ففي كلتا الدولتين، منعت الحكومات المتعاقبة الاحتفالات بهذا العيد وفرضت عقوبات صارمة على المشاركين فيها.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

قصص مقترحة

قصص مقترحة نهاية

وبلغ القمع ذروته في أوائل التسعينيات، عندما استخدمت السلطات التركية المدرعات والرصاص الحي ضد المحتفلين في مدينة جزرة جنوب شرقي البلاد، واعتقلت العديد من الأشخاص، بمن فيهم قاصرون تحت سن الثامنة عشرة. ولم تبدأ السلطات في تركيا وسوريا بتخفيف القيود على هذه الاحتفالات إلا خلال السنوات الأخيرة.

أكراد يحتفلون بنوروز

صدر الصورة، Getty Images

نوروز أكراد سوريا

عمّقت سياسات الحكومات السورية المتعاقبة، التي رفضت الاعتراف بالهوية الكردية في البلاد، من شعور الأكراد بالتمييز ضدهم والظلم وجعلتهم أكثر تمسكاً بقوميتهم التي كانت تتعرض لمحاولات طمس بشكل مستمر.

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه نهاية

ويُعتقد أن الأكراد يشكلون بين 10 و 15 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب أي ما يزيد عن مليوني شخص. ولكن لا توجد إحصاءات رسمية بذلك.

قبل ثمانينيات القرن الماضي، كانت احتفالات نوروز تُقام في البساتين أو الأقبية أو حتى داخل المنازل، في تجمعات صغيرة وسرية بعيداً عن أنظار أجهزة الأمن السورية.

وفي الثمانينيات، بدأ الأكراد يخططون للاحتفال بنوروز علناً، مستخدمين حيلاً مختلفة للمضي قدماً في إحياء هذه المناسبة. ومن بين الأساليب التي لجأوا إليها أحياناً، تظاهر شاب وشابة بأنهما عروسان، فيما بدت الحشود وكأنهم مجرد مدعوين إلى حفل زفاف.

تقول هيلين عيسى (45 عاماً)، وهي امرأة كردية سورية، لبي بي سي عربي: “ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي منعتنا فيه الشرطة من التوجه إلى تل كتخ في ريف حلب، في 21 آذار/مارس عام 1986، لمجرد أننا كنا نرتدي ملابس بألوان الأخضر والأحمر والأصفر، وهي ألوان العلم الكردي”.

وتضيف: “لا يزال ذلك اليوم محفوراً في ذاكرتنا نحن الأخوات الثلاث؛ لأننا كنا أطفالاً وكانت تلك هي المرة الأولى التي كنا سنحضر الاحتفال المحظور، الذي كان يُقام في الأراضي والمزارع البعيدة عن أعين الأجهزة الأمنية. لكن فرحتنا لم تكتمل، إذ اضطررنا للعودة إلى المنزل بسبب ألوان ملابسنا”.

نوروز دمشق ومقتل أحد المتظاهرين

أكراد سوريون يجتمعون في احتفال عيد نوروز في محافظة الحسكة قرب الحدود السورية التركية، في 21 آذار 2019.

صدر الصورة، Delil Suleman/Getty images

التعليق على الصورة، أكراد سوريون يجتمعون في احتفال عيد نوروز في محافظة الحسكة قرب الحدود السورية التركية، في 21 آذار 2019.

في دمشق 1986، شددت الحكومة الإجراءات الأمنية وفرقت قوات الأمن الجماهير المحتشدة في ساحة شمدين لمنع الناس من الوصول إلى مكان الاحتفال الذي كان مقرراً في الغوطة بضواحي دمشق، فتوجهوا في مسيرة سلمية نحو القصر الجمهوري، احتجاجاً على منع الاحتفال، لكن عناصر الأمن فرقتهم بأن أطلقت الرصاص الحي عليهم، مما أدى إلى مقتل شاب يدعى سليمان آدي وإصابة خمسة آخرين.

وسرعان ما انتشر خبر مقتله، فخرج الأكراد في كل المدن التي يوجدون فيها بكثافة منددين بمنع السلطات لحفلات العيد وبمقتل الشاب.

وجرى المزيد من الاعتقالات وخاصة في منطقة الجزيرة في شمال شرقي سوريا وكذلك في حلب.

نوروز وعيد الأم في سوريا

لم يكن عيد الأم في سوريا يوم عطلة رسمية رغم إقراره عيداً من قبل السلطات في 21 مارس /آذار بعد أن اعتمدته مصر في عام 1956.

ولكن بعد احتجاجات الأكراد في عام 1986 وإصرارهم على الاحتفال بعيد نوروز علناً، جاء قرار حافظ الأسد في عام 1988، بإعلان يوم 21 مارس/آذار ، يوم عطلة رسمية، ولكن ليس بمناسبة عيد نوروز بل بمناسبة عيد الأم.

ورغم اعتماده عطلة رسمية في البلاد، كانت الأجهزة الأمنية تحاول منع الاحتفال به وخاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية، بوسائل أخرى، مثل فرض يوم “عمل تطوعي” من قبل المؤسسات والدوائر الحكومية والمدارس، تحت التهديد والوعيد بملاحقتهم بتهم سياسية.

أما قبل أن يتم اعتماد يوم 21 مارس/ آذار، عطلة رسمية، فكانت المدارس تحدد مواعيد الامتحانات في هذا اليوم، وإذا صادف يوم نوروز عطلة نهاية الأسبوع، كان يُطلب من جميع الطلاب في الأحياء ذات الغالبية الكردية الحضور إلى المدرسة من أجل القيام بـ “عمل تطوعي”، وكذلك في بعض المؤسسات الحكومية في مناطق معينة مثل حلب والقامشلي والحسكة وغيرها.

نساء كرديات بالزي الكردي

صدر الصورة، Getty Images

طقوسُ عيدٍ أم ثورة؟

تبدأ طقوس العيد لدى الأكراد في يوم 20 آذار/مارس عند الغروب، بإيقاد نار نوروز وهي عادة ترجع إلى تاريخ سقوط الإمبراطورية الآشورية على يد الميديين (أسلاف الأكراد) حيث خرج كاوا الحداد إلى الجبل وبيده شعلة نار لإرسال إشارة النصر إلى الناس، بحسب الرواية الكردية لشرح تاريخ عيد نوروز.

ويروي آزاد، وهو طبيب يبلغ من العمر 46 عاماً، لبي بي سي عربي، تفاصيل طقوس نوروز المتبعة في سوريا مشبهاً إياها بـ “24 ساعة من الثورة” التي كانت تتكرر مرةً كل عام.

ويقول: “كنا في مدينة القامشلي، حيث عشت معظم حياتي، نواجه الدوريات العسكرية ورجال الشرطة التي كانت تستنفر منذ صباح يوم 20 آذار، لتلاحق مجموعات الشباب وأي تجمع قد تصادفه وتمنعهم من إشعال نار نوروز، وهو جزء أساسي من طقوسنا في الاحتفال. كنا شباباً ولم نخشَ شيئاً. بالنسبة لنا، كان ذلك اليوم بمثابة يوم تحدٍ للسلطات وتأكيد على وجودنا”.

ومع بداية دخول القرن الـ 21، تحولت عادة إضرام النيران بإطارات السيارات، إلى مسيرات شموع منظمة، إذ كان يخرج الناس في مسيرات سلمية تجوب الشوارع الرئيسية في المدينة وهم يحملون مشاعل وشموعاً، مطلقين شعارات التهنئة بقدوم عيد نوروز والمطالبة بحقوق الأكراد.

لكن الأجهزة الأمنية، كانت تفرقها وتعتقل النشطاء منهم وتقتادهم إلى السجون بتهمٍ منها “إثارة النعرات الطائفية”.

معظم المحتفلين بنوروز حول العالم، يرتدون الملابس التقليدية المزركشة والملونة للدلالة على ألوان الربيع

صدر الصورة، Getty Images

تخريب ونشر المخلفات والقمامة

وبعد مسيرة الشموع الليلية، يخرج الناس في صباح اليوم التالي، بأزياء فلكلورية كردية إلى موقع الحفل الذي يُحدَّد سلفاً في كل مدينة.

ولكن قبل وصول عامة الناس، كانت مجموعات المتطوعين والمتطوعات يخرجون بعد الفجر لبناء خشبة المسرح وحمايته من الأجهزة الأمنية التي كانت تنتشر هناك منذ الليلة السابقة لنوروز.

ويقول جمال رشو، أحد المتطوعين ممن كانوا في لجان حماية وتنظيم الحفل في حلب: “كانت الدوريات والفرق العسكرية تنتظرنا منذ الفجر أثناء مسيرتنا الصباحية باتجاه موقع الحفل، كنا أحياناً نزيد على ألف متطوع، وكان بيننا العديد من الشابات والأمهات، كنا نواجه الدوريات التي كانت تطلب منا التراجع وإلَّا سيطلقون النار علينا، لكننا لم نأبه لتهديداتهم”.

ويضيف: “ولكن، ما إن نتخلص من الحاجز الأول المؤلَّف من رجال الشرطة، حتى يأتي الحاجز الثاني المكون من قمامة المدينة ومخلفات الأبنية وغيرها التي كانت تجلبها السلطات وتنثرها على الطريق لتشويه المكان”.

ويتابع: “ليست القمامة فقط، بل كانت تأتي بالجرارات لحرث الأرض، رغم مساحتها الكبيرة، مما يؤدي إلى غوص أقدامنا في الأرض الرخوة، والسير بصعوبة بالغة، وكانت المشكلة تتضاعف عندما كانت تهطل أمطار آذار الغزيرة”.

وتقول نورهان، وهي مدرّسة لغة إنجليزية، إنها تتذكر جيداً كيف كان يُمنع ارتداء أزياء كردية، وكيف كانت الدوريات تعترض طريقهم وتمنعهم من مواصلة رحلتهم نحو موقع الحفل إذا رأتهم بتلك الأزياء.

وتشرح: “كنا نخبئ ثيابنا الفلكلورية في حقائبنا، وعند وصولنا إلى مكان الحفل، كنا ننصب خياماً صغيرة، نستطيع تغيير ملابسنا فيها ونرتدي أزياءنا التي كنا نسعد بها يوماً واحداً في كل عام”.

من سيء إلى أسوأ

بعد رحيل حافظ الأسد، واستلام نجله بشار كرسي الرئاسة، ظن الأكراد كغيرهم من السوريين، أن الشاب الذي درس في بريطانيا وأصبح طبيباً، ربما يريد عهداً جديداً. لكن الأمور ازدادت سوءاً، واشتد منع التجمعات والاحتفالات بنوروز.

ففي نوروز عام 2008، أطلقت قوات الأمن النار على المشاركين في عدة مدن وخاصة في مدينة القامشلي.

وفي عام 2009، قتل اثنان في مدينة الرقة بالرصاص الحي، واقتيد العشرات منهم إلى السجون، كما اعتقل العشرات في حلب ومثلها في مناطق أخرى من البلاد.

نساء إيرانيات يؤدين رقصة تقليدية خلال احتفالات عيد النوروز

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، نساء إيرانيات يؤدين رقصة تقليدية خلال احتفالات عيد النوروز في تورنتو، كندا، في 1 مارس/ آذار 2025

تهم وأحكام لقمع الحريات

كانت الاعتقالات بحق الأكراد المحتفلين بنوروز تجري بموجب حالة الطوارئ التي أُعلنت في 8 آذار/مارس 1963.

وتستطيع السلطات بموجب حالة الطوارئ، احتجاز المعتقلين واستجوابهم دون أمر قضائي. وقد تستغرق فترة الاستجواب أسابيع أو شهوراً أو أكثر من ذلك، وقد يتعرضون خلالها لكافة أنواع التعذيب المعروفة في سوريا.

وإذا لم يعثروا على الشخص المطلوب، كانوا يلقون القبض على أي فرد من أفراد أسرته، ويُعرَّض الفرد البديل لنفس أنواع التعذيب ريثما يسلم المطلوب نفسه.

هذا ما حدث بالضبط مع ريبوار أحمد، الذي يبلغ من العمر 51 عاماً، والذي اقتيد إلى السجن بدلاً من شقيقه الذي كان غائباً عن المنزل أثناء مداهمة رجال الأمن لمنزلهم في عام 1998.

يقول ريبوار: “تعرضت للضرب على قدمي بعد حشري في إطار سيارة، ولم يتوقفوا رغم سيلان الدماء من قدمي، ولو كان شقيقي المطلوب في مكاني، لكان في عداد الأموات الآن، لأنه كان يعاني من مرض في القلب”.

كانت جريمة شقيق ريبوار هي “نقل المعدات والآلات الموسيقية الخاصة بالحفل إلى موقع الاحتفال في حلب”.

وغالباً ما يكون المعتقلون ممن يشاركون بنشاط في احتفالات نوروز، كأنْ يكونوا من الفنانين مثلاً أو أحد أعضاء فرق الرقص الفلكلورية أو أحد منظمي الحفل أو ممن شاركوا في مسيرات سلمية ومسيرات مشاعل نوروز التي تسبق العيد بيوم، أو حتى مَن يقومون بنقل المعدات كشقيق ريبوار.

وكانت التهم التي توجه إلى المعتقلين الأكراد تستند على مادتين من قانون العقوبات السوري (المادة 267 و 307)، حيث كانت تدعي السلطات بأن الأكراد يسعون إلى تقسيم سوريا، إلا أن الأحزاب الكردية في البلاد تنفي ذلك.

وتنص المادة 267 على تجريم كل عمل أو خطاب أو كتابات “تدعو إلى اقتطاع جزء من الأرض السورية وضمه إلى دولة أجنبية” و”يعاقب مرتكبها بعقوبة السجن مدى الحياة”.

أما المادة 307 ، فتنص على “تجريم ومعاقبة كل من أقدم على عمل أو كتابة أو خطاب يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، وتكون العقوبة السجن مدة 6 إلى 24 شهراً مع دفع غرامة مالية”.

وهذا العام، سيحتفل الأكراد بعيد نوروز لأول مرة بعيداً عن سلطة حزب البعث ونظام الأسد. ومن المتوقع أن يشاركهم العديد من السوريين في الاحتفالات، خاصة في مناطق شمال شرق سوريا ومناطق أخرى متفرقة.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *