عبدالحافظ سعد الطيب

 

عبدالحافظ سعد الطيب

ليس ما نشهده من تدمير ممنهج في السودان مجرد عرض عابر لحرب، بل هو انعكاس مباشر لانهيار بنيوي في عقلية تنظيم الحركة الإسلامية الذي حكم السودان لعقود. تنظيم لم ينهزم فقط في الميدان، بل انهزم أمام سؤال بسيط: ماذا بعد؟
حين وصل التنظيم إلى ذروة سلطته، لم يكن يحمل أي تصور حقيقي لما بعد السيطرة. المشروع الذي بُني على شعارات كبرى مثل “التمكين”، و”الحضارة الإسلامية”، و”أمة تقود العالم”، تهاوى سريعًا أمام استحقاقات الدولة الحديثة، والعدالة الاجتماعية، والتنمية، واحترام التنوع السوداني.
ما كان لديهم مشروع وطني، بل فقط شهوة سلطة مغلّفة بخطاب ديني. وعندما انكشف الغلاف، تبيّن أن في الداخل فراغ أخلاقي وسياسي، لا يقيم دولة، ولا يحترم شعبًا، ولا يملك رؤية.
ومع سقوط الاقنعة ،بدأ التنظيم في ممارسة تدمير ذاتي، عبّر عن نفسه بانقسامات داخلية، صراعات شخصية، وتسليم النفوذ لمليشيات وجماعات لا يربطها سوى الولاء للمصالح.
وفوق هذا كله، تحوّل التدمير الذاتي إلى تدمير للآخرين: المدن تُقصف، المؤسسات تُنهب، الناس يُهجّرون، والوطن يُفكك.
لقد دخل التنظيم في مرحلة العدمية السياسية والدينية ، حيث لا يرضى بأي واقع لا يكون فيه هو الحاكم، حتى لو كان الثمن الخراب الكامل.
لقد أصبحنا أمام معادلة مرعبة:
إما نحن أو لا أحد… وبيجاهروا بها علنا علنا وغضباً منفجرإما التنظيم، أو لا دولة، لا شعب، لا وطن.
هذا المنطق الانتحاري لا يمكن فهمه إلا حين ندرك أن التنظيم فقد كل مبررات وجوده. ما عاد يملك مشروعًا، ولا جماهير حقيقية، ولا شرعية.
انكشفت حقيقة  اخلاقة وتدينه الزائف  ولذلك، يفضل أن يسحب الجميع معه إلى الهاوية، بدل أن يواجه حقيقة أنه خسر كل شيء.وهكذا، بعد أن أحرقوا الجسور مع الوطن، ومع التاريخ، ومع الله نفسه،باتوا يحرقوننا جميعًا،عقابا لنا كشعوب على فشلهملأنهم ببساطة لا يعرفون كيف يحكمون بدون عدو، ولا كيف يعيشون دون نار.
والمؤسف… خذلان فصائل الثورة
ما يجعل هذا السقوط المدوي المتفحر غضبا  أكثر مرارة، هو الخذلان الذي أظهرته فصائل الثورة.
في اللحظة التي انهار فيها المشروع الإسلاموي، وبدأ يتآكل من الداخل، لم يكن في الجهة المقابلة قوة ثورية موحدة، ناضجة، تمتلك مشروعًا مضادًا واضحًا.
تشتتت قوى الثورة بين الشعارات والمساومات، بين حسابات الخارج وصراعات الداخل.
تأخرت في بناء البديل السياسي والمؤسسي، وتركت الميادين فارغة ليستعيدها رموز النظام القديم أو أمراء الحرب.
ولم تستثمر لحظة الوعي الشعبي العارم بعد الثورة، لحظة كانت كفيلة بأن تقلب الموازين.
فإذا كان سقوط التنظيم قد كشف خواءه، فإن عجز الثورة كشف أنها لم تتهيأ للحكم، بل فقط للاحتجاج.وهكذا ضاعت الفرصة، وجرّنا التنظيم معه إلى الجحيم، دون أن يجد الشعب من يأخذه إلى الضفة الأخرى.
والسؤال الذي يجب أن يُطرح الآن بلا مواربة هو:
هل ستكتفي الثورة برثاء الفرصة؟ أم ستعيد بناء ذاتها خارج أوهام المشاركة وأكاذيب التسوية.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.