في 22 مايو 2025 اتهمت الولايات المتحدة حكومة السودان باستخدام أسلحة كيميائية في عام 2024 خلال الحرب مع قوات الدعم السريع. وفيما لم تفصل واشنطن مواقع وتواريخ استخدام السلاح الكيميائي نفت الحكومة السودانية الاتهام واصفة الادعاءات الأمريكية ب”السياسية”.

من جانبها قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 9 يوليو 2025 إنها تتابع المزاعم لكنها لم تتلق عناصر موثقة كفاية بشأنها. كما أُرسلت طلبات إيضاح رسمية إلى السودان بموجب المادة التاسعة التي تنص على السماح لأي دولة طرف طلب ايضاحات رسمية من دولة أخرى حال كانت لديها مخاوف حول التزامها بالاتفاقية.

حول تلك المزاعم؛ أجرت “التغيير” حوارا مع اللواء شرطة معاش علاء الدين محمد عبد الجليل، خبير الأدلة الجنائية المتخصص في التحقيق الفني لمسارح الحوادث، بما يشمل الوقائع الاشعاعية والكيمائية.

حوار: التغيير

هناك مزاعم مرتبطة باستخدام الجيش للسلاح الكيميائي في الحرب الحالية؛ ما هي العلامات التي يمكن أن تؤيد هذه المزاعم أو تنفيها؟

سأحاول الإجابة بصورة عامة غض النظر عن صحة المزاعم أم عدم صحتها؛ هناك آثار تظهر في الضحايا تشمل ضيق حاد في التنفس أو اختناق فجائي، أو أعراض سيلان دموع غزيرة أو إفرازات من العين والأنف إلى جانب تقلصات عضلية شديدة أو ارتعاش.

من  أعراض الأسلحة الكيميائية أيضا فقدان وعي بشكل جماعي وسريع ويمكن ظهور حروق أو بثور على الجلد دون التعرض لمدر ناري مباشر. في حال كانت هناك تقارير طبية تتحدث عن تعرض مجموعة كبيرة من الناس لإصابات بأعراض متطابقة لا تشبه الإصابات العادية، يمكن أخذها كمؤشر قوي أيضا على استخدام السلاح الكيميائي.

هل جميع الأسلحة الكيميائية لديها ذات الأعراض؟

هناك أنواع من الغازات لديها أعراض خاصة، مثل شلل في الجهاز التنفسي أو آثار على الأعصاب.

هناك أخبار عن نفوق أعداد كبيرة من الفئران في ولاية الجزيرة، هل يمكن أن يكون ذلك مؤشرا عل استخدام السلاح الكيميائي؟

النفوق الجماعي للحيوانات والطيور بشكل عام هو من الظواهر البيئية التي تحدث في حيز انتشار المادة الكيميائية. لكن في هذه الحالة تحديدا لا يمكن  اثبات سبب النفوق مالم يتم أخذ عينات من الفئران وتحليلها كيمائيا، لأن المنظر المشاهد  يحتمل كثير من التفسيرات.

تحدثت عن ظواهر بيئية، ما قولك في انتشار صور لبرك مياه تحولت للون الوردي، هل يمكن اعتبارها دليلا على السلاح الكيميائي؟

أغلب حالات تغير لون الماء لها أسباب بيئية أو صناعية غير متعلِّقة بالأسلحة، إذ أن  معظم العوامل السامة المستخدمة كسلاح كيماوي تكون عديمة اللون أو قليلة اللون، لذلك تغير لون الماء ليس علامة مؤكدة على وجود سلاح كيماوي. تغيّر لون الماء غالباً يرجع إلى ملوثات صناعية أو طبيعية مثل معادن أو طحالب أو تسرب زيوت أو أصباغ. عموما يتطلب التحقق من مصدر اللون عبر اختبارات كيمائية وفيزيائية.

أرسلنا لك فيديو لجنود يحملون سلاحا يخرج منه غاز أخضر اللون، هل يمكنك التأكيد على أنه سلاح كيميائي من شكل الأزياء التي يرتدونها ولون المادة؟

السلاح الكيميائي: جريمة ضد الإنسانية!
تقارير حقوقية تؤكد استخدام الجيش السوداني بقيادة البرهان أسلحة كيميائية ضد المدنيين. هذه الجرائم تستوجب تحقيقًا دوليًا عاجلًا.#البرهان_يبيد_شعبنا pic.twitter.com/75Myz9yIEd

هدير عبدالقادر محمد 🖤 (@nesyyaan) January 19, 2025

عموما غاز الكلور لونه أخضر، لكن لا يمكن معرفة تاريخ ومكان الفيديو السابق، ولابد من معالجة الإضاءات المتداخلة أثناء التصوير وفلترة الانعكاسات الضوئية بصورة علمية للتحقق من اللون الحقيقي للغاز.

ذكرت أن هنالك ملابس خاصة يرتديها مستخدمو الأسلحة الكيمائية، هل تشير الملابس في الفيديو لأن المستخدمة هي أسلحة كيميائية؟

طالما المواد الكيميائية المصنفة كأسلحة تحدث آثارها إما بالتنفس أو التلامس؛ من الطبيعي أن يرتدي مستخدموها كمامات خاصة مزودة بفلاتر لمنع استنشاق الغاز وحماية فتحات التنفس، وهو قناع يلبس على الرأس، كما أن هناك ملابس خاصة تغطي كل الجسم في أفضل حالات الحماية. اما السلاح  اي آلية إطلاق مباشر أو اطلاق  للعبوات الحاوية ( ذخائر عن طريق بنادق، مدافع ) للمواد الكيمائية، وتدخل جميعها ضمن تعريف الأسلحة الكيمائية.

السودان عضو في المنظمة العالمية لحظر الأسلحة الكيمائية بمصادقته على المعاهدة بين شهري مايو ويونيو 1999

هل يمكن أن تفصل لنا كيف يمكن الكشف والتعرف على استخدام الأسلحة الكيميائية في منطقة ما؟

يمكن التعرف على وجود آثار كيماوية على التربة أو المباني بعد ساعات أو أيام من استخدام الأسلحة الكيميائية؛ عبر الكشف على عينات من الهواء أو التربة أو الملابس عبر فحصها في مختبرات متخصصة تابعة لجهات دولية (مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية). ويمكن أن تجري الأجهزة الاستخباراتية بحوثا عبر استعراض لصور أقمار صناعية أو تسجيلات توثق استخدام ذخائر خاصة او غير تقليدية. والتوصل للتأكيد الرسمي باستخدام السلاح الكيميائي يأتي نتيجة تحقيق دولي محايد يجمع بين الأدلة الحيوطبية، او الطبية التشريحية أو الميدانية، والمخبرية أو البيئية؟

ما هي تأثيرات استخدام الأسلحة  الكيميائية على الناس والبيئة؟

الحرب التقليدية  التي تستخدم فيها الأسلحة التقليدية تترك أثرًا ماديًا مباشرًا (دمار وبنى مهدمة)، لكن الحرب الكيميائية تترك أثرًا غير مرئي وخطير وطويل الأمد على البشر والبيئة، وهو ما يجعلها أكثر رعبًا من الناحية الإنسانية. الأسلحة الكيميائية خطورتها تتمثل في تلوث الهواء والتربة والمياه بمواد سامة، قد تبقى لفترة طويلة (خصوصًا في حالة غاز الخردل).

ضحايا السلاح الكيميائي يكونون بأعداد كبيرة قد تتأثر فجأة بأعراض متشابهة (اختناق، تشنجات، حروق)، أوقتلى حتى من غير وجود مقاتلين. من أسباب الخطورة ايضا سرعة الانتشار، حيث يمكن أن تمتد آثار الغاز أو المواد لمسافات أبعد من ساحة القتال بفعل الرياح.

وحماية البشر من تلك الآثار يتطلب استخدام أقنعة واقية، ملابس خاصة، وحدات إزالة تلوث. ولا ننسى التأثير النفسي حيث تسبب الأسلحة الكيميائية خوف وذعر شديد بسبب الخطر غير المرئي والرائحة. كما أن السلاح الكيميائي لديه آثار طويلة المدى حيث يسبب أمراضا مزمنة (مشاكل تنفسية، سرطانات، تشوهات جلدية)، تلوث بيئي طويل الأمد.

من الأفضل للدولة التعاون الكلي مع منظمة حظر الاسلحة الكيمائية لتنفي أي خرق للمعاهدة

يشاع أن الأسلحة الكيميائية التي تم استخدامها في حرب ١٥ أبريل عبارة عن غازات (الكلور، الخردل) هل يمكن أن تشرح كيف تعمل هذه المواد؟

عموما وبغض النظر عن صحة ما يشاع؛ غاز الكلور رغم أنه لم يرد في الجداول المعدة من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية؛ إلا أنه من الغازات الخانقة واستخدامها في الحرب يدخل في إطار الأسلحة الكيمائية التي تصيب الجهاز  التنفسي، حيث يؤدي استنشاقه إلى تراكم السوائل في الرئتين، مما يؤدي إلى اختناق الضحية.

اما غاز الخردل (المستطرد) يعد من أكثر الأسلحة الكيميائية شيوعا وهو مادة زيتية تعمل عبر الاستنشاق أو الملامسة، فتؤثر على العينين والجهاز التنفسي والجلد،  كمهيج ثم ك”سم خلوي”. ويعتبر من عوامل  البثور الجلدية التي تكون كبيرة وخطيرة تشبه الحروق الشديدة، وغالبا ما تسبب العمى وأضرارا دائمة في الجهاز التنفسي. ورغم أن الإصابات كثيرة، فإن الوفيات تمثل نسبة صغيرة نسبيا فيما يلي الخردل.

من أين يمكن أن يأتي السلاح الكيميائي؟ وكيف يخزن وكيف يتم التعامل معه؟

اما أن يتم تصنعيه محليا أو يستورد لدواعي استخدامات سلمية. ويجب أن يخزن وفق احتياطات سلامة محكمة ، الجدير بالذكر أن أي تخزين أو استبقاء، أو نقل، أو استيراد او انتاج للأسلحة الكيمائية وسلائفها لغير الدواعي السلمية ( تكون محددة الكمية ومعلنة عنها) تدخل في إطار تعريف الأسلحة الكيمائية وفق  معاهدة حظر الاسلحة الكيمائية.

هناك اتهامات سابقة في العام 2016 من منظمة العفو الدولية باستخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية، هل لديك معلومات حول ذلك؟

هنالك تقارير دولية أشارت لذلك، أما على المستوى الشخصي لا أعلم مدى دقة التقارير وصحتها. وفي حالات التثبت تعتبر الاختبارات البيئية غير كافية لوحدها في حالة النفي، إذ يتطلب تأكيد الاختبار في معامل كيمائية متخصصة وبيوطبية متخصصة. وهنالك اكثر من ٣٠معمل كيميائي متخصص معترف به لدى المنظمة العالمية لحظر الأسلحة الكيمائية موزعة في أكثر من ٢٥ دولة ومثلها تقريبا للمعامل البيو طبية، بالإضافة إلى المختبرات البيئية.

بالنسبة لتكوين حكومة بورتسودان للجنة للتحقيق في استخدام الأسلحة هل هو قرار موضوعي في ظل استمرارها نكران الاتهام؟

من الطبيعي جدا  أن تقوم الدولة بإجراء تحقيق، لتحرى الصحة أو النفي. باعتبار أن السودان دولة عضو في المنظمة، صادق وخضع للمعاهدة في شهري مايو ويونيو ١٩٩٩م، وبالتالي تلتزم بكل نصوص المعاهدة وتخضع للعقوبة إن خرق اي من بنودها. إن كان هنالك أدنى شك تقوم المنظمة بخطوات إجرائية مختلفة  للوصول للحقائق وفق طلب اي دولة عضو.

وهل كان يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات ما لم تكن متأكدة وعلى يقين بالأمر؟

الولايات المتحدة لديها الوسائل للتحقق من اثبات أو نفي الاستخدام، ولا انفي كذلك إمكانية اتهام  اي دولة لأخرى في إطار الضغط السياسي ولذلك من الأفضل للدولة التعاون الكلي مع منظمة حظر أالاسلحة الكيمائية، حال اللجوء إلى أي إجراءات عملية، حتى لا تعتمد تقارير دولة لإحداها بالإضافة إلى كل الوسائل التي تتبعها  لنفي أي خرق للمعاهدة.

 


المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.