حيدر المكاشفي
في لحظة فارقة من تاريخ السودان المشتعل بالنزاعات، انبثق من قلب هذه المعاناة صوت جديد يرفع راية الأمل، مبادرة (نداء سلام السودان (. إنها ليست مجرد وثيقة أو شعار، بل صيحة جامعة أطلقها السودانيون من مختلف المكونات، من الداخل والخارج، من الريف والحضر، رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، ليطالبوا بمطلب واحد لا يقبل المساومة، وقف الحرب وصناعة سلام عادل ومستدام..
تأتي هذه المبادرة كاستجابة طبيعية لحجم المأساة التي خلّفتها الحرب في السودان، لتذكّر الجميع بأن الوطن أكبر من البنادق، وأن العدالة والمواطنة المتساوية هي الطريق الوحيد لبناء مستقبل لا مكان فيه للإقصاء أو التهميش.
المبادرة لا تقف عند حدود الدعوة الأخلاقية، بل تحركت بخطوات عملية عبر مؤتمر صحفي جمع الإعلاميين، الصحفيين، الفنانين وصنّاع المحتوى، إلى جانب منصات إعلامية وصحف وقنوات تلفزيونية وإذاعات، لتوصيل الرسالة إلى كل بيت سوداني، أن السلام حق وليس منحة، وهو الطريق الوحيد لإنقاذ ما تبقى من الوطن..
إن نداء سلام السودان هو محاولة جادة لتجاوز لغة السلاح إلى لغة الحوار، ومنح السودانيين فرصة لاستعادة كرامتهم وإنسانيتهم بعيداً عن أهوال النزاعات والحروب.
هو إعلان بأن صوت المواطن البسيط يمكن أن يكون أقوى من صوت الرصاص، إذا ما اجتمع السودانيون على كلمة سواء.. في ظل التدهور المريع الذي يعيشه السودان تحت وطأة الحرب، تخرج مبادرة جديدة تحمل في جوهرها مطلبا جامعا، وقف الحرب وصناعة سلام عادل ومستدام.
هذه المبادرة التي حملت اسم (نداء سلام السودان) تجئ تعبيراً عن إرادة السودانيين، من الداخل والخارج، في البحث عن طريق بديل يضع حدا للدمار المستمر، ويفتح أفقاً نحو مستقبل آمن ومستقر..
إن (نداء سلام السودان) يمثل محاولة جادة لإعادة تعريف مفهوم المواطنة على أساس المساواة والعدالة، والتأكيد على أن السلام لا يكون حقيقياً إلا إذا كان مستداماً، ويضمن حقوق جميع الأطراف دون استثناء..
وسط أصوات البنادق وطبول الحرب، يظل هذا النداء بمثابة بصيص أمل يذكّر السودانيين أن المستقبل يمكن أن يُبنى بالحوار لا بالرصاص، وبالتسويات لا بالإقصاء، وبالإرادة الوطنية لا بالإملاءات الخارجية..
من قلب المعاناة، ومن بين ركام البيوت المهدمة وأصوات الرصاص، يرتفع صوت واحد يجمع السودانيين كفى حرب.. نريد سلاماً..
هكذا وُلدت مبادرة نداء سلام السودان، لتكون صرخة وطنية تعلو فوق كل خلاف، وتقول لا مستقبل لنا إلا بالسلام.. رسالة بسيطة لكنها عميقة، الحرب لا تبني وطناً… السلام وحده يمنحنا الحياة..
إن نداء سلام السودان ليس مجرد مبادرة، بل هو دعوة إلى كل فرد أن يرفع صوته عالياً، من حقنا أن نعيش بكرامة، من حقنا أن نختلف دون أن نحمل السلاح، ومن حقنا أن نحلم بمستقبل لأطفالنا بعيداً عن أزيز الرصاص..
إنه نداء الوطن، نداء الأمهات اللواتي سئمنّ دفن الأبناء، نداء الشباب الذين يريدون أن يبنوا لا أن يهدموا، نداء كل سوداني تعب من الحرب وأحلامه معلّقة على كلمة واحدة سلام..
إنه نداء الوطن، نداء الأمهات اللواتي سئمنَ دفن الأبناء، نداء الشباب الذين يريدون أن يبنوا لا أن يهدموا، نداء كل سوداني تعب من الحرب وأحلامه معلّقة على كلمة واحدة سلام..
إنه نداء الوطن، نداء الأمهات اللواتي سئمنَ دفن الأبناء، نداء الشباب الذين يريدون أن يبنوا لا أن يهدموا، نداء كل سوداني تعب من الحرب وأحلامه معلّقة على كلمة واحدة سلام..
لا يجوز لنا أن نغادر هذه المنصة منصة نداء السلام، دون أن نشير إلى عرابها الدكتور فرانسيس دينق..
فرانسيس دينق شخصية سودانية بارزة، ينتمي إلى منطقة أبيي ذات الحساسية الخاصة بين شمال السودان وجنوبه، وهو ابن الزعيم التقليدي المعروف دينق مجوك.
عُرف دينق بمساره الأكاديمي والسياسي والدبلوماسي، إذ شغل مناصب رفيعة داخل السودان وخارجه، منها عمله ممثلاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة لقضايا النازحين، كما كتب مؤلفات مهمة تناولت قضايا الهوية، التعايش، والنزاعات في السودان.. أما مبادرته (نداء السلام *، فهي تأتي امتدادا لدوره الفكري والسياسي الساعي لإيجاد مخرج لأزمة السودان.
المبادرة تدعو بوضوح إلى وقف الحرب الدائرة باعتبارها حرباً عبثية لا منتصر فيها.. بناء دولة سودانية جامعة تقوم على الاعتراف بالتنوع واحترام الهويات المختلفة.. فتح مسار لحوار وطني شامل بعيدًا عن عقلية المغالبة والإقصاء.. التركيز على العدالة الانتقالية والمصالحة كمدخل لبناء مستقبل مشترك..
ما يميز طرح فرانسيس دينق أنه ليس مجرد نداء سياسي، بل يحمل بعدا فكرياً وفلسفياً مستمدا من كتاباته الطويلة حول الهوية السودانية وما سماه بـ(أزمة الذات السودانية) بين العروبة والأفريقية.
لذلك، فإن نداء السلام يمكن اعتباره خلاصة لرحلة فكرية وسياسية طويلة حاول خلالها دينق أن يقدم رؤية تتجاوز الحرب والانقسام نحو سودان جديد يتسع للجميع. إذ أطل صوته هادئ النبرة، عميق الرؤية، هذا الرجل القادم من تخوم أبيي، أرض التداخل والتنوع، ظل طوال مسيرته الأكاديمية والسياسية والدبلوماسية ينبه إلى أن السودان لا يمكن أن يستقر إلا إذا اعترف بنفسه كما هو بلد متعدد الأعراق والثقافات والهويات..
دينق ليس مجرد سياسي عابر، بل هو ابن زعيم الإدارة الأهلية دينق مجوك، والمثقف الذي كتب عن (أزمة الهوية السودانية)، والدبلوماسي الذي خدم في الأمم المتحدة ممثلاً خاصاً للأمين العام لقضايا النازحين.
خبرته الطويلة في إدارة النزاعات وإيمانه بالحوار جعلا صوته مختلفاً في مشهد يضج بالبنادق والدماء.. من هنا جاءت مبادرته نداء السلام، التي أطلقها لتكون صرخة في وجه العبث..
المبادرة تقوم على عدة مرتكزات، وقف الحرب فوراً باعتبارها لا تحقق سوى الدمار، ولا يخرج منها أي طرف منتصر.
التأسيس لحوار وطني شامل يشارك فيه الجميع دون إقصاء أو شروط مسبقة. إعادة بناء الدولة على أساس الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني والعرقي، وتجاوز عقلية الهيمنة. ترسيخ العدالة الانتقالية والمصالحة كطريق ضروري لبناء المستقبل..
ما يجعل دعوة دينق مختلفة أنها ليست مجرد شعار سياسي؛ بل تعكس عمقاً فكرياً وفلسفياً نتج عن عقود من البحث والكتابة. فهو يرى أن أزمة السودان في جوهرها أزمة هوية واعتراف بالآخر، وأن أي حل لا ينطلق من هذه الحقيقة سيظل هشاً وقابلاً للانفجار..
إن نداء السلام هو في جوهره دعوة إلى إعادة اكتشاف الذات السودانية، والتصالح مع التعدد، وتشييد دولة لا تُقصي أحداً. في زمنٍ يتسابق فيه الساسة على مكاسب ضيقة، يظل صوت فرانسيس دينق تذكيراً بأن الوطن أكبر من الطوائف، وأن الدم المسفوك أغلى من كل حسابات السلطة.. فيا أيها السودانيون والسودانيات،
أيها الشباب والنساء والشيوخ، أيها الممزقون بالنزوح والجوع والدموع، لقد آن الأوان أن نقول كفى للحرب، كفى للدماء، كفى لهذا الجنون الذي يلتهم وطننا قطعة قطعة. هذا النداء ليس نداء سياسياً ضيقاً ولا شعاراً عابراً، بل هو نداء إنساني من أجل حياة كل سوداني وسودانية.
نداء يدعو إلى أن نضع السلاح جانباً، وأن نفتح قلوبنا قبل أن نفتح أبواب الحوار. إن السودان لن يُبنى على أنقاض المدن، ولا على جماجم الأبرياء، وإنما يُبنى على العدالة والمصالحة والاعتراف بالتنوع الذي هو مصدر قوتنا لا سبب فرقتنا.. فلنقف جميعاً، بلا استثناء، لنصنع سلاماً حقيقياً..
سلام يعيد للإنسان كرامته..
سلام يحفظ للوطن وحدته..
سلام يفتح الطريق لأجيال قادمة لا تعرف معنى الحرب..
هذا هو نداء السلام، نداء من الضمير السوداني إلى الضمير السوداني، نداء لا ينحاز إلا للوطن، ولا ينتصر إلا للحياة.
فلنكن أوفياء لدماء الشهداء ومعاناة الملايين، ولنردد معاً:
لا للحرب… نعم للسلام… نعم للسودان..
المصدر: صحيفة التغيير