
قال ناشطون إن الفاشر تواجه كارثة إنسانية شاملة تتداخل فيها الانتهاكات الأمنية، والانهيار الصحي، والحصار الكامل، مع انتشار المقابر الجماعية.
الفاشر: التغيير
كشف ناشطون بولاية شمال دارفور، عن رصدهم لأماكن حرق جثث الضحايا في الفاشر شرق مستشفى الأطفال في الساحة المجاورة، وشمال غرب المدينة بمنطقة قرني وموقع آخر بالقرب من نفس المكان بسوق البورصة في منطقة الشماسية.
ووجهت اتهامات لقوات الدعم السريع بجمع مئات الجثث من شوارع وأحياء الفاشر بعد سيطرتها عليها أواخر شهر اكتوبر الماضي، ودفن بعضها في مقابر جماعية وإحراق أخرى بالكامل، في محاولة لإخفاء آثار الانتهاكات ضد المدنيين.
حرق ودفن الجثث
وقال الناطق باسم المقاومة الشعبية ولاية شمال دارفور أبوبكر أحمد إمام، في تقرير حول الوضع الإنساني بالفاشر بعد سيطرة الدعم السريع، إن المدينة تشهد أوضاعاً إنسانية شديدة الخطورة في ظلّ سيطرة “الدعم” واستمرار الحصار التام، وانقطاع الاتصالات، وتعطّل الخدمات الأساسية. وأكد تزايد الانتهاكات الممنهجة بحق المدنيين، فيما يعجز الأهالي عن الحصول على الغذاء والدواء أو مغادرة المدينة.
وأوضح أن التقرير يستند إلى شهادات مباشرة من داخل الفاشر، وإلى ما رصدته الفرق الميدانية للمقاومة الشعبية، إضافة إلى معلومات تم جمعها رغم الظروف الأمنية المعقدة وانعدام وسائل الاتصال.
وأوضح التقرير اطلعت عليه (التغيير) أنه مواقع تم رصد عدة مواقع لمقابر جماعية لدفن الجثث سراً، من بينها: “منطقة قرني شمال غرب الفاشر حيث تم قتل المئات من المدنيين ودفنهم غرب منطقة قرني قرب نقطة تفتيش للدعم السريع، وشمال المدينة قرب عمارة المليشي المعروفة باسم عباس كريم، ومقابر جماعية متفرقة على امتداد الطريق الرابط بين الفاشر وجبل وانا”.
وأكد وجود مقابر غرب مقر اليوناميد السابق، وفي الوادي غرب إشلاق الجيش، وداخل مطار الفاشر في مناطق مغلقة، وعلى الطريق الرابط بين الفاشر وطويلة (منطقة الترتوار الحفرة الكبيرة).
وأضاف أنه تتم عمليات الدفن ليلاً باستخدام آليات ثقيلة، مع شهادات عن نقل جثث من الشوارع ومن محيط المستشفيات بشكل مباشر إلى هذه المواقع.
ووفقاً للتقرير، رصدت فرق المقاومة الشعبية مواقع عدة لحرق الجثث، منها: “المنطقة شرق مستشفى الأطفال في الساحة المتاخمة له، شمال غرب المدينة ف منطقة قرني غرب مركز صحي للدعم السريع في قرني، والموقع شرق البورصة بالقرب من منطقة الطاقة الشمسية”.
وقالت إنه شوهد دخان كثيف وروائح حرق قوية لساعات متواصلة، مع تأكيدات عن نقل جثث بسيارات عسكرية إلى تلك المناطق.
وأضافت: “تشير هذه الممارسات إلى محاولة ممنهجة لإخفاء الأدلة والحد من توثيق أعداد الضحايا”.
بين السجن والتصفية
وقال التقرير إنه بعد سيطرة الدعم السريع على المدينة أصبح الكل إما في السجن أو تم تصفيتهم عدا بعض الأفراد الذين يستخدمونهم للأغراض الإعلامية، وسط انهيار كامل للخدمات الأساسية وتعطل المستشفيات الرئيسية.
ولفت إلى غياب الإمدادات الطبية والكوادر الصحية بفعل الاستهداف والاعتقال مع انقطاع تام للاتصالات ما أدى إلى عزل شبه كامل للمدينة عن العالم.
وأكد أن الدعم السريع شنت حملات اعتقالات جماعية واسعة طالت آلاف المدنيين من منازلهم وعبر نقاط التفتيش، بجانب الشباب والناشطين ومقدمي الخدمات العامة، فضلاً عن أشخاص استُهدفوا على أساس الاشتباه أو الانتماء المناطقي القبلي، وقال إنه يتم ترحيلهم بشكل يومي إلى سجن دقريس في نيالا عن طريق شاحنات كبيرة.
انتهاكات موثقة
وطبقاً للتقرير وثقت الفرق الميدانية جملة من الانتهاكات داخل سجن شالا (جنوب غرب الفاشر) أبرزها: “اكتظاظ شديد داخل الزنازين وانعدام التهوية، تفشي الكوليرا وسط المعتقلين دون أي تدخل صحي، نقص حاد في الغذاء والماء أدى إلى حالات إغماء ووفيات غير موثقة، ومنع الزيارات وإدخال الأدوية وأي وسيلة تواصل خارجي”.
واتهم التقرير “الدعم السريع” بتحويل مستشفى الأطفال شرق الفاشر إلى معتقل، حيث تم احتجاز مئات المدنيين، بينهم نساء وشيوخ، بعد طرد الطاقم الطبي، وتم استخدام غرف التنويم للتحقيق والتعذيب، وجرى منع الأهالي من الاقتراب أو معرفة مصير المحتجزين، بجانب توقف الخدمات الصحية للأطفال تماماً في المنطقة.
وأفاد التقرير بأنه تم تحويل مبنى رعاية الأسرة والطفل إلى مركز ابتزاز واحتجاز وفرض فدية مالية مقابل إطلاق السراح، وقال إنه في كثير من الحالات، لا يتم إطلاق السراح حتى بعد دفع الفدية، ما يضاعف معاناة الأسر.
ووثقت المقاومة الشعبية تحويل عدد من المنشآت المدنية والعسكرية لمراكز احتجاز، منها: “المستشفى الجنوبي، مدرسة السلام أبوشوك، مباني جامعة الفاشر، كلية تابعة لجامعة الفاشر في الميناء البري، ومبنى المدرعات للجيش قرب المطار”.
وأكدت أن هذه المواقع تُستخدم كمراكز للتحقيق والاحتجاز القسري في ظروف غير إنسانية.
واستناداً إلى شهادات ناجين ومصادر محلية، تتبع قوات الدعم السريع أساليب تعذيب ممنهجة، منها: “الضرب المبرح بالسياط والعصي، التعليق لفترات طويلة ومنع النوم، الإهانات والإذلال والعنف القائم على الهوية، الحرمان من الطعام والماء لفترات طويلة”.
ونبهت إلى أن تُعد هذه الانتهاكات جرائم حرب وفق القانون الدولي الإنساني.
أوضاع النساء المحتجزات
وأوضح التقرير أن النساء المحتجزات يواجهن أوضاعاً بالغة القسوة، وتشمل: “اعتقال نساء من منازلهن أو أثناء محاولتهن النزوح، عمليات اغتصاب واسعة وسط النساء بمختلف الأعمار، احتجازهن في مواقع سرية يصعب على فرق الرصد الوصول إليها، اختفاء عدد كبير منهن دون معرفة أماكن وجودهن أو ظروفهن، تقارير عن حالات عنف جنسي أو تهديد به أثناء التحقيق، نقل عدد من النساء مع معتقلين آخرين إلى سجن دقريس في نيالا، حيث ظروف الاحتجاز قاسية للغاية”.
وأكدت المقاومة الشعبية مواصلة جمع معلومات حول أعداد النساء وأماكن احتجازهن رغم المخاطر والقيود.
واختتمت بأن مدينة الفاشر تواجه كارثة إنسانية شاملة تتداخل فيها الانتهاكات الأمنية، والانهيار الصحي، والحصار الكامل، مع انتشار المقابر الجماعية وعمليات الإخفاء القسري.
وقالت: “إن استمرار هذه الأوضاع يهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين، ويستدعي تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، والهيئات الإنسانية لوقف الانتهاكات وتوفير الحماية للسكان”.
وترفض قوات الدعم السريع الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق في الفاشر، لازالت مستمرة، بعد سيطرتها عليها، وتصر على أنها تتعامل مع مواطني المدينة وفق القانون الدولي الإنساني.
المصدر: صحيفة التغيير
