نازحو الخرطوم كيف يعيشون السودانية , اخبار السودان
نازحو الخرطوم كيف يعيشون
خالد فضل
منذ السبت 15 أبريل 2023م، ظلت العاصمة السودانية الخرطوم مدينة مغايرة تماماً لما عهده فيها الخرطوميون. لقد باتوا في واقع جديد مرعب، أفطروا يومهم ذاك الرمضاني على غير ما كانوا يفطرون في رمضان، لم تهرع السيارات مجلجلة الأبواق قبيل الفطر بدقائق، ولم تكتظ أسواق الخضروات والفواكه والجزارة من “عصراً كبير”، غاب رواد الضرا وخلا البرش من الجيران، من أسعفتهم الكهرباء ولم تنقطع عنهم، تحلقوا حول شاشات الفضائيات، لم يأبهوا بـ(حان الآن موعد الإفطار) فقد كان تلفزيون أم درمان وتوابعه أول الغائبين، مثله مثل الشرطة، الأمن، وكل مظهر للدولة!!
كنت حبيساً داخل مباني مدرسة كمبوني الخرطوم (على مسافة أمتار قليلة من قصر الشؤم)، ضمن عشرات الزملاء/ ات ومئات الطلبة/ ات، لقد عشنا لحظات القصف الأولى براً وجوّاً، ولم يسلم أحد طلابنا من جرح (سطحي) جراء سقوط شظية طائشة، وساد الرعب مكان الحيوية والنشاط الطلابي المعلوم، سيطر الوجوم وكان الحديث همساً إلاّ في الرد على الهواتف المتصلة الوجلة، وخرجنا في اليوم التالي بمجازفة.
بعد شهرين على القتال بين عسكر السودان فقدنا زميلنا وصديقنا ومديرنا السابق الأستاذ بيتر كيانو، ابن السودان الكبير من نمولي لحلفا! قتلته رصاصة طائشة في سوق أبو حمامة عندما نزل يتسقط خبزاً أو فولاً أو بقايا دكة وسَلطة بفتح السين فاحترس، كان بيتر ينأي بعقله الكبير عن وضاعة أزقة (السُلطة) بضم السين هذه المرة. له الرحمة والغفران والعزاء لرهط كبير من زملائه وطلابه فقد كان شخصاً موسوعياً حاذقاً، ولو علمت الرصاصة التي اغتالته أي عقل قد أودت لعصت أصبع مطلقها.
ثم أصبح على الخرطوميين الأحد، انعدم الوقود في المحطات، وصمت ضجيج الباعة في الأسواق، وكان الإغلاق عنوان أبواب المحلات التجارية كلها، وصار الناس في همّ واحد، كيف الخروج؟ ما العمل؟ الدنيا آخر رمضان ومنتصف شهر! لا نقود لمواجهة تكاليف سفر تضاعفت أسعار تذاكره لعشر مرات تقريباً، إلى أين؟ سؤال استغرق عند البعض أسابيع، ولكن بالمحصلة الأخيرة انقسم الخرطوميون إلى نازحين ولاجئين فرّوا منها، أو عالقين فيها معظمهم تقطّعت به سُبل الخروج وقلة قليلة ظلت بدافع (الصمود) وشرذمة من مدبري الفتن تمارس وضاعتها. فيما تقاطر على الخرطوم عصابات النهابين والحرامية من مختلف أنحاء السودان لينضموا إلى رفاق لهم ممن هربوا من السجون، وبعض فئات المتفلتين من قوات الدعم السريع! لن نجزم برمي التهم جزافاً على الجميع، هناك من يتحدث عن فئات عسكرية أخرى تمارس السلب والنهب، بعض منسوبيها وليس كل تلك القوات بكل تأكيد، الأمانة تقتضي أن سمعة جنود القوات المسلحة جيّدة فيما يتعلق بعمليات النهب والسلب الواسعة التي شهدتها وما تزال الخرطوم.
صار الخرطوميون نازحين، ترى كيف يعيش ما يقارب 3 ملايين شخص؟ كيف يسكنون، ماذا وكيف يأكلون ويشربون، أين يتعالجون، وعشرات الممارسات في الحياة اليومية، لقد تعطلت كل الأعمال في الخرطوم، وانقطعت المرتبات منذ أبريل لمعظم منسوبي القطاع العام والقطاع الخاص، فقد ملايين العمال مصادر الرزق اليومي، وحسب علمي لم تصل أي معونات أو مساعدات إنسانية؛ على الأقل في ولاية الجزيرة حيث أعيش، وما يزال عسكر السودان يقتتلون ويتوعدون بعضهم بعضاً، وما يزال مثيرو الفتن من سدنة الخراب ينفخون في أبواق الحرب، ويعبئون العقول بالأسلحة الصدئة كالعنصرية والجهوية والقبلية، فالحرب تبدأ في العقول قبل الأيادي، ولكن النازحين من الخرطوم بالملايين، لقد نزح من الجنينة عاصمة غرب دارفور مئات الآلاف، لجأوا إلى دولة تشاد، وأهلنا الدارفوريين ممن عركهم النزوح، وشبت منهم أجيال وطنها المعسكر من أسف، ومع ذلك يتقاتل عسكر السودان وينفخ سدنة الضلال في أبواق الحرب!.
المصدر: صحيفة التغيير