نازحو الخرطوم بالجزيرة.. الاستعانة بـ«مهن مؤقتة»
وجد نازحو العاصمة السودانية الخرطوم، إلى الولايات الأخرى، ومنها الجزيرة، أنفسهم في مواجهة ظروف إقامة تجاوزت الأربعة أشهر وتتطلب مصادر دخل جديدة، فاتجهوا لمهن بديلة غير التي ألفوها.
التغيير ود مدني: عبد الله برير
تركت الحرب الدائرة بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع منذ منتصف ابريل الماضي، كثيراً من مواطني العاصمة الخرطوم بلا مصدر دخل بعد أن فقدوا عملهم ليتجه بعضهم إلى مهن مؤقتة في الولايات التي نزحوا إليها.
وانطلاقا من قاعدة الحاجة أم الاختراع ابتكر بعض النازحين من العاصمة الخرطوم أعمالاً جديدةً وطوروا أخرى قديمة بشكل مستحدث لمسايرة متطلبات الحياة.
وتمتلئ دفاتر يوميات الحرب والنزوح بقصص لأطباء وأساتذة وتجار وطلاب تحولوا إلى بائعي موجبات سريعة وعصائر ومواد استهلاكية وعمال يومية وغيرها من المهن المؤقتة التي تسد الرمق لحين انجلاء الأزمة.
محال كبيرة ومهن بسيطة
وما إن تطأ قدماك مدينة ود مدني، حتى تفاجأ بالتغيير الذي طرأ على عاصمة ولاية الجزيرة، والتي ربما تكون أكثر مدينة استوعبت نازحي الخرطوم، بعد إنشاء العديد من المطاعم ومحلات العصير والآيسكريم وحتى متاجر الملابس.
بعض هذه المحال التجارية انتقلت من الخرطوم إلى ود مدني بنفس أسمائها القديمة حتى تستقطب زبائنها الذين نزحوا للجزيرة وتكسب سكان المدينة الأصليين.
وانتقلت رؤوس الأموال الضحمة إلى الأحياء الراقية في مدني مثل حي الزمالك وحي المطار وحي المنيرة وغيرها من المناطق.
وبخلاف انتقال المحال التجارية الكبيرة ظهرت أو استحدثت في ود مدني مهن بسيطة كانت موجودة في الخرطوم وطرأت عليها بعض الإضافات على مستوى تخفيض الأسعار وطريقة العرض.
تجارة تحويل الرصيد المعروفة كانت تدار في الخرطوم وكل مدن السودان في أماكن ثابتة ويجلس البائع على منضدة في انتظار الزبائن.
ومع ازدحام سوق ود مدني العمومي وغالبية الأسواق الأخرى لم يجد بائعو الرصيد مكاناً ثابتاً لعرض خدماتهم، فاتجه هؤلاء إلى تحويل الرصيد المتجول حيث يحمل البائع لافتة على صدره يعرض فيها خدماته التجارية.
أما المهنيين في مجال صيانة السيارات فقد وجد بعضهم صعوبات جمة في إيجار محلات لإدارة نشاطهم بسبب غلاء الإيجارات الذي ضرب مدينة ود مدني على مستوى البيوت السكنية والدكاكين.
ولجأ الميكانيكية إلى حيلة مشابهة لقصة تقنية الرصيد حيث وزعوا لافتاتهم في الشوارع وعليها أرقام هواتفهم ليقوم صاحب السيارة المتعطلة بالاتصال بهم ليصلوه في مكانه.
ليمون بالنعناع
وانتشرت في مدينة مدني العديد من محلات بيع عصير الليمون بالنعناع في كثير من الأسواق والمحطات الرئيسة.
وقبل الحرب لم تكن هذه المحلات منتشرة بالصورة الحالية التي شهدت إقبالاً كبيراً من الزبائن.
ويبلغ سعر الكوب مائة جنيه سوداني فقط ما جعل المحلات تزدحم بالمواطنين بصورة كبيرة.
ويتنافس مسيرو محلات العصير في جذب الزبائن لا سيما نازحي الخرطوم بمغازلة الحنين بالتذكير بأن الليمون ينتمي إلى جزيرة توتي.
وحاول أصحاب المحلات خلق جو موازٍ لجو السوق العربي أحد أكبر وأشهر أسواق الخرطوم وذلك بترويج منتجاتهم عن طريق مذيع مشهور عرفته شوارع وأزقة الخرطوم.
وخلال طوافك بسوق مدني يستحيل أن يتخطى سمعك عبارات على شاكلة “ليمون نعناع 100 جنيه / ليمون توتي 100 جنيه/ يا ماشي تعال غاشي/ ويا بعيد تعال قريب/ قلنا ليك 100 جنيه/ 100 جنيه ما مصدق ولا شنو؟”.
ويصدح ميكروفون المحلات بأشعار للعديد من الأغنيات السودانية التي تجذب الزبائن وتسرح بهم بعيداً أثناء تناول العصير، منها على سبيل المثال: “هسي اتخيل مشاعرك لو ما وفيت/ أو لمن وعدت عينيك قلت ليك حاشا وأبيت/ كنت غيرت اتجاهك بعت فيني واشتريت”.
وتعكس هذه اللقطات السريعة محاولات النازحين الذين فارقوا منازلهم وأعمالهم مجبرين بفعل الحرب، للتعايش وخلق موارد بديلة عبر المهن المؤقتة والتي ربما لم يفكروا في أنهم سيضطرون لها يوماً، في انتظار انجلاء الأزمة وأن تضع الحرب أوزارها ويعودون إلى سابق حياتهم.
المصدر: صحيفة التغيير