نادي الكتاب بين التاريخ والحكاوي السودانية , اخبار السودان
نادي الكتاب بين التاريخ والحكاوي
زين العابدين صالح عبد الرحمن
يعد “نادي الكتاب” واحداً من ساحات الحوار بين النخب السودانية في العديد من موضوعات الفكر التاريخ والثقافة والعلوم والإعلام والإبداع، ويقيم النادي ندوة راتبة لكتاب يختاره أعضاء النادي أو يتفضل بترشيحه عضو/ة في النادي.. والنادي من حيث التأسيس قد أسسه عدد من العاملين في مجال الطب والمهتمين بقضايا التثقيف في العديد من حقول المعرفة وشيئا من السياسة وقدم من على منبره العديد من الكتب والدراسات..
كان المتحدث في ندوة الأحد 31 مارس 2024م الدكتور عبد الله علي إبراهيم متناولا “شائب العرب يرعوه البهم تواصل الأجيال في زمن التشريد، الهجرة، الاغتراب والنزوح” ودكتور عبد الله بقدر ما يجيد تقديم مادته، أيضا من خلال حديثه يطرح العديد من التساؤلات بهدف شد الحضور إلى الحديث أكثر والتفاعل مع الندوة في إطار الحوار المتبادل بين الجميع..
بسبب فروق الوقت خاصة الزمن المحدد للندوة، جعل بداية الندوة في زمن حرج للذين يقطنون الدول التي عندها تشرق الشمس قبل الآخرين “استراليا ونيوزيلندا” وخاصة وقت رمضان، فرق الزمن حرج جدا. رغما عن ذلك؛ استطعت أن أحضر جزءاً كبيراً منها، خاصة الحوار الذي دار بين الحضور ودكتور إبراهيم، وهذا يؤهلني أن أكتب عن العمود الفقرى الذي بنيت عليه الندوة هو “تواصل التثقيف والمثاقفة بين الأجيال، والتدوين بصوره المختلفة، إذا كان في العمل، أو إذا كان عبر القصص والأحاجي للأطفال والنشء الذي هو ضرب من ضروب الإبداع والتعلم الاجتماعي، وهذا النوع إذا كان يتم تدوينه عبر المتلقين في أزمنته المختلفة يساعد على التطور الذي يحدث في عملية السرد عبر الأجيال، وأيضا تطور عملية طريقة التعلم من خلال احاجي الحبوبات والأمهات… القضية الأخرى أن التدوين الذي يمكن أن يتم في مجالات العمل وكتاب التاريخ للأعمال المختلفة يساعد على معرفة التطور الذي حدث لها وأيضا تتبع تطور الأخطاء التي أوصلت الناس للنجاح أو الفشل الذي أدمنته النخب السودانية..
ضرب البروف عبد الله علي إبراهيم مثالا عن الصراع مع المستعمر وحتى نيل الاستقلال.. هل كل المجهود قام به مؤتمر الخريجين ثم الأحزاب السياسية أم هناك حركات أخرى أيضا لها دور كبير مثل الحركة العمالية وأيضا الطلاب والمزارعين وغيرهم وهذا نتاج عن قصور في التدوين من عضوية الحركات نفسها. واعترض البروف إبراهيم على الذين ينتقدون العقل الرعوي باعتباره عقل تقليدي.. وقال إن العقل الرعوي استطاع أن يحافظ على مهنته، ويزيد إنتاجها ويسهم في الدخل القومي أفضل من النخب التي فشلت في تحقيق أهداف المؤسسات التي تقع تحت إدارتهم، وقال إن من أهم اعمال التدوين يستطيع أن يتتبع عملية النجاحات في القطاع المعين وأيضا الأخطاء التي تسببت في الفشل.
وهناك كتابات البروف أحمد الصافي الذي سجل مع العديد من الأطباء الذين اسسوا وحدات علمية في الطب وأصدر كتبا تدون عمليات تطور فروع الطب المختلفة في السودان، هذا التدوين يحافظ على معرفة تاريخ الطب وتطوره وأيضا الأمراض وتأسيس وحداتها.. وتعرض الحديث أيضا للخبرات الطويلة في مجال العمل، وهؤلاء الذين أصبحوا في المعاش لم يعمل المجتمع في السودان ولا مؤسسات الدولة للاستفادة من خبراتهم في عمل ورش في أماكن العمل يديرها هؤلاء بهدف نقل الخبرات إلى الأجيال الجديدة، وإذا نظرنا إلى العديد من دول الغرب أن المجتمع يستفيد من هؤلاء.. في استراليا مثلا هناك منظمات تعمل في مجل الاستفادة من الذين خرجوا لمعاش أو الذين أصيبوا في العمل وخرجوا المعاش مبكرا في نقل هذه الخبرات من خلال إقامة ورش وسمنارات ومحاضرات يقدم فيها هؤلاء المتطوعون خبراتهم للأجيال الجديدة في أماكن العمل التي عملوا فيها أو أماكن تستفيد من هذه الخبرات، الأمر الذي يربط العلاقة بين الأجيال المختلفة..
إن إشكالية السودان تتمحور في شيئين عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، والتنافس الحزبي الذي لا تحكمه أي معايير يمكن الرجوع إليها، فكل نظام جديد لا يبدأ مشواره من حيث وصل النظام الأول ويضيف إليه، يحاول أن يهدم السابق حتى يسجل هو بداية جديدة ليس لها علاقة بالسابق، فكل واحد يريد أن يجعل له تاريخا مغايرا، الأمر الذي يجعل البلاد تتراجع في الخدمات والتنمية.
إن عدم الاستقرار جعل كل النخب السياسية دون استثناء تتبنى المنهج التبريري حتى لا تلام على أخطائها، هذا التبرير هو الذي كان سببا في تعطيل العقل، ومثل هذه الندوات تعمل على زحزحة الناس من التبرير إلى المنهج النقدي الذي يعيد للعقل مكانته..
إن مثل هذه الندوات التي يقيمها نادي الكتاب في استعراض الكتب، وإجراء حوارات حولها، سوف تلفت النظر على أهمية الاطلاع من جانب، وتفتح منافذ للحوار في حمولات الكتب العلمية والمعرفية والتثقيفية من جانب آخر، حيث أصبح نادي الكتاب يمثل أحد المنابر التي تسهم في عملية الوعي والتثقيف المعرفي. وتحية للقائمين عليه. ونسأل الله التوفيق وحسن البصيرة..
المصدر: صحيفة التغيير