شهدت مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور بالسودان أحداثًا دامية ومأساوية في الآونة الأخيرة، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا ونزوح واسع النطاق للسكان. هذه الأحداث تسببت في معاناة إنسانية كبيرة، خاصة للنساء والأطفال، وتعتبر من أخطر الأزمات الإنسانية في المنطقة.

التغيير ــ أمل يحيى

في ظل الحرب المستمرة والانتهاكات الجسيمة التي شهدتها مدينة الجنينة، عانى السكان وتحديداً النساء من قتل، اغتصاب، ونهب، مما أدى إلى نزوح واسع النطاق.
النساء الناجيات من هذه الأحداث يروين قصصًا مروعة عن المعاناة والانتهاكات التي تعرضن لها.

شهادات صادمة ومروعة

روت مروة محمد، أم لأربعة أطفال وربة منزل، عن تجربتها المريرة بعد هجوم مليشيات الدعم السريع على حي الجمارك. قالت: “شعرت بالخوف الشديد، فلم نتحرك مع أبنائي وزوجي، مكثنا داخل المنزل لفترة من الزمن، وبعدها سمعنا أصوات الجيران، وتحديدًا أصوات النساء يطلبن النجدة. هنا كنت واثقة تمامًا أن نهاية حياتنا قد حانت، لذلك طلبت من أبنائي أن يتشهدوا.”
أضافت: “بعد نصف ساعة، دخل علينا اشخاص من قوات الدعم السريع، وكنا جميعًا مختبئين في احدى الغرف، فاطلقوا رصاصاً كثيفاً في فناء المنازل وأمرونا بالخروج إلى الفناء وعندما خرجنا، أطلقوا النار على زوجي وابني الأكبر أمامي وأمام بناتي، وكان ابني يبلغ من العمر 15 عامًا فقط، تم قتله.”
وأشارت إلى أنهم طلبوا منها تسليم النقود والذهب، وعندما نفت امتلاكها لأي شيء، ضربوها وبناتها وهددوهن بالقتل. قالت: “وبعدها أطلقوا علينا النار مجددًا وأصابوا ابنتي الوسطى وعمرها 10 سنوات، وكانت الإصابة في رجلها اليمنى وخرجت الطلقة من الناحية الأخرى.”
وأضافت: “تركنا زوجي وابني في الحوش وفررنا إلى الحدود، لم أستطع أن أحمل ابني ولا زوجي، خرجنا مباشرة خوفًا من أن يعودوا ويغتصبوا بناتي، لذلك قررت الهروب.

انتهاكات جسيمة

قالت فاطمة أبكر، معلمة ذات 40 عاماً  تقطن في حي أردمتا: “عندما بدأت الأحداث في الجنينة، كنا بعيدين عنها، ولكن بعد مقتل الوالي خميس عبدالله أبكر في يونيو، شعرنا بالخطر الداهم، وقررنا الهروب إلى تشاد ، فالدعم السريع ومليشياته قادمون لا محال لأن الفرقة في منطقتنا أردمتا.
أضافت: “وجدنا قوات الدعم السريع تحاصر حي أردمتا من جميع الاتجاهات في ليلة بائسة، مرت علينا و نفر من هنا وهناك من أجل الخروج. وجدنا الطرق مغلقة بأفراد الدعم السريع ومليشيات متحالفة معه في الصباح بدأ الهجوم، كانوا قادمين بسيارات وخيول ومواتر، كانوا يقتلون الرجال والأطفال الذكور، والنساء خاصة من المساليت وآخرين يصورون فيديوهات الأحداث.”

اندلعت الاشتباكات الأولية في 15 أبريل بين قوات الدعم والقوات المسلحة السودانية لكنها تلاشت بحلول 20 أبريل. تصاعد القتال على أسس قبلية بعد هجمات قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها على أحياء المساليت، حيث حمل المدنيون من المساليت السلاح وشكلوا ميليشيات للدفاع الذاتي جنبًا إلى جنب مع تحالف السودان بدعم جزئي من القوات المسلحة السودانية ضد الميليشيات العربية وغير المساليت المدعومة من قوات الدعم السريع.
اجتاح مقاتلو قوات الدعم السريع مقاومة المساليت في أبريل، حيث ذبحت الميليشيات وأحرقت أحياء المساليت ومخيمات النازحين. و تم تكديس جثث المدنيين من المساليت في الشوارع من أبريل إلى يونيو خلال حملة إبادة شرشة، فيما فر الآلاف إلى حامية الجيش السوداني في أردمتا وإلى الحدود التشادية بعد تفشي عمليات قتل المدنيين في منتصف يونيو بعد مقتل حاكم غرب دارفور خميس أبكر (وهو من أصل مساليت).

بعدها سيطرت قوات الدعم السريع والجنجويد على كامل مدينة الجنينة بحلول 22 يونيو، وقضت على جميع جيوب المقاومة في الأحياء التي سيطرت عليها في 14 يونيو.

قالت مريم عبدالله ( اسم مستعار)، مدافعة حقوقية ومدافعة عن حقوق المرأة ولديها منظمة نسوية تعمل في الجنينة: “كنت حاملاً في منزلي في الجنينة عندما هاجمت قوات الدعم السريع، وتم ربطي بحبل وضربي بعصاة. وشهدت مجموعة من الجثث ملقية في الأرض واغتصابات في طريق عام، وضربي بعصا وتم قتل ابنة خالتي وزوجي مفقود”.
قال  آدم رجال مسؤول تنسيقية النازحين بدارفور إن الناجيات من الأزمة في الجنينة يواجهن تحديات كبيرة، خاصة بعد بداية الأزمة في نهاية عام 2023. وأوضح أن نسبة الناجيات من الانتهاكات الجسيمة تقدر بـ 70%.

هذه النسبة تشير إلى حجم المعاناة التي تعرضت لها النساء في الجنينة، والكثير من النساء الناجيات لم تجدن الخدمات اللازمة، خاصة فيما يتعلق بالعنف الجنسي”. وأشار الى صعوبة حصر أعداد الناجيات بسبب توزعهن في مناطق مختلفة في دارفور ولجوء اغلبهن إلى شرق تشاد، وأضاف :”لم نستطع الحصر بسيب تحديات الاتصالات.
وتتطلب استجابة سريعة وفعالة من قبل الجهات المعنية لتخفيف المعاناة الإنسانية وتوفير الدعم النفسي والخدمات اللازمة للنساء الناجيات”.

جثث ملقاة على الطرقات

و أوضحت مريم عبدالله أنه أثناء نزوحها الى الحدود التشادية  شهدت الكثير من جثث النساء والأطفال ملقاة على الطرقات ولكن كانت أكثر الجثث هي للرجال الشباب الذين قُتلوا بطرق وحشية فقط لأنهم ينتمون لقبيلة المساليت، وآخرين من قبائل اخرى قُتلوا لأنهم يشكون أنهم من أبناء المساليت. وتابعت “إن العديد من النساء اغتُصبن وقُتلن بطرق وحشية حتى أنني رأيت بعض جثث النساء وهن عاريات تمام وبعدما وصلنا هنا فقدنا كثير من الفتيات والنساء في كل أسرة تجد إمرأة مفقودة أو فتاة”.
وفي ذات السياق، أشارت فاطمة أبكر إلى تراكم الجثث في الطرقات بداية من الأحياء الجنوبية حتى الحدود، الرجال والنساء قُتلوا بقرب من الحدود السودانية وهم يفرون من الموت تم قتلهم. وأضافت أن اغلب هذه الجثث تحللت في الطرقات فلا أحد يستطيع دفن أحد كل الناس يفرون، لو رأيت لتظن أنها الساعة.
وفقًا لنقابة أطباء السودان، فقد ارتفعت حصيلة ضحايا الاشتباكات في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور إلى 280 قتيلًا و 160 جريحًا. وتشير التقارير إلى أن الاشتباكات كانت بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، وقد أعلنت النقابة صعوبة حصر الضحايا بسبب الوضع الأمني المتوتر في المنطقة.

التقارير الدولية

قالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن المقابلات التي أجريت مع الفارين من الجنينة بولاية غرب دارفور بالسودان إلى أدري في تشاد، كشفت وقائع مروعة عن قيام ميلشيات مدعومة بقوات الدعم السريع بقتل الفارين من المدينة سيرا على الأقدام.
و كان قد أعربت بعثة الأمم المتحدة في السودان عن الجزع والصدمة العميقة إزاء مقتل والي غرب دارفور،  خميس عبد الله أبكر. وأدانت بشدة هذا العمل الذي وصفته بالشنيع.
وقالت دكتورة منى رحمة الله أحمد الأمين، نائب أخصائي في الطب النفسي، أن منطقة الجنينة شهدت انتهاكات جسيمة خلال الحرب، مما أدى إلى آثار نفسية عميقة على الناجين والناجيات والمجتمع. وأوضحت أن هذه الانتهاكات تشمل اضطراب الكرب والاكتئاب الشديد والقلق العام، والصدمة الجماعية.
وأشارت إلى أن هذه الحالات النفسية تتطلب تدخلات عاجلة، مثل برامج الدعم النفسي الأولي، وتدريب كوادر محلية على العلاج المعرفي السلوكي، وإنشاء مساحات آمنة للأطفال، وحملات توعية لمكافحة الوصمة الاجتماعية حول العلاج النفسي. وتعاني الناجيات من صدمات نفسية شديدة بسبب المعاناة والانتهاكات التي تعرضن لها. خاصة في مراكز الإيواء والمعسكرات في تشاد، حيث يعشن في ظروف صعبة ويحملن ذكريات مؤلمة عن الأحداث التي شهدنها.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.