منتدى الإعلام السوداني

طويلة، 2 نوفمبر 2025، (سودان تربيون) نزع مقاتلو قوات الدعم السريع ملابس السيدة مديحة التوم بشير، أثناء فرارها من الفاشر بولاية شمال دارفور، بعد أن تركت جثة طفلها الذي اغتيل أمامها في المدينة دون مواراته الثرى.

الأهوال التي تعرضت لها مديحة جانباً بسيطاً من الجرائم التي ارتكبها عناصر الدعم السريع بعد سيطرتهم على الفاشر في 26 أكتوبر، حيث ارتكبوا انتهاكات واسعة وأعمال قتل جماعي بين المدنيين والأسرى وسط قطع الاتصالات عن المدينة.

ولاحقت قوات الدعم السريع الفارين من الفاشر في الطرق، حيث جمعت بعضهم في منطقة قرني التي لا يزال آلاف من تقطعت بهم السبل، بما في ذلك الأطفال الذين انفصلوا عن أسرهم يتواجدون فيها.

مديحة التوم، تروي مأساة نزوحها بعد أن فرت من حي الصحافة، ومنها إلى حي الدرجة الأولى بالفاشر إلى بلدة طويلة، تقول لـ”سودان تربيون” : ” نزحت حوالي الساعة الثانية صباحًا بعد أن انهالت القذائف على منزلنا الذي نقيم فيه”.

مديحة: أمام عيني أطلق عنصر من الدعم السريع النار على ابني وأرداه قتيلاً

وأشارت إلى أنها سلكت مع الآخرين الطريق الغربي نحو قرني، مرورًا ببوابات ونقاط تفتيش خضعوا فيها لتفتيش دقيق ومهين، تقول  “خلعوا ملابسنا، استولوا على أموالنا وهواتفنا.. كنا فقط نسير فارين، ولا ندري إلى أي وجهة نمضي، بيننا كبار سن ومرضى.”

لكن أقسى اللحظات كانت عندما رأت مديحة الموت والقتل بأقسى صوره، تقول :” أمام عيني ، أطلق عنصر من الدعم السريع النار على ابني وأرداه قتيلاً، وطلب مني الذهاب.. تركت جثة ابني، دون أن أتمكن من مواراته، فيما اعتقل زوجي، ولا نعلم عنه أي شيء”.

وأضافت: “في الطريق بين الفاشر وطويلة، تتبعثر الجثث على امتداد الطريق.. أي فرد من الرجال الفارين من الفاشر إما قتل أو قاموا بأسره..”.

إذلال وإعدامات ميدانية

ولم يكن حظ فاطمة التوم عبدالرحمن أفضل من الآخرين، رغم أنها كانت تعلم أن طريق الهروب من الموت سيكون طريقًا من الألم والإهانة. تروي فاطمة بصوتٍ مرتجف، ما حدث على الطريق نحو معسكر أبو شوك شمال المدينة، ومنها إلى بوابة مدينة مليط، حيث وصفت نقاط التفتيش بأنها كانت أشد قسوة من الموت نفسه في كل مرة.

وقالت في حديثها لـ”سودان تربيون” : ” الجنود كانوا يجبروننا على الوقوف لوقتٍ طويل تحت أشعة الشمس، بينما ينهالون علينا بالضرب والشتائم العنصرية.. كانوا يقولون لنا (يا عبيد يا آكلي الأمباز والجلود”.

وأشارت إلى أنها شاهدت مقاتلي الدعم السريع يقتلون اثنين من أقاربها تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخامسة والأربعين عامًا، بزعم أنهم مستنفرون مع الجيش والحركات المسلحة.

وقالت فاطمة بأنها سقطت مغشيًا عليها جراء الإعياء وما شهدته من أهوال في الطريق، قبل أن تُنقل مع نساء أخريات إلى منطقة في شمال المدينة حيث فُصلنّ عن الرجال.

وتابعت : “من تبقى من الرجال هناك أُعدموا ميدانيًا، فيما تعمد الجنود إسماعنا صياحهم وهم يطلقون النيران عليهم مرددين (فلنقاي يا كلاب)”.

قتل وقسوة تعذيب

وروى داؤود محمد أبكر، أحد النازحين من مدينة الفاشر، تفاصيل مروّعة عن الساعات الأولى لتوغل قوات الدعم السريع في المدينة يوم السادس والعشرين من أكتوبر، وما رافق ذلك من فوضى ورعب بين السكان المدنيين. يقول داؤود، الذي كان يقيم في مركز إيواء بمدرسة بحي الدرجة الأولى لـ”سودان تربيون”، إن الأهالي كانوا يركضون في كل الاتجاهات هربًا من تساقط القذائف والرصاص المنهمر، وسط صرخات النساء والأطفال والعجزة، قبل أن يضطروا إلى مغادرة الحي نحو المجهول.

وأوضح أنه أثناء فرارهم، صادفوا مجموعة من قوات الدعم السريع قرب جامعة الفاشر، حيث تم توقيفهم والاعتداء عليهم بالضرب، مشيرًا إلى أن القوات فصلت الرجال إلى مجموعتين: كبار السن، والشباب. وأردف بأسى: “رأيت بعيني عناصر الدعم السريع يصفّون سبعة من الشباب الذين كانوا برفقتنا بعد أن اتهموهم بالقتال مع الجيش”.

وأشار إلى أنه سُمح لاحقًا لمجموعة تضم أكثر من خمسين شخصًا، أغلبهم من الأطفال، بمغادرة المنطقة، لكنهم تعرضوا مجددًا للضرب المبرّح بالعصي والسياط عند بوابة منطقة قرني. وأضاف: “كانوا يضربون الجميع بلا رحمة… تركنا خلفنا من يُرجّح أنهم قضوا من شدة التعذيب”.

استغلال ونهب على الطريق

وبيّن داؤود أن السيارات كانت تقل الفارين مقابل 500 ألف جنيه للفرد، لكن معظم النازحين لم يكن باستطاعتهم دفع هذا المبلغ، فاختاروا السير على الأقدام، معرضين أنفسهم للاعتقال والنهب من قبل مسلحين من الميليشيات القبلية الموالية للدعم السريع المنتشرين على طول الطريق، يمتطون الدراجات النارية والخيول والجمال، وقد تورطت تلك المليشيات ايضا في تصفيات جماعية طالت الفارين.

اختطاف وابتزاز

يتعرض المدنيون الفارون من مدينة الفاشر لعمليات اختطاف منظمة من قبل الدعم السريع، التي تقوم باحتجاز المئات من المدنيين وابتزاز أسرهم بمبالغ مالية ضخمة، وفق إفادات المحامي المهتم بقضايا حقوق الإنسان عبدالباسط الحاج لـ”سودان تربيون”.

وأوضح الحاج أن ما أسماها بـ”المليشيات” تتواصل مع أقارب المختطفين في المناطق الآمنة وخارج السودان، مطالبةً إياهم بدفع فدية قد تتجاوز 100 مليون جنيه سوداني (حوالي 170 ألف دولار) للشخص الواحد. وأضاف أن عدم الامتثال لهذه المطالب يؤدي إلى تعذيب المختطفين وإرسال مقاطع مصورة لأسرهم لزيادة الضغط عليهم.

وقال المحامي إن هذه الانتهاكات تمثل سياسة ممنهجة تهدف إلى إخضاع المدنيين وفرض السيطرة المطلقة عليهم، مستغلةً الظروف الاقتصادية الصعبة للسكان الفارين من المدينة بعد أكثر من 18 شهراً من الحصار والتشريد. وأوضح قائلاً : “المليشيات لم تجد أي ممتلكات تسرقها سوى المدنيين أنفسهم، ما دفعها إلى التركيز على الاختطاف والابتزاز المالي”.

وأكد الحاج أن الدعم السريع تلزم أسر المختطفين بعدم الحديث عن الحوادث على وسائل التواصل الاجتماعي، مهددة بقتل المختطفين في حال الخروج عن هذه التعليمات. وأضاف أن استمرار صمت المجتمع الدولي يزيد من تفاقم الانتهاكات، داعياً إلى تصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية ومحاسبتها على جرائمها ضد المدنيين.

شهادات ناجين

أفاد ثلاثة ناجين، أحدهم طبيب، لـ”سودان تربيون” بأنهم تعرضوا للاختطاف والتعذيب على يد عناصر من قوات الدعم السريع، وأُجبروا على تسجيل مقاطع فيديو لأسرهم لطلب فدية مالية مقابل إطلاق سراحهم. وأوضح أحدهم أن الخاطفين طالبوا أسرته بدفع 75 مليون جنيه سوداني قبل أن يتم الاتفاق على 20 مليون جنيه لإطلاق سراحه.

وفي شهادة أخرى، ذكر أحد ذوي الضحايا من شرق السودان أن أسرته دفعت 18 مليون جنيه سوداني مقابل الإفراج عن أحد أفرادها المحتجز لدى الدعم السريع، إلا أن الجهة الخاطفة لم تفِ بوعدها وانقطع الاتصال بالمعتقل بعد تحويل المبلغ.

تدهور الأوضاع

وحذّر المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال، من تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية بمنطقة طويلة شمال دارفور، التي تستقبل منذ أشهر موجات كبيرة من النازحين الفارين من القتال في مدينة الفاشر والمناطق المجاورة.

وقال رجال لـ”سودان تربيون” إن “الوضع الإنساني في طويلة سيئ للغاية ومروع”، مشيرًا إلى أن المنطقة استقبلت خلال الأشهر الماضية مئات الآلاف من النازحين، بينما يستمر تدفق الفارين من الفاشر بشكل يومي وعلى مدار الساعة.

وأوضح أن النازحين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، ويعانون من نقص حاد في الغذاء والمياه الصالحة للشرب، لافتًا إلى أن منطقة طويلة تعتمد على “تناكر” محدودة لنقل المياه، ما يجعلها غير كافية لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة. وأضاف أن الكثيرين يضطرون إلى شرب مياه غير نظيفة أو من الوديان الجارية، مما يهدد بانتشار الأمراض.

وأكد المتحدث أن النازحين بحاجة عاجلة إلى مواد الإيواء والأدوية المنقذة للحياة والدعم النفسي، بالإضافة إلى خدمات التعليم ومساحات آمنة للأطفال.

وأكد رجال أن النازحين الذين وصلوا من الفاشر إلى طويلة تعرضوا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت القتل والعنف الجنسي والاغتصاب والنهب والإذلال والترهيب، مشيرًا إلى أنهم فقدوا كل ممتلكاتهم وحاجاتهم الأساسية.

وأضاف: “وفقًا لآخر الإحصاءات الصادرة في أكتوبر، وصل إلى طويلة نحو 11 ألف نازح جديد، بينما يبلغ العدد الإجمالي للنازحين بالمنطقة أكثر من مليون شخص. كما يوجد ما بين 450 و500 طفل وصلوا دون أسرهم، ونحو 450 مريضًا يتلقون العلاج في مستشفى طويلة الذي يعاني من نقص حاد في الأدوية والمحاليل الوريدية “.

ودعا رجال إلى وقف فوري لإطلاق النار وإعلان هدنة إنسانية مؤقتة لفتح الطرق وتسهيل وصول المساعدات إلى مناطق النزوح دون قيود أو شروط، مؤكدًا أن استمرار الحرب يعني استمرار “الجراحات والدموع والحزن”.

كما ناشد المتحدث القوى السياسية السودانية بـ”الذهاب نحو حوار سودانيسوداني أو مائدة مستديرة” تمهيدًا لتحقيق سلام شامل ومستدام، داعيًا المجتمع الدولي، والرباعية، والأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية إلى التدخل العاجل لـ”إنقاذ حياة مئات الآلاف من النازحين في طويلة وجبل مرة ومعسكر كساب وكورما وغيرها من المناطق المتضررة”.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (سودان تربيون) لتوثيق الانتهاكات المروّعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين الفارين من مدينة الفاشر بعد سيطرتها عليها، بما في ذلك القتل الجماعي، والنهب، والإذلال الممنهج. كما يكشف عن تفشي ظاهرة الاختطاف والابتزاز المالي بحق النازحين، وسط صمت دولي مقلق. ويرصد التقرير التدهور الإنساني الحاد في منطقة طويلة التي تستقبل آلاف الفارين في ظروف مأساوية، مع دعوات عاجلة لوقف إطلاق النار وتدخل إنساني فوري.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.