موقف وطني شجاع من حزب الأمة يستحق التأييد والاشادة
موقف وطني شجاع من حزب الأمة يستحق التأييد والاشادة
صديق الزيلعي
أثار موضوع “قحط حصان طروادة الإسلامويين” نقاشا حيويا مع بعض القراء والاصدقاء. لاحظت روح الغضب الشديد، بين قطاعات واسعة، على قوى الحرية والتغيير، وممارساتها خلال الفترة ما بعد الثورة، الأمر الذي يحتاج للتعامل معه بجدية من قيادات قحت.
وفي الجانب الآخر، البعض من أنصار حق، لم يقرأ أكثر من العنوان، وصب جام غضبه على لأنني أعادي قحت، وتنكرت لكل ما تحقق خلال الفترة الانتقالية الأولى. لكن أطول النقاشات، وأكثرها غلواء، كان مع صديق عزيز، ونعرف بعض لعقود من الزمن، ومتأكد تماما من موقفه الوطني، وصدق انفعالاته، لكن طرحه تميز بالحدة، ضد قحت. هذا الأمر دفعني لكتابة هذا المقال، ومشاركة القراء ما طرحنا من آراء، باعتبارها هم عام، وتدور في الكثير من الاذهان.
يتركز رأي الصديق، في ان قحت اضاعت ثورة عظيمة، بسبب انانيها وانتهازيتها، وأنها انشغلت بكراسي السلطة، وفعلت المستحيل لتنفرد بها، ولتبعد الآخرين عنها. ورغم ان تحالف الحرية والتغيير، هو أكبر تحالف في تاريخ بلادنا، الا ان اقلية صغيرة، سيطرت على كل شيء، وهمشت الآخرين، حتى خرجوا عن التحالف. وانهم سلموا البلاد للعسكر، في طبق من ذهب، خلال السنوات التي أعقبت إزاحة البشير. ولا مكان لقحت في العمل السياسي، في بلادنا، بعد كل ما فعلت.
أوضحت له، انني لا أدافع عن مواقف قحت. وقد كتبت عدة مقالات في نقدها ونقد ممارساتها. لكن اختلاف الرؤى، والتكتيكات السياسية، والاخطاء الجسيمة، لا يمكنها ان تلغي تنظيمات سياسية من الواقع العام. والأمر الجوهري بيننا انها لا تزال تدعم قيام حكم مدني ديمقراطي. وأننا لا يمكن ان نقف في محطة، أخطاء قحت، وبلادنا تعاني من الدمار. وفي طريقها الى الحرب الأهلية، التي ستؤدي للتشتت، الذي سيكون نهائيا، وبلا رجعة.
ركزت، في حواري معه، بأن القوى السياسية السودانية، في غالبيتها العظمى، لم تعرف ظاهرة العداء الدائم. وشرحت أكثر من مثال، وأهمها. أن حزب الأمة والانصار، تعرضوا لمجازر فظيعة في الجزيرة أبا وود نوباوي، من قبل سلطة نميري. وان حزب الأمة حمل الحزب الشيوعي مسؤولية دم الأنصار، لأنه كان حليفا لنظام مايو، وداعما له، في مارس 1970، عندما تمت المجازر. وكانت روح جماهير الأنصار تغلي بالغضب على الشيوعيين. ولكن خلال انتفاضة مارس أبريل تحالف حزب الأمة مع الحزب الشيوعي، وتخطي منطق الوقوف في محطة مارس 1970، رغم مرارتها، لان البلد تحتاج لوحدة القوى السياسية ضد الدكتاتورية العسكرية، ومن اجل الديمقراطية. وهذا موقف يسجله التاريخ لهم وعلينا التعلم منه، في مستقبل تحالفاتنا.
كما ذكرت أحداث أخرى مرت على بلادنا، لم تؤثر على التطور السياسي في بلادنا. وكمثال في 1965، اجتمعت الأحزاب التقليدية، بتهييج من الاخوان، وقررت حل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية. الحدث له دلالات كبيرة، فالحزب الشيوعي فاز بمعظم دوائر الخريجين، فطرد النواب يعني حرمان الفئات المتعلمة من أبناء السودان، من صوتهم من داخل. وكان ذلك أحد سمات العمل السياسي في فترة ما بعد ثورة أكتوبر. لم يقرر الحزب الشيوعي الانزواء عن الساحة العامة، بل صارع ليفرض وجوده، ففاز عبد الخالق في دائرة ام درمان الجنوبية، واحمد سليمان في دائرة البراري. هكذا لم يقاطع الحزب الشيوعي بقية الأحزاب، أو العمل السياسي المشترك معها.
شهد عام 1954 حوادث مارس، التي تلت انتصار الحزب الوطني الاتحادي بأول انتخابات عامة تجري في بلادنا. وأعقب ذلك زيارة اللواء محمد نجيب الى السودان، فتم استجلاب الأنصار الي العاصمة للتظاهر ضد الزيارة. وحدث صدام عنيف مع الجيش. وأكرر، رغم الصدام، فقد عملت كل الأحزاب معا في جبهة المعارضة ضد نظام عبود.
إنهاء الحرب، هدف أساسي مقدم، من أجل منع استمرارية معاناة الملايين، ومن اجل إيقاف الدمار الساحق والشامل لبلادنا، ولاستكمال أهداف الثورة في التحول المدني الديمقراطي. هذا الهدف النبيل لن يتم الا بوحدة القوى المدنية، وعدم تكرار الأخطاء السابقة، التي تمت بعد الثورة.
المصدر: صحيفة التغيير