مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” قد يكون “فيلم الصيف الأكثر كآبة

“مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” قد يكون “فيلم الصيف الأكثر كآبة”
صدر الصورة، Courtesy of Cannes Film Festival
- Author, نيكولاس باربر
- Role,
بينما يترقب كثيرون من عشاق هوليوود أفلام الصيف باعتبارها فرصة للهروب من واقع متوتر ومشحون عالمياً، فإن الجزء الثامن من سلسلة “مهمة مستحيلة”، الذي يحمل عنوان “الحساب الأخير”، يُقدّم تجربة عكس ذلك تماماً.
الفيلم، الذي يُرجّح أن يكون ختاماً لمسيرة إيثان هانت بقيادة توم كروز، يُعدّ الأكثر كآبةً وقتامة في تاريخ السلسلة. بعيداً عن أجواء التشويق المرحة أو المغامرات المليئة بالحيوية، يأتي هذا الجزء كبيان سينمائي سوداوي، ينشغل بأسئلة الهاجس النووي، وسرعة انهيار الحضارة الحديثة.
صحيح أن كروز يواصل أداءه البدني الجريء بين قتال بملابس النوم ومشاهد تعلّق جديدة بطائرات لكنّ هذه اللحظات لا تُخفّف من الجو العام القاتم، بل إن الفيلم يُهدد بأن يكون “أشد أفلام الصيف إحباطاً”، لا بسبب رداءته، بل بسبب ما يحمله من طابع تشاؤمي كثيف.
يفتتح الفيلم بجملة تنذر بالكارثة: “الحقيقة تتلاشى، والحرب تقترب”، يتبعها مشاهد لصواريخ تنطلق ومدن تُسحق، لا حوارات ذكية، ولا مزاح، بل فلسفة سطحية عن المصير والاختيار، حتى موسيقى السلسلة الشهيرة تم استبدالها بألحان أوركسترالية ثقيلة ومظلمة.
وما يثير الاستغراب أن هذا الانحراف الحاد في نغمة الفيلم جاء من نفس الفريق الذي قدّم الجزء السابق “Dead Reckoning”، والذي تميّز بخفة ظل، ولمسات من الرومانسية والغموض، وإن كان ضمن الحدود المعتادة لأفلام كروز، أما في “الحساب الأخير”، فتجري الأحداث في أماكن مغلقة، أنفاق وكهوف وأعماق بحر، وكأن الفيلم يغوص حرفياً ومجازياً في العتمة.
تخطى الأكثر قراءة وواصل القراءة
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة نهاية
أهمل YouTube مشاركة
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات
نهاية YouTube مشاركة
قد يتوقع البعض أن مشهداً لتوم كروز وهو يركض بين الانفجارات أو يتدلى من طائرة يكفي ليُعيد الحيوية إلى أي فيلم أكشن، لكن في “الحساب الأخير”، حتى هذه اللحظات لا تنقذ العمل من طابعه الخانق، إذ يخيم على الفيلم شعور مستمر بالتهديد والدمار، ويبدو أن ما تبقى من الأمل يتم سحقه عمداً في كل مشهد.
الحوارات هنا ليست أدوات للتقريب بين الشخصيات أو لإضفاء بعض المرح كما اعتدنا في أجزاء السلسلة السابقة، بل تتحول إلى خطب ثقيلة عن “الاختيار والمصير”، وكأننا أمام محاضرة عن نهاية العالم لا فيلم صيفي من إنتاج ضخم.
التحوّل الحاد في توجه السلسلة يبدو وكأنه انعطافة غير محسوبة، ففي الجزء السابق، رغم كل التوتر، كانت هناك مساحات خفيفة من المزاح، ولمسات من البهجة البصرية، ومشاهد في مدن أوروبية نابضة، أما في هذا الجزء، فالفيلم يكاد يختنق في عتمة أنفاقه، وأعماق بحره، وسط ألوان باهتة لا حياة فيها، وصوت موسيقي جنائزي لا يمت بصلة للّحن الشهير الذي طالما رافق السلسلة.
كل ذلك يُثير تساؤلاً مشروعاً: هل هذا هو المسار الذي تستحقه سلسلة “مهمة مستحيلة”؟ وهل كان من الضروري أن تُختم بهذا النوع من الكآبة البصرية والعاطفية؟
صدر الصورة، Mission: Impossible The Final Reckoning
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
يُهدر الفيلم جزءاً غير متناسب من مدته التي تقترب من ثلاث ساعات في مشاهد متكررة لأشخاص يجلسون في غرف مظلمة، يشرحون القصة لبعضهم البعض بهمس خافت وكأنهم يتآمرون في جنازة، مراراً وتكراراً، يُجبَر المشاهد على متابعة هذه الحوارات الثقيلة، المتكلفة، المليئة بالتحذيرات المبهمة.
ولو أُطلق على الفيلم اسم “الشرح الذي لا ينتهي”، لكان ذلك أكثر دقة من “الحساب الأخير”.
عادةً ما تُقطع هذه المشاهد بلمحات من الماضي (فلاش باك)، أو من المستقبل (فلاش فورورد)، وأحياناً على طريقة مسلسل “لوست” بلقطات جانبية تُظهر شخصيات أخرى في غرف مظلمة مشابهة، تهمس بنفس القصة بنفس اللهجة المرهقة.
ولكن بدل أن تُضفي هذه التقطيعات شيئاً من الحيوية على السرد، فإنها توحي بأن المخرج كريستوفر ماكوايري وفريقه عجزوا عن تسيير القصة فعلياً، فلجأوا إلى تفكيك المشاهد إلى لقطات صغيرة ومبعثرة، على أمل ألا نلاحظ ذلك.
وربما كان من الممكن تجاوز هذه الأجواء القاتمة، لو كان “الحساب الأخير” فيلماً ذكياً بحق، أو يحمل عمقاً درامياً حقيقياً، لكن للأسف، هو مجرد مثال جديد على السذاجة التي يمكن أن تصل إليها أفلام هوليوود الضخمة.
القصة، التي تُكمل ما بدأ في الجزء السابق “Dead Reckoning”، تدور حول كيان ذكاء اصطناعي يُدعى “الكيان” (The Entity)، استولى على الإنترنت، ويخطط لإطلاق هجوم نووي عالمي يُفني البشرية.
لا نعرف لماذا يريد فعل ذلك، ولا كيف عرف الأبطال بهذه الخطة، لكن لا بأس… المهم أن إيثان هانت (توم كروز) قادر على إنقاذ العالم، بكل بساطة، عبر نقر جهازين صغيرين ببعضهما، وفجأة، يصبح “الكيان” مجرد “لا شيء”.
من بين هذه “الأجهزة” الحاسمة، هناك صندوق يحتوي على الشيفرة المصدرية لـ”الكيان”، وهو الآن غارق في غواصة محطمة في قاع البحر ولهذا نشهد مشهد غوص طويل في الأعماق. ورغم أن المشهد يستحق الإشادة من حيث الأجواء الغامضة، فإنه لا يحظى بأي نقطة على مقياس الإثارة. (إلى أي مدى يمكن للمشاهد أن يصبر على لقطة طويلة لشخص يسبح في مياه مظلمة بلا أي ملاحقة؟).
أما الجهاز الثاني الذي يحتاجه إيثان لتدمير “الكيان” فهو “حبّة السم”، أو ما يُشبه وحدة تخزين صغيرة (USB)، اخترعها صديقه لثر (فيغ ريمز). وفي عالم “مهمة مستحيلة”، هذه الحبّة ليست مجرّد أداة تقنية، بل هي أهم قطعة في تاريخ البشرية. يمكنها حرفياً إنقاذ العالم.
ومع ذلك، ما الذي يفعله إيثان بهذه القطعة المصيرية؟ يتركها ببساطة في جيب صديقه فاقد الوعي، والذي لا يحرسه أحد، مما يسمح للشرير غابرييل (إيساي موراليس) بسرقتها بكل سهولة.
والمفارقة الكبرى أن الفيلم لا يتوقف عن تمجيد بطله، فبين خطب هامسة تتحدث عن “بطولاته الخالدة”، وبين مشاهد أرشيفية تعرض لقطات من الأجزاء السابقة، يكاد المرء يشعر أن إيثان على وشك تسلّم جائزة عن مجمل أعماله.
لكن في وسط كل هذا الإطراء، لا أحد يجرؤ على الإشارة إلى مدى غبائه عندما ترك أهم جهاز في العالم في مكان مكشوف.
قبل أن يصل الفيلم إلى المشهد الوحيد الذي قد يُغري المشاهد بإعادة تكراره المشهد الذي تصدر ملصق العمل، حيث يتمسك توم كروز بطائرة ذات جناحين في الجو عليك أن تتجاوز عدداً لا يُحصى من الثغرات السردية والمفارقات العبثية في الحبكة.
نعلم جميعاً أن كروز ينفّذ مشاهده الخطرة بنفسه، وينفذها ببراعة لا شك فيها، لذا إن كنت من عشاق رؤية وجهه وهو يُعصر تحت ضغط الرياح على ارتفاع شاهق، فربما تستمتع بهذا العرض البهلواني الجديد.
لكن رغم كل ذلك، لا يحمل المشهد جديداً يُذكر؛ فهو مزيج من مطاردة المروحية في فيلم Fallout، ومشهد الطائرة الشاحنة في Rogue Nation.
والسؤال هنا: طائرة ذات جناحين؟ فعلاً؟
يبدو أن صناع الفيلم قرروا أنه لم يبق وسيلة نقل لم يستعملوها في هذه السلسلة الممتدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فاضطروا لاستخدام الطائرة ذات الجناحين كحل أخير.
وإذا ما تقرر إنتاج جزء تاسع، فربما نراهم يقودون دراجات من طراز القرن التاسع عشر داخل حديقة عامة، وهو ما يجعل تسويق هذا الفيلم باعتباره “الخاتمة الكبرى” للسلسلة أمراً منطقياً.
المؤسف فقط أن وداع “مهمة مستحيلة” كان بهذا القدر من الجدية… والسخافة في آن واحد.
المصدر: صحيفة الراكوبة