مهرجان الشارقة الأول للأدب الأفريقي يناقش علاقة الثقافة بالاقتصاد ومفهوم السعادة
الشارقة تتواصل في الشارقة فعاليات مهرجان الشارقة الأول للأدب الأفريقي مقدمة برنامجا ثريا من ثماني حلقات نقاشية وثلاث ندوات ملهمة، إلى جانب 12 ورشة عمل تفاعلية للأطفال تسلط الضوء على التراث الأفريقي، مثل ورش صناعة الفخار وتصميم المجوهرات ورسم الحكايات.
وناقش المهرجان الذي انطلق في الرابع والعشرين من يناير ليختتم اليوم الاثنين السابع والعشرين من الشهر نفسه، العديد من المواضيع الراهنة، بحضور ومشاركة نخبة من أعلام الفكر والثقافة من بينهم وولي سوينكا وعبدالرزاق قرنح، الحائزان على جائزة نوبل للآداب، إلى جانب 37 مبدعا إماراتيا وأفريقيا من أدباء وكتّاب وروائيين منهم 30 أديبا أفريقيا من 10 دول.
أفريقيا غير النمطية
خلال لقاء حواري بعنوان “أبعد بكثير من واكاندا”، ضمن فعاليات المهرجان، أكد عدد من الكتّاب الأفارقة أن الثقافة تمثل موردا اقتصاديا لا يقل عن الموارد المادية، مشيرين إلى أن الأعمال الإبداعية، مثل فيلم “النمر الأسود… واكاندا للأبد”، أظهرت كيف يمكن للقصص الأفريقية أن تكسر القيود والصور النمطية عن القارة، وتثبت أن أفريقيا ليست بعيدة عن التطور.
وشددوا على ضرورة تطوير وسائل تقديم الثقافة الأفريقية من خلال منصات مبتكرة تصل إلى جمهور عالمي أوسع، مؤكدين أهمية استيعاب جوهر الفلسفة الأفريقية والإبداع في خلقها وتجديدها، بدلا من الاكتفاء بسردها التقليدي. واستضاف اللقاء الكتاب: شيريل نتومي، من غانا، وولي طالببي، من نيجيريا، وتنداي هوتشو من زيمبابوي، وأدارت الجلسة ليلى محمد.
وناقشت الجلسة تأثير فيلم “النمر الأسود.. واكاندا للأبد” الذي أنتجته “مارفل” والذي قدّم “واكاندا”، الأمة الخيالية المبتكِرة كواحدة من السرديات الأفريقية، حيث أشار الكتّاب إلى أهمية الفيلم في تسليط الضوء على الشخصيات الأفريقية في السينما العالمية.
وخلال الجلسة، أكد الكاتب تنداي هوتشو أن الثقافة الأفريقية تعد أحد أعظم كنوز الإبداع التي تلبي شغف صناع السينما في هوليوود، مشيرا إلى أن أعمالا سينمائية مثل فيلم “واكندا” تستلهم عوالمها من التراث الأفريقي الغني. وقال هوتشو “الثقافة الأفريقية مليئة بالأساطير، والتقاليد، والقصص التي تعكس توازنا بين الأصالة والتطور.” وتطرق تنداي إلى القيمة المادية للثقافة، مشيرا إلى أن الموارد الثقافية تحمل أهمية تعادل الثروات الطبيعية مثل النفط.
بدورها، أشارت شيريل نتومي إلى أن فيلم “واكاندا” أتاح للقصص الأفريقية فرصة نادرة للظهور على الساحة العالمية، حيث قالت “واكاندا وفّر منصة لكسر القيود والصور النمطية عن أفريقيا، وأثبت أن القارة ليست بعيدة عن التطور”، ومع ذلك لم تخف نتومي أهمية توفير منصات أفريقية لعرض هذه السرديات، قائلة “هوليوود ليست مهيأة لرواية قصصنا بشكل حقيقي، ونجاح واكندا أثبت وجود شهية عالمية لهذه القصص، والآن علينا تقديمها بشروطنا الخاصة.”
وأشار الكاتب النيجيري وولي طالبي إلى أهمية الجمع بين التراث والتطور في قصص المستقبل التي تتناول أفريقيا. وقال “في أحد النقاشات، كنا نفكر في تصميم مدن أفريقية مستقبلية، وبرزت فكرة أن التقدم لا يجب أن يعني التخلي عن التراث، ولذلك فإنني أرى أن الإنترنت تربطنا معا كمؤلفين وناشرين، وأراها جزءا مهما من عملية التطوير التي يحتاجها الأدب الأفريقي ليصل إلى العالم.”
في جلسة أخرى أكد الروائي النيجيري الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1986 وولي سوينكا، أن روح المعلم تجري في جيناته لأن والده كان معلما، موضحا أن أكثر اللحظات متعة له هي تلك التي يكتب فيها ما يؤثر في نفسه والآخرين. وشدد سوينكا على أهمية الحرية في السعي للسعادة، مضيفا “افعل ما عليك فعله برضا وبمحض إرادتك ولا تجعله يبدو وكأنه واجب مفروض عليك، فهذا هو الطريق لتحقيق السعادة.”
جاء ذلك، في إحدى جلسات سلسلة المتحدثين في جائزة “الشارقة للتقدير الأدبي”، ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للأدب الأفريقي، والتي حملت عنوان “الروائي النيجيري وولي سوينكا: في ضوء الكلمة”، التي أدارتها ليلى محمد، وفتحت أمام الجمهور باب استكشاف الطبيعة متعددة الأوجه للهوية الأفريقية التي تتجاوز الحدود الجغرافية، وتتجذر بعمق في ثقافات وتقاليد شعوب القارة، حيث ناقش فيها سوينكا، العلاقة بين اللغة والهوية، وتطور الكلمة المنطوقة والمكتوبة، من خلال مشاركته عددا من القصص الشخصية التي أضاءت على مسيرته الأدبية المتواصلة منذ سبعة عقود.
وتحدث الأديب العالمي وولي سوينكا عن مفهوم السعادة والرضا في الحياة، مسلطا الضوء على أهمية الأصالة والحرية في التجارب الإنسانية، وتابع “عندما أكتب عبارة وأرى أنها أثرت في نفسي وفي الآخرين، إلى درجة أنني أشعر بأصالتها وأعود لقراءتها مرة بعد أخرى، تكون هذه واحدة من اللحظات التي تمنحني المتعة الحقيقية”، وأضاف “السعادة بالنسبة إلي قد تكون في أبسط الأشياء، مثل النظر في المرآة والشعور بأنني بصحة جيدة.”
وحول الهوية الأفريقية وانعكاسها في الأدب، أشار وولي سوينكا إلى أن الهوية الأفريقية تعيش في تقاليدنا وفنوننا وحكاياتنا، وهي جزء مهم من ثقافتنا وشعوبنا، والفنون بمختلف أشكالها تساعد في الحفاظ على هذه الهوية.
وفي حديثه عن التحديات التي يواجهها ككاتب مشهور، أعرب سوينكا عن قلقه من تأثير التزييف الرقمي العميق على صورة المبدعين وأعمالهم، وأوضح قائلا إن “إحدى اللحظات الأكثر تحديا بالنسبة إلي، هي عندما أرى منصات على الإنترنت تنشر عبارات مزيفة وتنسبها إلي، بل ويضعون صورتي بجانبها، مما يؤدي إلى تضليل الناس، والأسوأ هو أن البعض يؤسس منصات باسمي، وهذا خداع صريح.” وأضاف سوينكا “أحد المواقف الطريفة اكتشافي أن أحدهم استخدم الذكاء الاصطناعي لإظهاري، وأنا أنصح مرضى السكري بدواء ما، حتى إن إحدى السيدات سألتني عن الدواء، وفوجئت تماما، إذ لم أسمع به من قبل.”
وفي معرض حديثه عن الفرق بين المسرح والرواية، وأسباب عودته إلى الكتابة الروائية، أوضح الأديب وولي سوينكا أن المسرح، رغم قوته، يفرض حدودا على الكاتب، وتابع “في المسرح، تتخيل ما تكتب ليُعرض على الخشبة، لكنك لا تستطيع تشكيل الصورة الكاملة للإنسانية والحياة، أما العمل الروائي فإنه يمنحك القدرة على الإحاطة بالحياة بكل تفاصيلها، مما يجعلها أكثر تعبيرا عن مشاعر الكاتب وأفكاره.”
ونوه سوينكا بأنه عاد إلى كتابة الرواية لأن المسرح لا يمكنه احتواء تلك الأحداث العميقة والمركبة التي يستطيع أن يشحن بها الرواية، لذلك فإنه عندما يكتب رواية يحتاج إلى العزلة والتركيز المطلق في أماكن يستطيع أن ينغمس فيها تماما لمدة سبعة أيام أو أكثر، كما في روايته “سجلات من أرض أسعد شعوب الأرض”.
العرب.
المصدر: صحيفة الراكوبة