خالد فضل
تعتبر فترة حكم الإسلاميين /المؤتمر الوطني أنسب فترة في التاريخ السياسي منذ الإستقلال لقراءة الواقع السياسي والإجتماعي في بلاد السودان , فهي أطول فترة زمنية سيطر فيها تنظيم آحادي على مقاليد السلطة ومفاتيح الثروات , اتيح له خلالها تطبيق كل شعاراته ومشاريعه السياسية , لحسن الحظ أنّ هذا التنظيم اعتمد على شعارات الدولة الإسلامية ؛أي أنّه قدّم أقصى ما يمكن أن تفعله الدولة الإسلامية في الحكم والإدارة . تبقى حجج من يحاجج بأنهم شوهوا الإسلام مردودة إلا في حالة واحدة ؛ هي إقتناع صاحب هذا الرأي بأنّ الإسلام دين فقط , معتقد روحي يخص معتنقه وليس هناك ما يسمى الحكومة الإسلامية أساسا . في هذه الحالة يمكن الإعتداد برأي من يقول بتشويه الإسلام , فهو محق في تقديري بأن أكبر تشويه للإسلام هو استغلاله فيما ليس من مجالاته , مثل تركيب ماكينة ديزل في جوف ثور بزعم تحويله لسيارة . يموت الثور ولا تدور الماكينة بكل تأكيد . وهو ما حدث بالفعل في السودان , إذ ماتت الدولة , ولم تتحرك الماكينة قيد أنملة , ولا أدل على ذلك من أنّ الهتاف الداوي قبل 35سنة ماضية (فلترق كل الدماء) ما يزال يتكرر حتى اليوم .

إنّ واحدا من أفدح نتائج هيمنة ذلك التنظيم الإجرامي في جوهرة ؛ هو انقسام المجتمعات السودانية إلى أعداء وأصدقاء , معظم القبائل السودانية في جميع أرجاء البلاد تصنف الآخرين إلى هذين القسمين , ومن وقائع موت الدولة أنّها خصصت شعبة في جهازها الأمني لتغذية النزاعات وإندلاع المواجهات المسلحة بين أفراد القبائل وبث خطاب الكراهية والغبائن فيما بينها حد الدعوات للإستئصال والإبادة والتصفية الجسدية والتطهير العرقي , هناك في الدولة الإسلامية موظفون يتقاضون رواتبهم ويحظون بالمخصصات والمعينات والتدريب والإبتعاث للخارج ليبعثروا المجتمعات تحت لافتة (أعداء / أصدقاء) استلهاما لقاعدة فرّق تسد التي أوردها ميكافيللي في كتاب نصحه للأمير الإيطالي قبل مئات السنين , فيما الإسلام كمعتقد روحي شفّاف ورصين , تسجل آيات قرآنه المبين ( جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) لم يجتهد الإسلاميون كثيرا سوى في إبدال الفاء كافا , بزعم الجهاد .

الثابت في وقائع التاريخ السوداني المعاصر أنّه لم تنهض مظاهرة شعبية واحدة ضد عدوان خارجي أو احتلال رقعة صحراوية غنية بالمعادن أو طينية خصبة بالإنتاج الزراعي مثلما نهضت على أيام سلطة الإسلاميين عشرات المسيرات المحشودة والمستأجرة في الغالب ضد بعض المجموعات السودانية المقاومة لهيمنة وتسلط وجبروت الإسلاميين .

لقد هبّ شعب النوبة في بداية الستينات ضد سياسات وبرامج تهجير أهالي وادي حلفا وطمر مناطقهم وأراضيهم وتاريخهم وإرثهم الأنساني المتجذر لعشرات القرون , في الوقائع لم تنهض مثل تلك المواكب في بقية أرجاء السودان ضد ذلك التغول الخارجي , إنها البذرة التي سقاها عهد الإسلاميين وأفرد لها وزارة سميت بالتخطيط الإجتماعي تولاها علي عثمان محمد طه لأول التأسيس , ثم اسندت مهامها فيما يبدو لشعبة القبائل في جهاز الأمن ليواصل التنفيذ. لم ينتبه الناس كثيرا لذلك , فقد تعمقت في نفسيات معظمهم وشوشت على مفاهيم أغلبية لا بأس منهم أنّ العدو هو من تحدده أجهزة سلطة الإسلاميين والصديق هو من توادده , ففي وقت كانت تخرج فيه المسيرات عقب صلاة الجمعة للتضامن مع سلطة حماس في غزة تجوب شوارع الخرطوم وبعض المدن القريبة منها , كان جهاز الأمن يطارد ويعتقل عشرات السودانيين في وقفة احتجاجية تدعو للسلام في جبال النوبة , إنّ شعب النوبة هو العدو هنا والإخوان المسلمون في غزة هم الأصفياء . شعب البوسنة والهرسك أقرب إلى سلطة الإسلاميين من شعب الفور والمساليت والزغاوة , رغم أنّهم جميعهم من المسلمين . لهذا لا تعجب أن يتم استقطاع جزء من راتب العامل البسيط لدعم إخوانه في البوسنة والهرسك ويتم منع شحنات الإغاثة الدولية من الوصول للجوعى في جبال النوبة أو جبل مرة وتقصف مخازن الغذاء في يابوس وشاحنات الدواء والغذاء في مليط حيث يتوقع أنّ تلك الشحنات الإغاثية ستصل إلى أفواه الأطفال والنساء وكبار السن من حواضن الأعداء . وسلطات الإسلاميين الهزيلة في بورتسودان تندد بالقصف الإسرائيلي /الأمريكي للمنشئات النووية الإيرانية ومصرع خبرائها بإعتبارهم أصدقاء, فيما أبواقهم تهلل وتسعد لقصف المسيرات الإيرانية للناس في الاسواق في طرة بارا والضعين نيالا وبيكة تحتفل بوجبات الشواء والكباب البشري .
الأعداء هم بعض المواطنين السودانيين , لكن لا بأس من إبرام اتفاقات تحت الطاولة للتخلي عن أراض لصالح الأصدقاء الخارجيين . لا بأس أن ينشط بعضهم في الدعوة للإلتحاق بدولة أخرى لكنه يعجز عن الدعوة لمعالجة جذور التشظي الوطني , يرفض تأسيس دولته الوطنية الحرة كاملة السيادة لجميع شعوبها طوعا واختيارا عبر نظام ديمقراطي علماني لا مركزي ينهي دعاوى التهميش وغمط الحقوق واشعال الحروب مرة واحدة وإلى أالابد بينما يسعى بعض الشعب للتقارب والإلتحاق بالتاج المهيمن في دولة جوار . إنّ خارج الحدود أصدقاء وبالداخل أعداء لا يمكن العيش معهم , هكذا يقول القائد, فتأمل في انحدار مستوى القيادة مغزاها ومعناها يا صاح .
إنّ ما نعيشه في واقع اليوم هو نتائج حقيقية لحقبة الظلام باسم الإسلام , كل المنتجات الفاسدة التي تسود اليوم هو من انتاج ذلك المصنع الفاسد المعطوب , ما يبعث على الإطمئنان نوعا ما أنّ بؤرة الوعي لم تنطفئ بعد رغم الخلية الأمنية , ووحوش البراؤون وخفافيش الظلام , ووحدات العمل الخاص , ورغم خرائب النيابة العامة والقضاء المنحاز والإعلام الكذوب , ففي كل يوم نبأ عن إعتقال ناشط وتصفية ثائر , رغم قساوة الأفعال يستمر النضال . هناك من أبناء الوطن من لم تطمس وعيه الأوهام والأكاذيب , هناك من يخوض معارك التحرير سلما وحربا رغم سيادة الاباطيل .,لتعود شعوب السودان صديقة لبعضها تتعارف من أول جديد في سودان جديد تنعم شعوبه بالصداقة والسلم والرفاه والأهم ؛ تحديد من هو العدو ومن الصديق بحسابات العقل لا شعارات تجار الدين.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.