د. أحمد التيجاني سيد أحمد

مقدمة

في مسار بناء الدول، لا تتشابه التجارب وإن تشابهت الأهداف. هناك نماذج تسعى للشرعية الدولية أولًا، وأخرى تركّز على شرعيتها الداخلية قبل كل شيء. وفي قلب هذا التباين، تأتي تجربتا “صومالي لاند” و”حكومة التأسيس” في السودان، لتطرحا سؤالًا جوهريًا: أيهما الأهم؟ الاعتراف الدولي أم اعتراف الشعب؟

أولًا: تجربة صومالي لاند

زرتُ صومالي لاند في أكثر من مناسبة، فوجدت أمامي كيانًا انفصاليًا مكتفيًا بما حققه من إنجازات باهرة على صعيد الأمن والاستقرار الداخلي، وبُنى تحتية وخدمات عامة نادرة في الإقليم. لم تتوقف قيادته طويلًا أمام غياب الاعتراف الدولي، إذ إن ما تحتاجه من العالم يصِلها بشكل فردي، سواء عبر الاستثمار المباشر أو الدعم التنموي المحدود.
هذا النموذج أثبت أن الاعتراف الخارجي ليس بالضرورة الشرط الأول للنجاح الداخلي، لكنه أيضًا كشف محدودية التأثير الإقليمي والدولي عند غياب هذا الاعتراف.

ثانيًا: حكومة التأسيس شرعية في مواجهة الأمر الواقع

حكومة التأسيس في السودان هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تواجه الحكومة الانقلابية، أو ما يُعرف بـ”حكومة الأمر الواقع”. هذه الأخيرة تقوم على القوة المسلحة والتحالف مع قوى الإسلام السياسي (الكيزان)، بينما تعتمد حكومة التأسيس على قاعدة سياسية واجتماعية واسعة، وتسعى إلى دحر خصومها بالسياسة كما بالسلاح.

ثالثًا: الهواجس والمخاطر

رغم وضوح الهدف، هناك هواجس مشروعة:
١. بطء الاعتراف الدولي: العالم يتعامل بحذر، وقد ينتظر توازن القوى على الأرض.
٢. حرب استنزاف: طول أمد الصراع قد يرهق القوى الشعبية المؤيدة.
٣. التدخلات الإقليمية: بعض القوى الإقليمية ترى في السودان ساحة نفوذ، لا دولة مستقلة.

رابعًا: الآمال والتطلعات

ترسيخ نموذج حكم مدني ديمقراطي يقطع الطريق على عودة العسكر والكيزان.
بناء شرعية شعبية متدرجة من إقليم إلى آخر، بحيث تصبح أي حكومة مركزية امتدادًا طبيعيًا لهذه الشرعية.
استعادة السيادة الوطنية من الهيمنة الإقليمية والوصاية الدولية.

خامسًا: المقترحات العملية

١. توسيع القاعدة الشعبية: عبر برامج تنموية ومبادرات خدمية في الأقاليم المحررة.
٢. إدارة إعلامية احترافية: لمخاطبة الداخل والخارج بلغات متعددة.
٣. انفتاح على المجتمع الدولي: دون رهن القرار الوطني للإملاءات الخارجية.
٤. تأمين مناطق النفوذ: حتى تكون أي شرعية سياسية مدعومة بسيطرة ميدانية.

سادسًا: الخلاصة

حكومة التأسيس ليست في سباق لحصد الاعتراف الدولي السريع، بل في مسيرة طويلة لبناء السودان من جديد على أسس الحرية والعدالة. وقد يستغرق هذا الدهر، لكن الأهم أن يظل الهدف واضحًا: لا عودة للعسكر ولا للكيزان إلى حكم السودان.

نواصل

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.