اخبار السودان

من دولة ٥٦ إلى التحامها بالإسلام السياسي … وتحذير إلى حكومة السلام والوحدة

د. احمد التيجاني سيد احمد

 

الطبقة السلطوية الجزء الثالث

في المقالين السابقين (“رد على د. الوليد مادبو” و”الطبقة السلطوية : من الاستقلال إلى اختطاف الدولة”)، تتبّعنا نشأة الطبقة السلطوية السودانية وتحوّلاتها البنيوية. في هذا الجزء الثالث، نغوص في تحالفها العضوي مع الإسلام السياسي، وتداعيات هذا التحالف على وحدة البلاد والحرب المستمرة، مع تحذير مباشر لحكومة السلام والوحدة من الوقوع في فخ التكرار التاريخي.

 

لم يكن التيار الإسلامي سوى منافس، ثم شريك، ثم حليف متمازج مع الطبقة السلطوية التي خرجت من رحم دولة ١٩٥٦م. هذا الالتحام أنتج منظومة سياسية واقتصادية تُدار بها البلاد اليوم، وتُعدّ من أحد الأسباب الجوهرية للحرب الطاحنة التي دمرت السودان.

 

فالطبقة السلطوية السودانية ليست جهوية؛ ليست من الغرب أو الشرق أو الشمال أو الوسط. بل كما هو حال الطبقات في التاريخ، تبدأ اقتصاديةمرتبطة بامتيازات جهوية أو قبلية أو طبقيةثم سرعان ما تتحول إلى مشروع أيديولوجي عند الحاجة، مُوظِّفة العقيدة والدين والهوية لتثبيت سيطرتها.

 

هذا ما شهده السودان بوضوح حين وظّفت هذه الطبقة الإسلام السياسي أداةً لتكريس النفوذ، وتعمّدت بناء سياسات عنصرية أو جهوية لترسيخ مواقعها في السلطة. ومن ينظر بعينٍ فاحصة إلى القيادات السياسية في السودان وجنوب السودانمثل سلفا كير وقلواكيُدرك أن هذه الامتدادات ليست سوى فروع للطبقة السلطوية ذاتها، وقد تُلاحظ امتداداتها حتى في العلاقات الأسرية بين نخب الدولتين.

 

هذه الطبقة، بقوتها المادية وتنظيمها الهرمي، قادرة على إعادة التموقع بين حدود الدول، متى دعت الحاجة. وقد تجسّد ذلك في مشاريع صريحة مثل “دولة البحر والنهر”، و”مثلث حمدي”، بل وحتى في مشروع “سومصر” الذي أعلنه أمين الحركة الإسلامية الحالي، علي كرتي، حين كان وزيرًا للخارجية في حكومة البشير، من على منابر مصرية.

 

كل هذه ليست أوهامًا، بل شواهد حية على طموحات طبقية مضمرة تُهدد ما تبقى من وحدة السودان واستقراره، وتضع مصالح فئوية فوق مصلحة الوطن.

 

من هنا، يجب على حكومة السلام والوحدةالتي يأمل الشعب السوداني أن تكون بداية لتاريخ جديدأن تحذر من الوقوع في فخاخ هذه الطبقة السلطوية و ارتباطها بمصر ، وألا تتورط في مشاريع جهوية تهدد ما تبقى من نسيج السودان، حتى ولو تم تزيينها بعبارات الحداثة أو الهوية.

 

الطريق الصحيح يمرّ عبر عقلانية سياسية تستلهم دروس التاريخ، خاصة الأوروبي، وتتقي شرّ الانقسامات عبر دستور التأسيس الجامع، الذي تتسع عباءته للجميع. هذا هو الجلباب الذي يجب أن تحتمي به حكومة السودان الجديد، إذا أرادت سلامًا حقيقيًا ووحدة لا تخضع للمساومات.

 

نواصل

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *