من دار الإيواء إلى حبل المشنقة !؟ صرخة ضحى في وجه الظلم ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه
في خضم أتون حرب ضروس مزقت أوصال السودان، حربٌ لا تزال نيرانها تستعر منذ الخامس عشر من أبريل لعام ألفين وثلاثة وعشرين، حربٌ أزهقت أرواح الآلاف وشرّدت الملايين، تاركةً البلاد في خراب ودمار، برزت حكاية “ضحى شعيب”، الطالبة التي لجأت إلى دار إيواء النازحين في مدينة أم درمان، بحثًا عن ملاذ آمن من لهيب المعارك، ولكن، هل يجد المرء الأمن حقًا في أرض مزقتها الصراعات؟ لم تدرِ “ضحى” أن القدر كان يخبئ لها محنة أخرى أشد وطأة، فبينما كانت تحاول لملمة شتات نفسها في دار الإيواء، داهمتها يد الاعتقال، تُهمةٌ ثقيلة وُجهت إليها : التعاون مع مليشيا الدعم السريع المتمردة، أي تعاون يمكن أن يرتجى من فتاة نازحة، لا حول لها ولا قوة؟ هيئة محامو الطوارئ كشفت عن هذا الاعتقال التعسفي، موضحةً أن “ضحى” تقبع في ظروف احتجاز قاسية، وأن التواصل مع عائلتها ومحاميها أمرٌ بالغ الصعوبة، والأدهى من ذلك، أن محاكمتها قد حُدد لها الثامن من أبريل القادم أمام محكمة كرري، حيث تواجه عقوبة قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، أهكذا يُكافأ النازح على لجوئه؟ وبالإعدام شنقًا؟ صرخت الهيئة بلسان الحق، مؤكدةً أن اتهام النازحين بذريعة التعاون مع المتمردين أصبح ذريعةً واهية للاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة، وطالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عن “ضحى” وجميع المحتجزين ظلمًا، أين العدل في اتهام الأبرياء دون دليل قاطع؟ وأين الإنصاف في محاكمتهم في ظل هذه الظروف العصيبة؟ قصة “ضحى” ليست مجرد خبر عابر، بل هي صرخة مدوية في وجه الظلم، وشهادة حية على الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في ظل الحروب، إنها تساؤلٌ مُلحّ عن مصير الأبرياء الذين يجدون أنفسهم عالقين بين مطرقة الحرب وسندان الاتهامات الباطلة، فهل سيُسمع صوت “ضحى”؟ وهل ستُرفع المظالم عن كاهل النازحين؟ أم أن الحرب ستلتهم كل شيء، حتى الأمل في العدالة؟.. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:
في أرض السودان الشامخة، ومنذ الخامس عشر من أبريل لعام ألفين وثلاثة وعشرين، اشتعلت نار حرب ضروس، لا تزال ألسنتها تلتهم الأخضر واليابس، حربٌ طاحنة تدور رحاها بين قوات الجيش السوداني النظامي، وميليشيا الدعم السريع المتمردة، التي عصفت بالبلاد وأدخلتها في أتون الفوضى والدمار، في بدايات هذا الصراع المرير، برز اسمٌ أثار الاستغراب والتساؤلات، اسمٌ تردد صداه في أرجاء السودان، وهو “أبو عاقلة محمد أحمد كيكل”، هذا الرجل، لم يكن غريباً على مسامع السودانيين، فقد عرفوه منذ عام ألفين واثنين، حين ظهر للعلن مرتدياً الزي العسكري الرسمي، وعلى كتفيه تلمع رتبة اللواء، وذلك خلال عرض عسكري مهيب أقيم في منطقة البطانة، بشرق ولاية الجزيرة، التي ينتمي إليها، في تلك الفترة، شكّل كيكل، بالتعاون مع ضباط آخرين، قوة أطلقوا عليها اسم “درع السودان”، معلنين أن هدفهم الأسمى هو القضاء على التهميش السياسي والعسكري الذي عانت منه طويلاً مناطق وسط السودان، كما ورد في بيان صدر عنهم آنذاك، ولكن، قبل ذلك الظهور العلني، وخلال فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير، كان كيكل ضابطاً في صفوف الجيش السوداني، يحمل رتبة صغيرة، ولم يمضِ في الخدمة وقتاً طويلاً، كما يروي المقربون منه، ومع اندلاع الحرب الشرسة بين الجيش و”ميليشيا الدعم السريع المتمردة” في أبريل من العام قبل الماضي، عاد اسم كيكل ليطفو على السطح مجدداً، ولكن هذه المرة في صورة مغايرة تماماً، ظهر الرجل وهو يرتدي زي “ميليشيا الدعم السريع المتمردة”، تحيط به حشود من الجنود، معلناً انضمامه إلى تلك الميليشيا التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”، وبرر كيكل خطوته تلك بـ “محاربة الإسلاميين والانحياز للمهمشين”، كما جاء في تسجيل مصور شهير له، لم يكتفِ كيكل بإعلان انضمامه، بل قاد القوات التي تمكنت من السيطرة على ولاية الجزيرة بأكملها، وكل المناطق الاستراتيجية الواقعة فيها، وعلى إثر ذلك، أصدر “حميدتي” قراراً بتعيينه والياً على الولاية، وقائداً أعلى للمنطقة بأسرها، كان لافتاً للنظر أن يتم اختيار كيكل لهذا المنصب الرفيع، ومنحه تلك الرتبة العسكرية الكبيرة، خاصة وأن معظم القيادات العليا في قوات “الدعم السريع” ينحدرون من إقليم دارفور غربي البلاد، بينما ينتمي كيكل إلى ولاية الجزيرة في وسط السودان، وهكذا، أصبح كيكل الشخصية العسكرية الأهم التابعة لقوات “الدعم السريع” في ولاية الجزيرة، وبات يتمتع بنفوذ واسع وسلطة كبيرة في المنطقة، وفي مطلع شهر أكتوبر من العام الماضي، وقبل أن ينشق عن “الدعم السريع” وينضم إلى صفوف الجيش، ظهر كيكل في مقطع فيديو مصور وهو يتوسط مجموعة من قادة وجنود “المليشيا” في ولاية الجزيرة، وأعلن حينها عن عزمه قيادة فرقة عسكرية لشن هجوم واسع على مواقع الجيش، وذلك بعد وصول دعم عسكري كبير من قبل “المليشيا”، وذكر أن هذا الهجوم سيأتي استجابة لنداءات “حميدتي” بمهاجمة من وُصفوا بـ “الفلول”، في إشارة إلى أنصار نظام البشير، ولكن المفارقة العجيبة، بل الفاجعة المؤلمة، تجلت في تعامل الجيش السوداني مع هذا الرجل المتقلب، لم يكتفِ الجيش باستيعاب كيكل واحتضانه كبطل عائد إلى صف الوطن، بل ذهب أبعد من ذلك، حيث وعده برتبة اللواء ومنصب والي ولاية الجزيرة! يا للعجب! كيف يستقبل الجيش السوداني مثل هذا الشخص بكل هذا الترحاب والتكريم، بينما هو نفسه لا يتورع عن محاكمة وإعدام من يُعثر في هواتفهم فقط على مجرد صور لأفراد الميليشيا، بتهمة التعاون معها؟ بل إن من كان أحد أفراد أسرته ينتسب لتلك الميليشيا، فلا بواكي له ولا نصير! أي منطق هذا؟ وأي معيار يتبعه هؤلاء؟ أين العدل وأين الإنصاف؟ كيف يُكافأ من بالأمس القريب كان قائداً في صفوف العدو، ويُعاقب من لم يرتكب جرماً سوى حيازته صورة أو قرابة عابرة؟ إنها قصة تثير الدهشة والاستغراب، وتكشف عن تناقضات صارخة، وتساؤلات عميقة حول مسار هذا الصراع الدامي، ومعايير التعامل مع أطرافه المختلفة، عجباً لأمر هذا الزمان وتقلباته! .
What kind of logic is this? What standard do these people follow? Where is justice and fairness? How can someone who was a leader in the enemy’s ranks only yesterday be rewarded, while someone who committed no crime other than possessing a photo or a passing kinship be punished? It’s a story that arouses astonishment and astonishment, and reveals glaring contradictions and profound questions about the course of this bloody conflict and the standards for dealing with its various parties. How strange is the matter of this time and its vicissitudes!
وعلى قول جدتي: “دقي يا مزيكا !!”.
خروج : “صرخة الأقلام الرقمية في أرض الرافدين: قيود جديدة أم تنظيم ضروري؟ وإلى متى يستمر تجاهل صوت المؤثر؟” ففي خطوة أثارت دهشة واستغراب الأوساط الرقمية والإعلامية على امتداد العالم العربي، قررت السلطات الحكومية في العراق فرض رسوم مالية على شريحة المؤثرين من أصحاب الحسابات الكبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، قرارٌ يبدو فريداً من نوعه، يطرح سيلاً من التساؤلات حول دوافعه وتداعياته المحتملة، فبينما تُعلن هيئة الإعلام والاتصالات العراقية أن هذه الرسوم تأتي في سياق لائحة جديدة تهدف إلى “تنظيم عمل الفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي”، و”وضع إطار تنظيمي يحدد المعايير والإجراءات الخاصة بالمحتوى الرقمي والإعلانات”، و”ضمان الشفافية والمصداقية وحماية المجتمع من الممارسات غير المهنية”، يرى الكثير من النشطاء والمؤثرين في هذا القرار قيداً جديداً على حرية التعبير وتقويضاً لدورهم المتنامي في نقل الحقائق وتشكيل الوعي العام، وتستند الهيئة في تبريرها إلى جملة من الأهداف النبيلة ظاهرياً، من بينها حماية المجتمع من الإعلانات المضللة والمحتوى غير الأخلاقي، ودعم المسجلين وتقديم التسهيلات القانونية لهم، وتعزيز ثقافة الإعلام الرقمي، وحماية حقوق فئات حساسة كالأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، وصولاً إلى ضبط الإيرادات الإعلانية لضمان الامتثال للقوانين، كما تشدد اللائحة على ضرورة احترام السيادة الوطنية ودعم مؤسسات الدولة في مكافحة الإرهاب ومنع التحريض على العنف والفتن، مع ضمان حق الرد للمتضررين، إلا أن هذه المبررات، على وجاهتها في بعض جوانبها، تصطدم بواقع الحال لدى العديد من المؤثرين الذين يستخدمون منصاتهم لأغراض شخصية أو لنشر محتوى هادف غير ربحي، فكيف يمكن فرض رسوم مالية باهظة ترتبط بعدد المتابعين، وليس بالإيرادات المتحققة؟ وهل يعقل مساواة من ينشر رأياً أو معلومة بمَن يمتهن الترويج والإعلان؟ لقد أثارت هذه الرسوم، التي تتراوح بين مئات الدولارات وآلافها سنوياً حسب عدد المتابعين، موجة من الاستياء والجدل في الأوساط العراقية، فبينما يرى البعض فيها محاولة مشروعة لتقنين الفضاء الرقمي وضبطه، يعتبرها آخرون ضربة قاصمة لحرية التعبير، خاصة وأنها تأتي في سياق تاريخي شهد محاولات سابقة لتقييد المحتوى الرقمي تحت مسمى “تنظيم المحتوى الرقمي”، وهو ما أثار مخاوف واسعة من تضييق الخناق على الأصوات المعارضة والناقدة، إنني إذ أعلن تضامني الكامل مع شريحة المؤثرين في العراق الشقيق، الذين أجد فيهم صوتاً حراً وضميراً حياً يسعى لخدمة مجتمعه، أتساءل: هل حقاً يهدف هذا القرار إلى التنظيم وحماية المجتمع، أم أنه محاولة للسيطرة على الفضاء الرقمي وتقييد حرية الرأي والتعبير؟ كيف يمكن تحميل أفراد مسؤولية مالية بناءً على عدد متابعيهم، دون الأخذ في الاعتبار طبيعة المحتوى أو وجود دخل مادي من هذه الحسابات؟ أين هي الآليات التي تضمن الشفافية والعدالة في تطبيق هذه اللائحة، وتحمي المؤثرين من التعسف والتفسيرات الفضفاضة لبنودها؟ ألا يُعتبر هذا القرار بمثابة إثقال كاهل الشباب والمبدعين الذين يسعون لتقديم محتوى إيجابي وهادف، بدلاً من دعمهم وتشجيعهم؟ وإلى متى سيظل صوت المؤثر، هذا الصوت الذي بات له تأثير لا يقل عن تأثير وسائل الإعلام التقليدية، مهمشاً أو مُقيَّداً بدلاً من أن يكون شريكاً فاعلاً في بناء المجتمع وتطوره؟ إن حرية التعبير ليست منحة تُقدم أو تُسحب، بل هي حق أصيل من حقوق الإنسان الأساسية، وإن تنظيم الفضاء الرقمي يجب أن يتم بما يضمن هذه الحرية ويحميها، لا بما يكمم الأفواه ويفرض القيود، آمل أن تستمع الجهات المعنية في العراق الشقيق إلى أصوات المؤثرين وتطلعاتهم، وأن يتم التوصل إلى حلول توازن بين ضرورة التنظيم وحماية حرية التعبير، بما يخدم مصلحة العراق وشعبه.. وكل عام وأنتم بخير..
#أوقفوا الحرب
ولن أزيد،، والسلام ختام.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة