🔺(تقرير: SPT ترجمة الراكوبة)
شهدت دولتا مالي وبوركينا فاسو في شهر مايو المنصرم موجة دموية جديدة من الهجمات الإرهابية، نفذها تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبط بتنظيم القاعدة، ما أسفر عن مقتل نحو 150 من المدنيين والعسكريين، إضافة إلى إصابة العشرات.
ففي يوم السبت 24 مايو، استهدف التنظيم معسكر “ديورا” في منطقة موبتي وسط مالي، ما أدى إلى سقوط 67 عسكريًا بين قتيل وجريح. ويأتي هذا الهجوم بعد أيام قليلة فقط من إعلان التنظيم مسؤوليته عن هجوم آخر وقع في 13 مايو على بلدة “جيبو” الاستراتيجية شمال بوركينا فاسو، وأسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 100 شخص. وأكد التنظيم من خلال ذلك الهجوم استمرار قدراته التدميرية في منطقة الساحل الإفريقي.
هذه الهجمات لا تُعد حوادث معزولة، بل تأتي في سياق تصاعدي يكشف عن تحوّل نوعي في مسار التنظيمات الإسلامية المتطرفة، والتي باتت تنتقل تدريجيًا من آسيا إلى إفريقيا، مستفيدة من بيئات حاضنة تعاني من الفقر، والجهل، والديكتاتوريات، ما يجعلها أرضًا خصبة لانتشار الأفكار المتطرفة.
ومن “بوكو حرام” في منطقة بحيرة تشاد، إلى “جبهة تحرير ماسينا” و”جماعة أنصار الدين” في مالي، و”نصرة الإسلام والمسلمين” في مالي وبوركينا فاسو، مرورًا بـ”تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى” (داعش الصحراء) في النيجر، يتحول الساحل الإفريقي إلى واحدة من أخطر بؤر النشاط الجهادي في العالم.
غير أن التهديد لم يعد يقتصر على دول الساحل فحسب، بل بدأ يتسرب إلى عمق القارة عبر منطقة القرن الإفريقي. ويبرز السودان اليوم بوصفه إحدى أبرز النقاط الساخنة في هذا السياق، مع تنامي نفوذ كتائب جهادية مسلحة، أكثر تنظيمًا وتأهيلًا، منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
هذه الكتائب، المرتبطة بالحركة الإسلامية السودانية، تشمل “كتيبة البراء بن مالك”، و”كتيبة البرق الخاطف”، و”الكتيبة الاستراتيجية”، و”لواء النخبة”، إلى جانب ميليشيات أخرى ذات طابع عرقي وجهوي. غير أن “كتيبة البراء بن مالك” تظل الأبرز والأكثر خطورة، إذ تقاتل حاليًا إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، وتشكل تهديدًا لا يقتصر على الداخل السوداني، بل يُنذر بمرحلة جديدة من التمدد الجهادي العنيف، قد تمتد من السودان والقرن الإفريقي إلى عمق القارة الإفريقية، وحتى المنطقة العربية وسواحل البحر الأحمر.
🔺شرعنة التمدد الجهادي تحت راية الجيش:
تُعد “كتيبة البراء بن مالك” واحدة من أبرز وأخطر كتائب الظل التابعة للحركة الإسلامية في السودان. وتشير تقارير إلى أنها كانت الجهة التي أطلقت شرارة الحرب الأولى، بهدف قطع الطريق أمام أي تسوية سياسية تُعيد مسار الانتقال الديمقراطي إلى الواجهة من جديد.
في الأول من أبريل من العام الماضي 2024، أعلن قائد الكتيبة، المصباح أبوزيد طلحة، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، أن عدد عناصر الكتيبة ارتفع إلى 21 ألف مقاتل، ما استدعى تحويلها إلى “لواء البراء بن مالك”. وقبل نحو شهرين، وتحديدًا في 8 أبريل من هذا العام، أُعلن عن ترقيتها مجددًا إلى “فيلق البراء بن مالك”، وسط تقديرات تشير إلى أن عدد أفرادها بلغ نحو 35 ألفًا، في مؤشر على وجود خطة توسعية منظمة تُنفذ بوتيرة سنوية.
وفي 19 أبريل الماضي، نشرت الكتيبة إعلانًا رسميًا جاء فيه: (يُعلن فيلق البراء بن مالك بولاية البحر الأحمر عن فتح باب التسجيل والتجنيد لتشكيل كتيبة حماية للولاية، والعمل تحت راية قوات الشعب المسلحة).
وفي حديث خاص لـSPT، أفاد ضابط في القوات البحرية ببورتسودان بأن كتيبة البراء بن مالك تنشط ضمن مجريات الحرب الحالية، مستخدمة غطاءً رسميًا لتجنيد الشباب السوداني. وأوضح أن الكتيبة تُروّج لمشاركتها في القتال إلى جانب الجيش السوداني تحت شعار (الدفاع عن الوطن)، إلا أن محتوى التدريبات التي تُجريها يتضمن دروسًا دينية ذات طابع جهادي متشدد، تكشف عن مشروع أعمق مما يبدو في العلن.
وأضاف المصدر أن الكتيبة تعتمد على خطاب ديني متطرف، وتُلقّن المجندين مفاهيم جهادية، مستغلة الفراغ الأمني والفكري والسياسي الناتج عن الحرب، فضلًا عن عودة الإسلاميين إلى واجهة المشهد السياسي، ما يُتيح لها التمدد دون مقاومة تُذكر.
وختم قائلًا: “الأخطر من ذلك أن الكتيبة تحظى برعاية رسمية من بعض قادة جهاز المخابرات والجيش. مشاركتها في القتال تمنحها شرعية سياسية وعسكرية، ما يجعلها جزءًا فاعلًا في ملامح مستقبل السودان، لا مجرد ظاهرة مؤقتة مرتبطة بالحرب الحالية.”
🔺قنبلة موقوتة:
تكشف مصادر عسكرية مطّلعة أن كتيبة البراء الجهادية تحظى بدعم مباشر من الجيش السوداني، وتمتلك مكتب تنسيق مشترك معه، وتُستخدم كقوة ميدانية في المعارك الدائرة ضد قوات الدعم السريع. ووفقًا للمصادر ذاتها، فقد خُصصت للكتيبة مقرات عسكرية رسمية أصبحت تابعة لها بالكامل.
وقال مصدر أمني لـ SPT إن المقر الحالي للكتيبة في مدينة بورتسودان كان في الأصل يتبع شرطة الاحتياطي المركزي، قبل أن يُمنح لها رسميًا، بعد أن رفعت تصنيفها التنظيمي إلى “فيلق” ضمن التشكيلات القتالية.
وأبدى المصدر قلقًا بالغًا من هذا التحالف العسكري مع ميليشيا إسلامية جهادية، معتبرًا أن هذا التحالف، وإن بدا تكتيكيًا في ظاهره، يمنح الكتيبة غطاءً عسكريًا وسياسيًا بالغ الخطورة، ويُضفي على أنشطتها شرعية مؤقتة قابلة للتحول إلى تهديد هيكلي في حال انهيار الدولة أو تفكك مؤسساتها.
وأضاف: “استخدام جماعة جهادية متطرفة كذراع قتالية يعيد إلى الأذهان تجارب مشابهة لدول راهنت على ‘النار المؤقتة’، فانهارت جزئيًا أو كليًا، كما حدث في الحالة اليمنية مع الحوثيين.”
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي والعسكري أحمد عبد الهادي:
“الخطر لا يكمن فقط في ظهور جماعات جهادية، بل في تبنّي مؤسسات الدولة لها كحلفاء. هذا يعيد إنتاج سيناريوهات مأساوية شهدها العالم، حيث خرجت الجماعات التي استُخدمت كأدوات عن السيطرة، وانقلبت لاحقًا على الدولة نفسها.”
وأشار عبد الهادي إلى أن عناصر كتيبة البراء يختلفون نوعيًا عن نظرائهم في التنظيمات الجهادية الأخرى في مصر وعموم إفريقيا، موضحًا أن قيادات الصف الأول تُختار بعناية فائقة، حيث يجمعون بين التشدّد الديني والتفوّق الأكاديمي، وغالبيتهم من خريجي الكليات العلمية مثل الهندسة والطب.
وأوضح أن هذه الخلفية المعرفية والتقنية تمنحهم تفوقًا نوعيًا في ميدان المعركة، وقال: “هم يجيدون استخدام التكنولوجيا العسكرية الحديثة، ويُشكّلون اليوم العمود الفقري لتشغيل وإدارة الطائرات المسيّرة في المعارك. وهذا السلاح، بطبيعته، سلاح ذو حدين؛ إذ لا يقتصر خطره في المستقبل على الجيش السوداني وحده، بل قد يمتد إلى ما هو أبعد من حدود البلاد، ليطال المنطقة بأسرها”.
🔺تسليح وارتباطات خارجية:
لا تعمل كتيبة البراء بن مالك بمعزل عن محيطها الإقليمي؛ إذ سبق لعدد من قادتها أن شاركوا في صفوف تنظيمات جهادية في ليبيا والصومال. ووفقًا لمصادر متعددة، فإن علاقاتهم بتنظيم الشباب في الصومال لا تزال قائمة، كما يحتفظون باتصالات نشطة مع شبكات جهادية داخل ليبيا. كذلك، أكد مصدر أمني عسكري لـSPT وجود علاقات واتصالات تربط الكتيبة بجماعات إسلامية ناشئة في تشاد.
ولا تُخفي الكتيبة أهدافها الجهادية ذات الطابع التوسعي خارج حدود السودان. ففي مقطع فيديو يُنشر أدناه يظهر المصباح أبو زيد، قائد كتيبة البراء، وهو يخاطب حشدًا من عناصر الكتيبة قائلاً:
“هدفنا الاستراتيجي العاجل هو تحقيق المشروع الإسلامي في السودان الموحّد، أما هدفنا الاستراتيجي على المدى البعيد، فهو نصرة المستضعفين في كل مكان في العالم.”
وأكد المصدر الأمني أن الكتيبة حصلت على أربع طائرات مسيّرة قادمة مباشرة من إيران، مضيفًا: “هناك دائمًا طرق معقّدة أخرى. لقد حصلوا على أسلحة أيضًا، ولديهم قناة مباشرة مع إيران.”
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي والعسكري أحمد عبد الهادي:
“السودان يقف على حافة بركان جهادي يطوّق مناطق الساحل والقرن الإفريقي، ويمتد من البحر الأحمر حتى المحيط الهندي، وسط حالة من الصمت الإقليمي والدولي المريب. الوقت ينفد، والصمت لم يعد خيارًا.”
🔺ملاحظة: تم حجب هويات بعض المصادر لأسباب أمنية.
المصدر: صحيفة الراكوبة