من الفاشر الكبير طلِّعوا الصايح
علي أحمد
العنوان من أغنية تراثية للمطرب الكبير محمد الأمين، عُرفت الأغنية إعلاميّاً بـ(عيال أب جويلي)، يقول في أحد مقاطعها: “من الفاشر الكبير طلعوا الصايح // دقوا الجوز عديل وأصلو العُمُر رايح”.
هذا ما يحدث بالضبط في الفاشر، وما سيحدث أيضاً خلال الساعات أو الأيام المقبلة، فبعد النهيق والنعيق والزعيق والصراخ الذي ملأ به البلابسة والكيزان و(الفلنقايات) الأسافير، مصورين استشهاد عبد الرحمن قرن شطة، وقبله الشهيد البطل علي يعقوب، وما قبلهما وبعدهما من أبطال، وكأنه نصر مؤزر لهم وهزيمة للدعم السريع، ران عليهم الصمت أمس، وبلعوا ألسنتهم وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر هدوءاً وأقل ضجيجاً، فالأخبار القادمة من الفاشر جعلتهم يلتزمون الأدب ويعتنقون (السُكات).
الآن تضع قوات الدعم السريع اللمسات الأخيرة لفرض سيطرتها الكاملة على المدنية، وقد بدأ (الصائحون) بالفعل يخرجون عنها ويفرون ويولون الأدبار، فيما تتقدم الدعم السريع بخطوات ثابتة وخطة مدروسة، أفضت إلى ايقاع خسائر فادحة في صفوف قوات حركات الارتزاق التي تم استغفالها واستخدامها من قبل مليشيات الإسلاميين وتركوها وحدها في مرمي النيران، بل هناك أخبار متواترة عن ضرب الطيران لمعسكر الجيش نفسه (قيادة الفرقة السادسة)، وقيل كالعادة عن طريق (الخطأ)، ولكن هذا ليس المهم، فليضرب الطيران من شاء ومتى شاء، وإنما المهم هو أن يوم أمس شهد انهياراً كاملاً لدفاعات القوات المرتزِقة (المشتركة) والجيش نفسه، فيما تقترب قوات الدعم السريع من مقر الفرقة السادسة مع انقطاع تام للاتصالات، وربما تكون قد فرضت عليها سيطرة كاملة مع كتابة هذه السطور.
الأخبار التي تأتي من (الفاشر) تُنبئ بمصير قاتم ومأساوي لحركات الارتزاق، فقد أصاب مجنديها الرعب والهلع والفزع خصوصاً عندما وجدوا أنفسهم محاصرين ومطوقين تماماً من قبل قوات الدعم السريع، قبل أن تمطر عليهم السماء (الصديقة) بالحصو، عندما أنزل عليهم فلول الكيزان وابلاً من النيران لم يسثن منها حتى جنود الجيش، فقتل منهم العشرات وجُرح المئات، واعتبرت القوات المرتزقة ذلك تآمراً عليها من قبل حلفائها الكيزان، وإنهم عندما شعروا باقتراب خسارة المعركة، قرروا معاقبة (المرتزقة) ودكهم بالطيران، ليكونوا عبرة لمن يعتبر.
تواتر الأنباء أيضاً عن تفاقم الخلافات بين قادة حركات المرتزقة وقيادة الجيش في بورتسودان وعلى رأسها عبد الفتاح البرهان، بعد سيطرة الدعم السريع على جميع المناطق الاستراتيجية بالفاشر وجميع الارتكازات المحيطة بقيادة الفرقة السادسة مشاة قبل أن تفرض عليها طوقاً وحصاراً من جميع الاتجاهات وتوجه نحوها ضربات متتالية، مما جعل المختبئون في بورتسودان من قادة الجيش وحركات الإرتزاق يتيقنون من أن سقوط المدينة أصبح مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، وبالتالي دبت بينهم الخلافات كل يحمل المسؤولية للآخر، ويوجه نهم الخيانة والتقاعس لحليفه.
ويتوقع خبراء ومحللون سياسيون ومراقبون أن يكون مصير حركات الارتزاق وقادتها مجهولاً بمجرد تحرير قوات الدعم السريع مدنية الفاشر، وأن المواجهة بينها وبين الجيش والكيزان من جهة ستكون حتمية، خصوصاً في شرق وشمال السودان حيث توجد كتائب من قوات الحركات هناك، لكنها ستصبح خطراً على الجيش حال فقدان الفاشر، بل ستصبح مجرد فائضاً لن يسمح الكيزان بوجوده بينهم، وبالتالي فإن المرجح هو هروب قادة الحركات خصوصاً مني أركو مناوي من بورتسودان إلى خارج البلاد في غضون الأيام القليلة المقبلة، إن لم يكن هرب بالفعل، وربما يبقى جبريل إبراهيم قليلاً لكونه كوز صميم ولص قديم، ويمكنهم إبرام صفقة معه على حدة، وإعادة استخدامه و(تدويره) مجدداً في مهام أخرى، قبل التخلص منه في مراحل لاحقة.
خلاصة القول، إن الفاشر أصبحت عملياً في عداد المُدن المحررة، وإن على الجميع تقبل الأمر والتعامل معه بصدر رحب، والتوقف عن الثرثرة في الفضاء الأسفيري.
(وأصلوا العُمُر رايح).
المصدر: صحيفة الراكوبة