من السلطة إلى الدولة تحديات بناء السودان ما بعد الاستقلال.. كيف تُعيد الحكومة الانتقالية بناء الثقة مع الشعب السوداني؟ (١٢)

د. أحمد موسى قريعي
الثقة بين المواطن والدولة في السودان وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد سنوات من القمع، الفساد، وخيبات الأمل المتكررة. الحكومة الانتقالية القادمة، المنبثقة عن ميثاق السودان التأسيسي، مطالبة قبل أي شيء بإعادة ترميم هذه الثقة.
لكن كيف يمكن بناء جسورٍ مع مجتمعٍ منهكٍ ومحبط؟
1. *الاعتراف لا الإنكار الخطوة الأولى للشفاء*
الشفافية تبدأ بالصدق:
الاعتراف بفشل الحكومات السابقة، حتى إن كانت انتقالية.
الاعتراف بحجم الدمار الاقتصادي والاجتماعي دون تبرير أو تهوين.
الصمت الرسمي يُفسر كخداع، والاعتراف يُفسر كاحترام.
2. *التواصل المباشر مع الشعب لا مكان لوسطاء الثقة*
الحكومة القادمة يجب أن تتخلى عن النخب كـ”وكلاء تفويض” وتتجه:
نحو المؤتمرات الشعبية واللقاءات المفتوحة.
نحو استخدام الإعلام الجديد للتواصل الصريح.
نحو نشر قراراتها وتحدياتها بكل وضوح للرأي العام.
الثقة لا تُبنى في المكاتب المغلقة، بل في الساحات المكشوفة.
3. *العدالة أولًا لا مصالحة دون مساءلة*
لا يمكن بناء الثقة مع شعب مجروح دون:
محاسبة من ارتكبوا جرائم بحق المواطنين.
تفعيل مسارات العدالة الانتقالية والمحاسبة التاريخية بوضوح وشفافية.
تقديم اعتذارات رسمية مدعومة بإجراءات عملية.
“لن نكرر الماضي” ليست جملة سياسية بل عهد يجب ترجمته.
4. *تعيين المسؤولين الكفاءة لا الولاء*
الشعب فقد الثقة لأن من يديرون الدولة غالبًا لا يمثّلونه. ولذا:
يجب اختيار المسؤولين بناءً على الكفاءة لا الولاء السياسي أو الجهوي.
نشر سيرهم الذاتية ومؤهلاتهم.
إعلان معايير التعيين والترقي داخل مؤسسات الدولة.
الشعب لا يريد وجوهًا جديدة تُمارس نفس السياسات القديمة.
5. *محاربة الفساد بشكل عملي لا شعاراتي*
أحد أكبر مؤشرات انهيار الثقة هو الفساد، والحل لا يكون بـ:
إنشاء لجان فقط.
أو رفع شعارات عامة.
بل بـ:
إعلان الذمة المالية للمسؤولين.
إقرار آلية لرقابة مجتمعية على المال العام.
محاكمات حقيقية للمتورطين في نهب موارد الدولة.
6. *احترام كرامة المواطن اليومية*
الثقة لا تُبنى فقط في القصر الجمهوري، بل في:
صف الخبز.
طابور المستشفى.
تعامل الشرطة في الشارع.
كل موظف دولة هو وجه الحكومة. فإذا لم يتم تدريبهم على احترام المواطن، فكل خطابات الثقة ستبقى حبراً على ورق.
*خاتمة: استعادة الثقة مشروع سياسي وأخلاقي*
الثقة لا تُشترى بالمساعدات الخارجية، ولا تُفرض بالقانون، بل تُكتسب بالصدق، والانحياز الحقيقي للناس، والتغيير الذي يلمسه المواطن في تفاصيل حياته اليومية.
(في المقال القادم: كيف يمكن للتحالفات السياسية والمدنية أن تتحول إلى جبهة موحدة داعمة للميثاق التأسيسي؟)
المصدر: صحيفة الراكوبة