من السلطة إلى الدولة تحديات بناء السودان ما بعد الاستقلال الإصلاح دون انهيار.. كيف تدير الحكومة الانتقالية اقتصاد السودان خلال التحول؟ (١١)

د. أحمد موسى قريعي
في خضم التحديات الاقتصادية التي تواجه السودان من تضخمٍ خانق، إلى انهيار العملة، وتراجع الإنتاج تبدو الحكومة الانتقالية القادمة أمام معادلة شديدة الصعوبة:
كيف تُنفّذ إصلاحات جذرية وفق ميثاق السودان التأسيسي دون أن تدفع البلاد نحو الانهيار؟
هذا المقال يقترح خارطة طريق متدرجة وعملية لتحقيق هذا التوازن الدقيق.
1. *الاقتصاد في قلب الميثاق: من النهب إلى العدالة*
الميثاق التأسيسي لا يتجاهل الاقتصاد، بل يضعه في صلب مشروع التغيير من خلال:
كسر هيمنة قلة على الموارد.
توزيع الثروة بعدالة.
دعم الإنتاج المحلي لا الريع الطفيلي.
لكن التحدي الأكبر يكمن في: كيف تُفكك شبكة الفساد القديمة دون تعطيل الدولة؟
2. *حلول إسعافية عاجلة لا بد منها*
قبل الإصلاح الهيكلي، يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف النزيف، مثل:
ضبط السوق السوداء للعملة عبر توحيد سعر الصرف تدريجيًا.
دعم السلع الأساسية ومراقبة توزيعها.
وقف التجنيب والفساد في الإيرادات الحكومية.
إعادة توجيه الدعم لصالح المنتجين لا الوسطاء.
هذه الخطوات ليست بدائل عن الإصلاح، بل ضمان لاستمرار الدولة حتى يبدأ التغيير الحقيقي.
3. *إصلاح جذري ولكن متدرج*
الإصلاحات يجب أن تكون:
*شفافة:* تُعلن للناس بوضوح.
*مخططة:* تبدأ بالأكثر إلحاحًا ثم تتدرج.
*عادلة:* لا تُحمّل الفقراء فاتورة التغيير.
مثال:
إعادة النظر في عقود الذهب والصادرات.
مراجعة نظام الجمارك والضرائب لصالح الإنتاج المحلي.
إنشاء بنك تنموي لدعم صغار المنتجين والمزارعين.
4. *خلق بدائل قبل إلغاء الامتيازات*
الميثاق يدعو لتفكيك النظام الريعي، لكن إلغاء الامتيازات (مثل الإعفاءات الضريبية أو الدعم السياسي) يجب أن يتم بعد توفير بدائل حقيقية.
إذا أُغلقت شركات تابعة للنظام السابق، يجب دعم بدائل وطنية نزيهة.
إذا أُلغيت إعفاءات، يجب تعويض المتأثرين بتحفيزات إنتاجية.
5. *الاستثمار في البشر أولًا*
لا تنمية دون تعليم وتدريب، ولذلك يجب:
تخصيص نسبة عالية من الميزانية للصحة والتعليم.
دعم برامج التدريب المهني للشباب.
توجيه الاستثمارات نحو القطاعات كثيفة العمالة مثل الزراعة والصناعات الخفيفة.
فالمواطن هو البنية التحتية الحقيقية لأي اقتصاد.
6. *الشراكة مع المجتمع الدولي بشروطنا*
يحتاج السودان لدعم خارجي، لكن بشروط وطنية، أهمها:
لا وصاية سياسية مقابل المعونات.
توجيه الدعم لمشروعات تنموية لا مكاتب استشارية.
حشد الموارد من الجاليات السودانية في الخارج ضمن إطار شفاف.
*خاتمة: اقتصاد في خدمة التغيير لا العكس*
إن إدارة الاقتصاد في المرحلة الانتقالية ليست عملية محاسبية فقط، بل معركة سياسية بين رؤيتين:
رؤية تسعى لإنقاذ النخبة عبر دعم المصالح القديمة.
ورؤية تبني اقتصادًا يخدم الشعب ويُعيد توزيع الثروة.
النجاح لن يتحقق إلا بتضافر الرؤية السياسية، والجرأة في اتخاذ القرار، والتواصل الصادق مع المواطن.
(في المقال القادم: كيف تُعيد الحكومة الانتقالية بناء الثقة مع الشعب السوداني؟)
المصدر: صحيفة الراكوبة