من السلطة إلى الدولة تحديات بناء السودان ما بعد الاستقلال من الوثيقة إلى الواقع .. كيف نُحوِّل ميثاق السودان التأسيسي إلى برنامج عملي للمرحلة الانتقالية؟ (١٠)

د. أحمد موسى قريعي
ميثاق السودان التأسيسي يحمل في طياته رؤى طموحة لتأسيس دولة مدنية عادلة، لكن تبقى المسافة شاسعة بين النصوص المكتوبة والتطبيق العملي. *فكيف يمكن تحويل هذا الميثاق من وثيقة سياسية إلى خطة واقعية قابلة للتنفيذ خلال المرحلة الانتقالية؟*
في هذا المقال نطرح خطوات واضحة وممكنة لتحويل المبادئ إلى برامج، والطموحات إلى واقع.
1. *تشكيل جبهة انتقالية موحدة: ضرورة لا خيار*
الخطوة الأولى هي التوسع في بناء تحالف (تأسيس) وذلك بضم كل من يؤمن بالميثاق ويتبناه كمرجعية ملزمة. لا يمكن تنفيذ الميثاق إذا لم يتم:
تجاوز الخلافات الأيديولوجية والشخصية.
وضع آليات ديمقراطية لاتخاذ القرار داخل التحالف.
تمثيل كافة الأقاليم والمكونات الاجتماعية داخله.
تحالف (تأسيس) يجب أن لا يكون تكتلًا نخبويًا، بل منصة سياسية واجتماعية تُعبّر عن الأغلبية المُهمشة والمحرومة.
2. *وضع خطة انتقالية مفصلة ومجدولة*
الميثاق يجب أن يتحول إلى خطة عمل انتقالية، تتضمن:
أولويات محددة (مثل الأمن، الاقتصاد، العدالة الانتقالية).
مراحل زمنية واقعية (قصيرة، متوسطة، طويلة).
مؤشرات أداء تقيس التقدم.
مثال: إذا دعا الميثاق إلى إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، يجب تحديد:
*من هي الجهات المسؤولة؟*
*ما هو الإطار الزمني؟*
*ما هي المخرجات المتوقعة؟*
*كيف يتم التقييم والمساءلة؟*
3. *بناء مؤسسات انتقالية على أسس الميثاق*
السلطة الانتقالية القادمة يجب أن تنبثق من روح الميثاق، لا من المحاصصات أو الصفقات. ويجب أن تشمل:
مجلس سيادي انتقالي مدني بصلاحيات تنفيذية وتشريعية.
مجلس عدالة انتقالية مستقل.
مفوضيات فاعلة (للأراضي، الفساد، التمييز، الإصلاح الأمني).
مع ضمان تمثيل حقيقي للنساء والشباب والمناطق المتأثرة بالحروب.
4. *تعبئة الجماهير وإشراكها في التنفيذ*
الميثاق ليس مشروع نخبة. لإنجاحه، يجب:
تبسيط مضمونه ونشره بلغة مفهومة لعامة الناس.
تنظيم حملات توعية جماهيرية.
تمكين المجتمعات المحلية من مراقبة تنفيذ الميثاق في مناطقها.
فلا ديمقراطية بلا جماهير واعية، ولا عدالة دون مشاركة شعبية.
5. *بناء شراكات خارجية على أساس المبادئ*
العلاقات الإقليمية والدولية ضرورية، لكن لا يجب أن تكون مشروطة أو متطفلة. يجب:
التفاوض مع المجتمع الدولي من موقع الندّية.
رفض أي دعم مشروط بتقاسم النفوذ أو تأجيل العدالة.
استخدام الدعم الخارجي لتقوية المؤسسات، لا لإرضاء قوى الأمر الواقع.
*خاتمة: الواقعية الثورية*
إن تحويل ميثاق السودان التأسيسي إلى برنامج عملي لا يعني التخلي عن المبادئ، بل يعني ثورية واقعية:
ثورة تؤمن بالتحول الجذري، لكنها تدرك أن النجاح يتطلب:
تخطيطًا دقيقًا،
أدوات تنفيذ فعالة،
والتفافًا شعبيًا واسعًا.
الفرصة ما زالت قائمة، لكن الزمن لا ينتظر.
(في المقال القادم: كيف يمكن لحكومة انتقالية مؤمنة بالميثاق أن تدير التوازن بين الإصلاحات الجذرية والحد من الانهيار الاقتصادي؟)
المصدر: صحيفة الراكوبة