اخبار السودان

منابر إسطنبول تسقط أقنعة الإخوان في حرب السودان

جاء الهجوم العنيف غير المسبوق الذي قام به رجل الدين السوداني المقيم في تركيا عبدالحي يوسف على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان معبراً عن دلالات مهمة حول أبعاد الصراع، لاسيما عندما ألقى الضوء على تفاصيل الحرب وما سبقها، واصفاً البرهان بأوصاف سيئة جداً، ومحملاً إياه مسؤولية اندلاع الحرب وتفاقمها.

شكل موقف يوسف، وهو من الشخصيات البارزة في الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمين)، تحولًا مفاجئًا في موقف الحركة تجاه قائد الجيش السوداني، الذي كان يحظى بدعمها منذ بداية الحرب.

وقد تبنى البرهان أيضًا المواقف السياسية للحركة الإسلامية التي ترفض التفاوض مع قوات الدعم السريع، دون الاعتراف بوجودها في الساحة السياسية. أثناء استضافته في مركز مقاربات للتنمية السياسية في إسطنبول، شن عبدالحي يوسف هجومًا عنيفًا غير مسبوق على قائد الجيش السوداني، مؤكدًا أن الإسلاميين لا يثقون به على الإطلاق، وأنه يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الأزمة الحالية. كما أشار إلى أن ما أطلق عليه “الانتصارات الأخيرة” للجيش تعود إلى مشاركة كتائب المجاهدين الإسلامية، التي وصفها بأن لها دورًا أكبر في القتال ضد قوات الدعم السريع مقارنة بالجيش.

وصف يوسف، قائد الجيش البرهان، بأنه مرتبط بـ”الصهاينة” واعتبره شخصاً بلا أخلاق أو دين. كما اتهمه بتعزيز قوات الدعم السريع بالأسلحة والمعدات، والسماح لها بالانتشار في مواقع استراتيجية مثل القيادة العامة والقصر الجمهوري ومبنى التلفزيون، مؤكداً أن كل هذه الأمور كانت تحت علمه وموافقته.

واتهمه بالتناقض وعدم الالتزام بالتعهدات، مشيرًا إلى مثال رفض البرهان استقبال وزير الخارجية القطري تحت ضغط من قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، رغم أنه قد وافق سابقًا. عُرف عبدالحي يوسف بدعمه للعسكريين في السلطة منذ فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، كما أيد فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش على يد العسكريين، بالإضافة إلى تأييده لانقلاب البرهان وحميدتي ضد الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021، بحسب ما أوردته وكالة “سودان تربيون” المحلية. بعد اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، دعم عبدالحي يوسف الجيش في مواجهته ضد قوات الدعم السريع.

كشف يوسف أن البرهان فقد الدعم الدولي، حيث أشار إلى أن وفدًا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وهو من أبرز الهيئات ضمن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ضم نائب رئيس الاتحاد “محمد الددو”، وهو سلفي جهادي من موريتانيا، التقى بالحكومة التركية ليطلب منها الدعم والمساندة بالسلاح في الحرب ضد قوات الدعم السريع. ومع ذلك، لم تستجب الحكومة التركية، ممثلة في وزير خارجيتها، ورفضت وفقًا له لأسباب تتعلق بشخصية البرهان، واصفة إياه بأنه “غير محترم” وكذاب “غير ملتزم بالعهود”. أبرز ما ذكره عبدالحي يوسف خلال المحاضرة هو قوله إن قائد الجيش “غير قادر على القضاء على الإسلاميين”، حيث إنهم موجودون حتى في مكتبه، مما يعني أنهم يتحكمون في تفاصيل الحرب وسياقاتها، وكذلك في قيادة الجيش نفسها.

بل إنهم يتحكمون في قرارات البرهان، الذي يبدو أنه بلا حول ولا قوة، ويقع تحت سيطرة “الإخوان”، الذين يحركونه كدمية وفقاً لمصالحهم. لم يكتفِ عبدالحي يوسف بانتقاد البرهان، بل ألزمه أيضاً بضرورة الكشف عن تفاصيل زيارته للخارج، بما في ذلك زيارته الأخيرة للولايات المتحدة.

أشار رجل الدين الإخواني إلى أن مصر والولايات المتحدة ودول الخليج تدعم الجيش، لكنها ترفض عودة الإسلاميين إلى الساحة. وأكد أن البرهان لا يمكنه التخلص من الإسلاميين لأنهم موجودون في مكتبه.

يعتبر عبدالحي يوسف من أبرز أئمة الحركة الجهادية العسكرية ضمن التيار الإسلامي، وكان يتحدث بحرية على المنصة التي كان يتحدث منها، حيث إنها تتبع الفرع السوري للتنظيم العالمي للإخوان الذي يستقر في تركيا. كُشف النقاب عن أن ما يُعرف باسم “المقاومة الشعبية”، التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من العام كقوات شعبية تدعم الجيش السوداني، ليست سوى ستار لكتائب المجاهدين التابعة للحركة الإسلامية السودانية (الإخوان).

أُطلق على هذه المليشيات هذا الاسم بشكل مُضلل للتغطية على مصطلح (الجهاد) الذي أصبح موصوفاً بالنبذ. وقد أشار إلى أن هذه المليشيات تلقت تدريبات عسكرية تحت إشراف من يُطلق عليهم لقب “قُدامى المجاهدين”، الذين شاركوا في الحرب في جنوب السودان، والتي انتهت بانفصال البلاد وإعلانها دولة مستقلة. تصريحات عبدالحي يوسف تأتي في وقت يشهد فيه السودان صراعًا عنيفًا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023. منذ انطلاق الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، تواصل القوى السياسية السودانية المعارِضة للحرب التأكيد على أن الحركة الإسلامية السودانية، المعروفة في البلاد بـ”الكيزان”، وجناحها السياسي حزب المؤتمر الوطني هي التي أشعلت هذه الحرب وتديرها، بهدف استعادة السلطة التي فقدتها بعد الثورة الشعبية في عام 2019.

وهذا ما أقر به عبدالحي يوسف في محاضرته، حيث أعاد تكرار عبارته الشهيرة التي سبق أن ذكرها بصيغة مختلفة عند بداية الحرب: “إن الله قد أرسل هذه الحرب لإعادة بريق الحركة الإسلامية وقوتها”. أكدت تصريحات يوسف ما هو مؤكد، وأثبتت بلا أدنى شك أن الحركة الإسلامية هي المحرك الأساسي للصراع في السودان، وأن الجيش لا يعدو كونه واجهة لتحقيق أهدافهم السياسية. في وقت متأخر من ليل الجمعة إلى السبت، أصدرت الحركة الإسلامية السودانية بياناً محدودا، اختتمته بجزئية صغيرة نفى فيها وجود علاقة تنظيمية تربطها بعبدالحي يوسف.

ويبدو أن الهدف من البيان لم يكن نفي العلاقة مع عبدالحي، بل محاولة معالجة ما كشفه من أسرار بينها وبين قائد الجيش، وكشفه لعمليات تُجرى في الخفاء. وبالتالي، أكدت الحركة في بيانها دعمها للقوات المسلحة. اعتبر محللون أن البيان محاولة للحد من الأثر السلبي، مشيرين إلى أن العلاقة بين الإخوان والبرهان قد انتهت بالفعل.

تكشف تصريحات عبدالحي يوسف عن جوانب الصراع في السودان ودور الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين) في إشعال الحرب، واستغلال الجيش كواجهة لتحقيق أهدافهم السياسية. بينما يؤكد عبدالحي أن الإسلاميين يسيطرون على مفاتيح الدولة والجيش، فإن الصراع بين البرهان والإخوان قد يتطور إلى صراع داخلي جديد يُعقد الأوضاع أكثر، مع تغير التحالفات وتعدد الأطراف المتنازعة، مما قد يؤدي إلى انقسامات داخل الجيش نفسه، مما يُطيل من فترة الحرب التي تسببت في أكبر كارثة إنسانية في العالم. علق خالد عمر يوسف، وزير شؤون مجلس الوزراء الأسبق ونائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، في منشور على فيسبوك قائلاً: “نواصل مع عبدالحي يوسف واعترافاته، حيث يقول إن الله قد أطلق هذه الحرب ليعيد للحركة الإسلامية بريقها وقوتها! ومن سمات الإسلاميين استهتارهم بأرواح الناس وحياتهم. هذا هو تقييمهم لكل ما تعرضت له حياة الملايين من دمار وتشريد ونزوح ولجوء. كل ذلك لا يهمهم، المهم هو عودة (بريقهم وقوتهم)!”

وأضاف: “كما كررنا ذلك عدة مرات، أكثر من أجرم بحق القوات المسلحة هم الحركة الإسلامية. هم من اخترقوها وأضعفوها واستغلوها لمصالحهم السلطوية، وقاموا بتقسيمها وخلق تعدد الجيوش والجماعات المسلحة. ها هو عبدالحي يعبر عن ذلك بوضوح، انتصارات هذه الحرب تُنسب للمقاومة الشعبية التي يعتبرها من الإنجازات الإسلامية، بينما القوات المسلحة ليست لها علاقة بذلك.” وتساءل قائلاً: “من هو الذي يسعى لتفكيك الجيش والدولة بحق؟ ومن يستهين بالسودان وشعبه؟؟!! وما هي هذه الحرب وما أهدافها؟!”

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *