مفاهيم الطبقة الاجتماعية والمركز والهامش (٢/٢)

تاج السر عثمان
١. اشرنا سابقا إلى أن مفهوم المركز والهامش مضلل ويغبش الوعي الطبقي للكادحين، فضلاً عن أنه يخدم مصالح الفئات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة في الهامش للتطلع للثراء والسلطة، لأنه في مركز العالم الرأسمالي نفسه وعلى مستوى كل دولة يوجد استقطاب طبقي حاد مثال : تشير الإحصائيات عام ٢٠٠٧م في امريكا أن طبقة الأثرياء (العليا) والتي تشكل 1% من السكان تملك 40% من ثروة الأمة؛ أما الطبقة الفقيرة والتي تشكل 80% تملك 7%، وهذه الأغلبية المهمشة من العاملين بأجر يتعرضون للاستغلال الرأسمالي وتستحوذ الطبقات الرأسمالية أو الشركات المتعددة الجنسيات على فائض القيمة منهم، إضافة للمهمشين من العطالة والمهمشين من الأقليات والنساء.
وفي دول الهامش أو الدول المتخلفة هناك استقطاب طبقي حاد، حيث تستحوذ أقلية على الثروة والسلطة وتعيش الأغلبية في فقر مدقع (على سبيل المثال في السودان 5% يستحوذون على 88% من الثروة).
كما أن الحديث عن مناطق مهمشة في السودان مضلل أيضاً إذ نجد في المناطق المهمشة فئات لها مصالح مع القوى الحاكمة في المركز تتكون من: الزعامات القبلية والإدارة الأهلية، وكانت مشاركة في السلطة المركزية منذ الاستقلال، وأصحاب المشاريع وملاك الثروة الحيوانية، بينما الأغلبية في المناطق المهمشة تعيش في فقر مدقع وتتكون من فقراء المزارعين والرعاة.
إذن من المهم الفرز والتحليل الطبقي في كل حالة والصراع ضد كل أشكال الاضطهاد الطبقي والإثني والقومي والعنصري والجنسي.
٢. لعب نظام الإنقاذ دوراً كبيراً في تعميق انفجار الحركات في المناطق المهمشة، نتيجة للتهميش الديني والثقافي واللغوي، كما أشرت في مؤلفي “قضايا المناطق المهمشة، الشركة العالمية 2014م ، الشركة العالمية ٢٠١٤م”
كما أن بعض الحركات في المناطق المهمشة أو الإقليمية والجهوية التي رفعت شعار النضال ضد التهميش، والصراع بين المركز والهامش، أصبحت جزءا من المركز الحاكم كما في حركات جوبا، أما الدعم السريع فاصلا جاء تكوينه بطلب من المركز الحاكم لحماية نظام البشير، وراكم ثروات من نهب وتصدير الذهب والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية وممتلكات. الناس، ومن الميزانية المفتوحة من حكومة البشير، ومن دعم دول الاتحاد الأوروبي له لمنع الهجرات اليها، ومن التجارة … الخ ، وشارك في الابادة الجماعية وقمع المواكب السلمية مثل: الابادة الجماعية في دارفور ٢٠٠٣م، وهبة سبتمبر 2013م، ومجزرة فض الاعتصام … الخ، بالتالي لا يعقل ان يكون ضد التهميش، ومع العلمانية والديمقراطية. كما في تحالفه في “تأسيس”.
٣. بعد ثورة ديسمبر 2018م تم التوقيع على اتفاق (جوبا) مع اللجنة الأمنية، وتحولت لمحاصصات، وبعد الحرب شاركت حركات الي جانب حكومة الأمر الواقع، وجزء منها شارك في تحالف تأسيس، … الخ، ولم يتم تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها لترقية مناطقها وتوفر لها خدمات: التعليم، الصحة المياه، الكهرباء، وتفجير الفائض الاقتصادي الكامن فيها لنقلها من حالة البؤس والشقاء إلى حالة معيشية واقتصادية واجتماعية أرقى. والنظرة الشاملة للتطور المتوازن للسودان ككل، والتي تتطلب الرؤية الشاملة غض النظر عن قبائلهم أو أديانهم أو ثقافاتهم. وحتى على مستوى الإقليم المعين لم يتم الأخذ في الاعتبار مصالح كل القبائل والمجموعات السكانية التي تقطن هذا الإقليم، لا استعلاء مجموعة قبلية معينة تعيد إنتاج الأزمة على مستوى الإقليم المعين، مما أدى لتجدد النزاعات ورفض الاتفاقيات الجزئية التي تحولت لمحاصصات ومناصب بعيداً عن هموم ومشاكل جماهير تلك المناطق. إضافة لمشاركة حركات جوبا والدعم السريع مع اللجنة الأمنية ومليشيات الكيزان في انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021م الذي أعاد التمكين، وتراجع عن الحكم المدني الديمقراطي والوثيقة الدستورية، رغم عيوبها، مما قاد إلى الحرب اللعينة الجارية حاليا بهدف السلطة والثروة وتصفية الثورة. فكيف بعد ذلك يتم ضمان التزام الدعم السريع المرتبط بالمحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب بهدف نهب ثروات البلاد، في قيام دولة ديمقراطية، وضمان حق تقرير المصير، كحق ديمقراطي، يتطلب حرية الارادة كما تتصور الحركة الشعبية شمال الحلو.
٤.طبيعة السلطة الحاكمة لا يتم تحديدها على أساس اثني، ولكن تتحدد على أساس المصالح الطبقية التي تعبر عنها، فالمركز الحاكم الحالي وعلى المستوى الطبقي والسلطوي يضم فئات متباينة إثنياً، ولكن توحدها المصالح الطبقية والتي أفقرت الكادحين في كل السودان. فالاستغلال الطبقي الرأسمالي لا تتغير طبيعته سواء كان أفراد المركز من إثنية شمالية أو من دارفور أو الشرق أو جبال النوبا … الخ.
وأخيرا، القضية العاجلة هي وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع وكل المليشيات من السياسة والاقتصاد، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الانسانية، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي اوالفلسفي، وتحقيق التنمية المتوازنة، وضمان وحدة البلاد من خلال تنوعها، وحماية السيادة الوطنية.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة