اخبار السودان

معركة الخرطوم.. بين الحسم العسكري واتخاذ الميدان وسيلة للكسب التفاوضي

 

مع اشتداد التصعيد العسكري يدعي كل طرف تعزيز تقدمه الميداني، في المعارك التي يعتمد فيها الجيش على سلاح الطيران الحربي (الميج، الانتينوف، الساخوي ومقاتلات، جي 7، نانشينج كيو 5 الصينية، المسيرات المروحيات العسكرية). 

التغيير: سارة تاج السر 

بعد مواجهات دامية، تقترب من شهرها السادس، يشكك محللون في أن تحدث المعارك الجارية حاليا بالخرطوم، أي تغييرات أو خروقات ملموسة على خطوط التماس، ما يزيد الغموض بشأن السيناريوهات المحتملة ميدانياً .

مع اشتداد التصعيد العسكري يدعي كل طرف تعزيز تقدمه الميداني، في المعارك التي يعتمد فيها الجيش على سلاح الطيران الحربي (الميج، الانتينوف، الساخوي ومقاتلات، جي 7، نانشينج كيو 5 الصينية، المسيرات المروحيات العسكرية) إضافة إلى المدفعية والدبابات والمدرعات وغيرها، بينما ترتكز قوة الدعم السريع على المشاة، ومضادات الطائرات والمسيرات التي حصل عليها بعد اندلاع حرب 15 أبريل والصواريخ المدفعية بجانب أسلحة أخرى.

ومع غياب الإحصاء الرسمي بشأن عدد القتلى العسكريين عند كل جانب، تظهر منشورات النعي والتأبين المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، الحجم المروع للخسائر البشرية لدى الطرفين.

جمود

حسب المصادر المفتوحة فإن موازين القوى لم تتغير كثيرا منذ منتصف أبريل، ففي الوقت الذي احتفظ فيه الجيش بمناطق حيوية أبرزها مقر القيادة العامة بالخرطوم المحاصرة من قبل الدعم السريع، والكلية الحربية، وقاعدة وادي سيدنا الجوية بكرري، سلاح المهندسين بأم درمان، سلاح المدرعات بالشجرة الذي تدور حوله معارك عنيفة.

في المقابل، فشل الجيش في السيطرة على جسر شمبات الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان (يستخدم في إيصال الإمدادات للدعم السريع من منطقة شرق النيل الواقعة تحت نفوذ الدعم).

وتداولت منصات التواصل، الأحد، أخباراً تفيد بقصف الجسر، مع تصاعد أعمدة دخان كثيف، وهو ما لم يتسن التأكد من صحته في ظل عجز الصحفيين في الوصول إلى مناطق الاشتباكات.

وبالمناصفة يسيطر الجيش على منافذ الدخول والخروج من العاصمة إلى ولاية نهر النيل، فيما يحكم الدعم السريع قبضته على مداخل العاصمة من ناحية الجنوب إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض، إلى جانب مطار الخرطوم الدولي ومقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، ومجموع اليرموك لتصنيع الأسلحة، الاحتياطي المركزي (الخرطوم) ومواقع أخرى.

31 محاولة لاختراق المدرعات

بحلول 20 أغسطس الماضي، احتدمت الاشتباكات بمنطقة سلاح المدرعات الاستراتيجي جنوبي العاصمة، وسط مزاعم متبادلة بين الجيش والدعم السريع، بإحكام السيطرة عليه.

ومؤخراً تزايدت هجمات الدعم السريع على منطقة الشجرة العسكرية، واشارت مصادر لـ(التغيير) بأن محاولات اختراق المدرعات الفاشلة من قبل الدعم، وصلت إلى 31 محاولة.

وقال مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة حول الموقف العملياتي وأخر المستجدات العسكرية، إن “المليشيا جددت يوم السبت 9 سبتمبر هجومها على سلاح المدرعات، وتمكنت القوات المسلحة من دحرها وتكبيدها خسائر كبيرة في الأفراد وتدمير عدد من العربات القتالية، فيما لاذ العدو بالفرار” وفقاً للبيان.

بالمقابل نشر أفراد الدعم السريع فيديوهات قبل أسابيع قالوا إنها من داخل المدرعات، وذكر الناطق الرسمي باسم القوة شبه العسكرية في ذات الشهر، بأنهم سيطروا على عدد 101 دبابة و90 مدرعة و21 عربة قتالية.

مأساة المدنيين

تعاني منطقة الشجرة (الحماداب) من نقص حاد في السلع الغذائية يكاد يلامس مرحلة العدم، جراء إغلاق المحال التجارية وقطع حركة التبادل التجاري بين سوق الشجرة وبقية أسواق العاصمة، بسبب ما تعرض له التجار من انتهاكات تمثلت في الضرب ونهب الهواتف النقالة والمال، لضمان عدم عودتهم إلى العمل، وإمداد المنطقة بالمواد التموينية مجدداً، طبقا لبيانات لجان المقاومة بالمنطقة.

كذلك تشهد المنطقة قطوعات لخدمتي المياه والكهرباء للشهر الثالث علي التوالي، وسط حجب تام لشبكة الإنترنت والاتصالات، مع شح في الخبز والإسعافات الأولية، والعقاقير بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة.

وتمتد مأساة الأهالي إلى صعوبات متعلقة بتخزين الدواء والغذاء في حال الحصول عليه بسبب قطوعات الكهرباء، علماً بأن جميع المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات خارج الخدمة تماماً.

وأكدت المعلومات الواردة من هناك بسقوط القذائف عشوائيا على بيوت المواطنين منذ اليوم الأول من بدء محاولات الدعم السريع للاستيلاء على المدرعات، ما تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا بين مقتول ومصاب.

وقالت لجان المقاومة إن مقاتلي الدعم السريع، أجبروا أهالي (جبرة، اللاماب، يثرب) وبعضاً من مربعات الصحافة والعشرة على مغادرة منازلهم بصورة قسرية.

تقدم نوعي

المستشار السياسي للدعم السريع يوسف عزت الماهري، أكد أن قواتهم حققت تقدما كبيرا في الميدان بإحكام السيطرة التامة على سلاح المدرعات.

وقال في حديثه مع (التغيير) بعمليات جارية لملاحقة ومطاردة من وصفهم بـ(الفلول) الفارين للأحياء المجاورة للشجرة.

وكشف عن تقدم آخر نحو سلاح الذخيرة، وقال: هي مسألة وقت وتعلن الخرطوم، خالية تماما من أي وجود للفلول، على حد وصفه.

عزت الماهري: نقترب من حسم معركة الخرطوم
منشورات النعي والتأبين في مواقع التواصل الاجتماعي، توضح الخسائر البشرية المروعة لكلا الطرفين

وأشار الماهري إلى أن الدعم السريع يقوم بعمل نوعي في جميع المواقع المتبقية للجيش في أم درمان.
ونبه إلى أن هذه العمليات أسفرت عن مقتل المئات وكبدت الجيش خسائر كبيرة في العتاد العسكري .

حرب نفسية

وصف المحلل الأمني والاستراتيجي المتخصص في إدارة الأزمات، اللواء أمين إسماعيل مجذوب، ما يدور في الميدان في مناطق متفرقة بالخرطوم، بأنه عبارة عن تبادل قصف وعمليات تمشيط ومطاردة من القوات المسلحة لعناصر الدعم السريع.

وعدّ ما يتم تداوله من قبل الدعم من أخبار وفيديوهات ومعلومات وبيانات هي عبارة عن حرب إعلامية ونفسية.

وقال مجذوب لـ(التغيير): تمت مهاجمة المدرعات من قبل الدعم السريع 31 مرة، انتهت جميعها بالفشل، فيما لا تزال مقار الجيش في أم درمان وبحري صامدة، وترد على الهجمات التي تشن ضدها من وقتٍ لآخر.

ولفت إلى أن عمليات التصعيد عموما، مرتبطة بقرب انعقاد مفاوضات، والسعي للحصول على موقف عسكري تفاوضي مناسب.

لواء متقاعد: ما يتم تداوله من قبل الدعم من أخبار وفيديوهات ومعلومات وبيانات هي عبارة عن حرب إعلامية ونفسية

ويعتقد مجذوب أن الجيش يحاول كسب موقف يمكنه من المطاردة وتمشيط العاصمة المثلثة.

وعاد وذّكر بأن الحرب الحالية يصاحبها ضبابية في المعلومات ما يزيد من أهمية البيانات الصحفية، لعدم توفر وسائل إعلام تنقل ما يدور على الأرض.

ورغم ادعاءات كل طرف يري المتخصص في العلاقات السياسية دكتور كباشي البكري، أن هناك احتمال ضئيل في إحراز انتصار حاسم من قِبل أي طرف على الآخر، في ظل المعطيات الحالية.

واعتبر أن طرفي النزاع استنفدا قوتهما، وأن موازين القوى لم تتغير منذ بداية الحرب، فقط المزيد من الخسائر على كل المستويات.

الاحتمال الذي بات اكثر واقعية، في الوقت الراهن ان هذه الحرب سيطول أمدها ما لم يطرأ متغير جديد يساعد في حسم الصراع لصالح أحد طرفي القتال.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *