معركة الاذاعة
استعاد الجيش اليوم الثلاثاء سيطرته على مبنى الاذاعة في امدرمان بعد سنة من استلام الدعم السريع لها. وهو وضع طبيعي في حرب كر وفر، يخسر فيها يوما الجيش ويخسر في يوم اخر الدعم السريع وهكذا دواليك.
الدعم السريع علل فقدانه الاذاعة بأن قواته هناك تم غدرها، اذ كانت ملتزمة بالهدنة التي أعلنها مجلس الامن الدولي بينما هاجمها الجيش مخترقا للهدنة.
هذا التبرير قد يحتج به الدعم السريع ليكسب في ميدان السياسة عند الاوربيين، لكن على الواقع، كان دخول الاذاعة من قبل الجيش مسألة زمن ليس إلا بعد سيطرته على وسط امدرمان.
عسكريا لا تعني الاذاعة شيئا ثمينا للدعم السريع، خاصة بعد تفجير كبري شمبات، فالقوات في هذه المنطقة ومنطقة وسط امدرمان كانت مهمتها الاساسية تأمين خطوط إمداد الدعم السريع القادم من الغرب نحو شرق الخرطوم، وبتدمير كبري شمبات لم يعد هذا الهدف ذو قيمة استراتيجية.
بالنسبة للجيش اجتهد اعلام الكيزان والمغفلين النافعين له في تصوير معركة الاذاعة كأنها المعركة الفاصلة في حربهم ضد الدعم السريع، وهي طريقتهم العاطفية في استغلال البسطاء والسذج منذ بداية هذه الحرب. لذلك يمكنك ان ترى في الوسائط الفرحة الهستيرية التي انتظمت البلابسة، ويمكنك ان ترى قادة كتائب الكيزان جاءوا يهرعون للتصوير في مباني الاذاعة وهم نظيفين كصحن الصيني، مما يؤكد مقالة الجميع أن هذه حرب يدفع ثمنها البسطاء الغبش في الجيش موتا وجرحا وحربا ويقطف ثمرتها الكيزان المنعمين المرفهين ليعودوا مجددا للسلطة ويبطشوا بالبسطاء مرة اخرى في بيوت الاشباح وفي المظاهرات.
صور معركة الاذاعة والفيديوهات التي نشرها الجيش وداعمييه توضح ان المسيرات الإيرانية قد حسمت هذه المعركة بجدارة، وهنا يأتي السؤال: ماهو الثمن بالمقابل؟ وفي حال أراد الجيش مزيدا من هذه الاسلحة النوعية لكي يسترد الجزيرة وبقية امدرمان والخرطوم وبحري ودارفور، ماهو الثمن الذي سيدفعه لايران مقابلا لذلك؟ الا يبدو ان موانيء السودان في خطر، بل والعالم اجمع في خطر داهم اذا سيطرت إيران على مواني السودان الشرقية؟!.
ما يحسب للدعم السريع انه ظل طوال مسيرة هذه الحرب راغبا في السلام ومنحازا له، حتى في فترات قمة انتصاراته على الجيش، فهل سينحو الجيش نحو السلام مستفيدا من زخم انتصاراته الحالية في امدرمان، ام سيواصل في الخطاب المتطرف الرافض للحرب، رغما عن الحالة الماساوية لملايين السودانيين الذين يموتون جوعا ومرضا وليس بسبب الحرب المباشرة؟ الايام القادمة ستجيب على هذا السؤال.
يظل موقف القوى السياسية الرافضة للحرب، هو الموقف الوطني الحكيم، الرشيد، المنحاز للبسطاء والابرياء الذين تحصدهم آلة الحرب من أبناء السودانيين داخل الجيش وداخل الدعم السريع، والملايين الذين تحصدهم آلة الجوع والمرض والتشرد والنزوح واللجوء بفعل هذه الحرب اللعينة.
وليس هناك أصدق من الذي قال ان الجيش بعد سنة تقريبا من الحرب استرد ارض مساحتها حوالي خمسين كيلو متر، ففي كم سنة سيسترد دارفور التي تبلغ مساحتها ٥٠٠،٠٠٠ كيلو متر، بالحسبة البسيطة سيحتاج الى ١٠،٠٠٠ سنة، فهل هذا الامر يستحق بالفعل ايها الشعب السوداني؟! ان (تزازي) مشردا لالاف السنوات لدعم حرب عبثية بين طرفين مجرمين؟؟!!
من كان في رأسه مثقال ذرة من عقل، لقال لا للحرب، ولكنها الرؤوس الفارغة المحشوة بالهوس والاكاذيب.
يوسف السندي
المصدر: صحيفة الراكوبة