بعد أكثر من عامين، سيتم تجريب مطار الخرطوم عبر رحلات داخلية في وقت لم يحدد بعد على أن يتم الانفتاح تدريجيًا على الرحلات الخارجية وفق مصادر (التغيير).

الخرطوم: التغيير

في سباق مع الزمن، تسعى الحكومة السودانية التي يقودها الجيش، إلى إعادة تشغيل مطار الخرطوم الدولي بعد توقف دام لأكثر من عامين، في سعيها إلى تمهيد الطريق لتطبيع الحياة المدنية التي أوقفتها نار الحرب المشتعلة منذ 15 أبريل 2023م بين الجيش وقوات الدعم السريع، ولا يزال لهيبها يطبق على الأفق دون بوادر لحل قريب.

ويعتبر مطار الخرطوم، الذي تأسس في عام 1947م، واحدًا من أكبر المطارات في البلاد، وكان يشهد نشاطًا مكثفًا بفضل موقعه في العاصمة الخرطوم، ولأول مرة منذ إنشائه، يتم إغلاقه طوال هذه الفترة جراء الحرب التي أوقفت جميع الرحلات الجوية دون استثناء، مما أثر بشكل كبير على حركة الطيران في البلاد.

إعادة التأهيل

وتعرض المطار لدمار شبه كامل نتيجة للمعارك العنيفة في محيط القيادة العامة للجيش السوداني. وفي خطوة نحو إعادة التأهيل، قررت إدارة المطار إنهاء الإجازة المفتوحة لبعض العاملين تمهيدًا لاستئناف الملاحة الجوية واستعادة نشاط المطار الحيوي.

وفي 8 يوليو الماضي، أصدرت شركة مطارات السودان المحدودة، قرارًا بإنهاء الإجازات المفتوحة لموظفي بعض الإدارات، على أن يباشر موظفو إدارتي مطار الخرطوم والشؤون الهندسية العمل خلال شهر من صدور القرار، وذلك في إطار إعادة الهيكلة والاستعداد لتشغيل المطار بشكل كامل.

حجم الدمار

كما نشرت سلطة الطيران المدني مقاطع فيديو توثق حجم الدمار الذي لحق بمنشآت المطار، بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تواجه جهود إعادة التأهيل.

وأمس الثلاثاء، أقلعت طائرة رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، من مطار الخرطوم الدولي بعد اكتمال أعمال صيانة المدرج.

وأظهر مقطع فيديو متداول لحظة إقلاع طائرة الرئاسة من مطار الخرطوم وعلى متنها البرهان، متجهًا إلى مطار بورتسودان شرقي البلاد.

وكان البرهان وصل إلى الخرطوم في الأيام الماضية، حيث أجرى تعديلات وهيكلة في قيادة الجيش من داخل القيادة العامة.

تشغيل الرادار

في خطوة أخرى نحو إعادة الحياة لشرايين العاصمة، نشر ناشطون اليوم الأربعاء، فيديو لرادار مطار الخرطوم وهو ينشط من جديد، هذه الخطوة تمهد الطريق لاستقبال الرحلات المدنية مجددًا، وتدعم برنامج العودة الطوعية الذي لجأت إليه الحكومة السودانية، وهو البرنامج الذي نجح في إعادة آلاف المواطنين من دول الجوار، وعلى رأسها مصر التي تحتضن نحو مليوني سوداني وفق آخر إحصائية رسمية، وذلك رغم الصعوبات الاقتصادية والأمنية التي تعيشها الخرطوم، حيث يرى كثيرون أنها لازالت بعيدة عن التهيؤ لاستقبال الذين فروا منها جراء القتال وسوء الحال.

ربط المطار

والاثنين الماضي، أدرجت شركة “تاركو للطيران” مطار الخرطوم ضمن نظام الحجز الإلكتروني الخاص بها، مؤكدة في بيان مقتضب أن هذه الخطوة تأتي ضمن ترتيباتها لإعادة ربط الخرطوم بمطارات البلاد والإقليم.

وأوضحت الشركة أن الرحلات بين مطار بورتسودان ومطار الخرطوم لم تُجدول بعد، مشيرة إلى أن الإعلان عن المواعيد الرسمية سيتم فور اكتمال الترتيبات النهائية.

وقال المدير العام لشركة مطارات السودان سر الختم بابكر، إن نسبة الإنجاز في أعمال التأهيل بلغت 85%، مشيرًا إلى أن عمليات البنية التحتية الجارية تستوفي المتطلبات الدولية وتستهدف تحسين الخدمات المقدمة للمتعاملين مع المطار.

رحلات داخلية

إلى ذلك، قال مصدر بمطار الخرطوم في تصريح لـ(التغيير)، إنه تم تأهيل صالة الحج والعمرة لاستقبال رحلات الطيران المدني.

وأشار إلى أن المطار سيتم تجريبه عبر الرحلات الداخلية من بورتسودان وكسلا، على أن يتم الانفتاح تدريجيًا على الرحلات الخارجية.

وأضاف المصدر: “المطار في مرحلته الأولى سيعمل من الساعة السادسة صباحًا حتى السادسة مساءً، وذلك لمزيد من إجراءات السلامة المتبعة في مثل هذه الظروف”.

وأكد أن المطار أصبح جاهزًا لاستقبال الطيران المدني في أي وقت، بعد اكتمال صيانة المدرجات وصالتَي الوصول والمغادرة الخاصة بالحج والعمرة.

واستدرك قائلاً “إن استئناف عمل المطار هو قرار أمني، وجهات الاختصاص هي من ستحدد موعد بدء استقبال الطيران المدني”.

زمن مشروط

من جهته، قال المدير السابق لسلطة الطيران المدني إبراهيم عدلان لـ(التغيير)، إن الدمار في مطار الخرطوم كبير، وقد طال مبانٍ أساسية مثل صالات الوصول والمغادرة، وتحتاج ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر لإزالة مخلفات الحرب، وستة أشهر أخرى لعودة المباني.

وأضاف: “هذا الزمن مشروط بأن تقوم به شركات ذات خبرة في مجال البناء ونظافة المخلفات”.

وتابع: “أعتقد أنه آن الأوان للخروج عن المألوف القديم والاستفادة من الوقت لإعادة تأهيل كاملة للمطار، من المدرج حتى الصالات والساحات الداخلية، في تصور جديد. فمثلاً، بناء صالة واحدة جديدة مكونة من أربع طوابق، تمتد من منطقة الصالة القديمة للمغادرة باتجاه قطري إلى ناحية الشمال الغربي باتجاه مسجد المطار الخارجي عبر نادي التنس والأرصاد، وضم كل المساحة الشمالية لزيادة السعة الاستيعابية. طول هذه الصالة المقترحة 1000 متر، مبنية من الحديد والزجاج، وهي تحتوي على حوالي 12 بوابة وصول ومغادرة”.

وأردف عدلان: أيضًا زيادة طول المدرج بـ 500 متر جنوبًا، لأن كل الطائرات الحديثة ذات السعة الكبيرة تحتاج إلى ما يعرف بـ TODA (مسافة الإقلاع المطلوبة) عند الإقلاع، كما تحتاج إلى نفس المسافة في حالة الوصول وتسمى LDA (مسافة الهبوط المتاحة). ونظرًا لسخونة الأجواء في الخرطوم، فإن هذا أيضًا يزيد من الزمن. والمعروف أن المطار شبه معطل في معظم ساعات النهار لارتفاع الحرارة”.

فرصة تاريخية

وأشار عدلان إلى أن الجزء الثالث من الخطة هو وضع كل مخازن الوقود تحت الأرض، وذلك لزيادة السعة وتأمين الوقود نفسه.

وأوضح أن الجزء الرابع هو الاستغناء عن الأسفلت في مرابط الطائرات، فمطار الخرطوم يقع فوق بركة من المياه الجوفية، ويحتاج إلى طبقة أسمنتية يُستعاض بها عن الأسفلت، وهذه فرصة تاريخية لتحويل مسارات مستخدمي المطار من مسافرين ومودعين.

ونوه إلى أنه من المعروف أن كل الحركة الأرضية حاليًا تمر من مدخل واحد وتخرج من الآخر، مما يخلق ازدحامًا كبيرًا في المنطقة الخارجية.

ورأى عدلان أن خسائر مطار الخرطوم الآن لا تقل عن سبعمائة ألف دولار وفق تقديره.

وأكد أن المطار وبقية مرافق الدولة تحتاج إلى مبالغ طائلة لعودتها كما كانت، لذا يطرح مبدئيًا نظام BOT (البناء والتشغيل والتحويل) لنفسه. ولكن رغم أن المرفق سيادي ويعتبر بوابة السودان، لذا يجب أن يكون هناك نظام هجين بحيث يشمل نظام البوت بعض المرافق وليس كلها على حد قوله.

وشدد عدلان على ضرورة مراعاة النواحي الأمنية للمطار وتقليل بوابات الدخول والخروج وتسوير المرفق، كما نصت لوائح المنظمة العالمية، خصوصًا ونحن نتوقع عودة للطيران الدولي للمطار في السنوات الخمس التي تلي توقف الحرب.

برنامج محدد

بدوره، أكد مفتش الطيران ومدير إدارة عمليات الطيران المدني السابق حاتم عدوي، ضرورة وضع برنامج صيانة محدد من حيث التكاليف والزمن والكوادر.

وقال لـ(التغيير)، إن هذه المرحلة فرصة لمعالجة مشكلات مزمنة، مثل تصريف مياه الأمطار، وتعطل سيور العفش، والعوائق في محيط المطار.

وأضاف عدوي: هذا الأمر يتطلب تنسيقاً دقيقاً بين الطيران المدني والجهات الحكومية وشركات الطيران الوطنية لضمان نجاح التأهيل.

وتجيئ المساعي الحكومية لتشغيل المطار وتأهيل العاصمة في سياق ترغيب المواطنين الذين فروا من الخرطوم، على العودة والانخراط في إعادة الحياة للعاصمة التي دمرتها الحرب، وبالرغم من إعلان الجيش السيطرة على كامل الولاية في مايو الماضي، إلا أن المواطنين لازالوا يتخوفون من الانفلات الأمني وغياب الخدمات وتفشي الأمراض والظروف المعيشية القاسية.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.