صفاء الزين


صفاء الزين

ما شهدناه في الحرب المستعرة هو انكشاف هيمنة شبكات الحركة الإسلامية ليس فقط على مستوى الخطاب السياسي، وإنما على مستوى التمويل والتحالفات والأدوار داخل مؤسسات الأمن والجيش، وهذا الانكشاف لا يقتصر على فضح أخطاء أو جرائم، وإنما يفضح مشروعًا دمويًا أشعل الحرب عمدًا للعودة إلى السلطة على أشلاء السودانيين، ولم يكن الأمر مجرد تنافس سياسي، وإنما هو مخطط متكامل لإعادة إنتاج حكمهم الكارثي بالقوة، حتى لو احترق الوطن بأسره، وهذا الانكشاف الصارخ تُرجم في النهاية إلى عقوبات وضغوط دبلوماسية ومحاولات لعزل رموزها ومطاردة شبكاتها بعد أكثر من عامين من إشعال الحرب.

الحركة الإسلامية السودانية ليست كيانًا واحدًا فهي شبكة امتدت عبر عقود من مؤسسات تعليمية وأحزاب سياسية وشبكات تمويلية وروابط مع أفرع من الدولة الأمنية منذ عهد الترابي وصولًا إلى حكم البشير، وما جعلها متغلغلة بعمق داخل مؤسسات الحكم والجيش، وهذا التشابك جعل الانكشاف يضرب أكثر من اسم أو حزب، ويصيب منظومة كاملة من الولاءات والموارد، وبينما كان لهذا البنيان مزايا في فترات النفوذ، فإنه أصبح الآن نقطة ضعف قاتلة تتسبب في انهيار شرعية جماعية عندما تلاحق أجزاؤه بتهم دعم العنف والارتباط بتحالفات إقليمية متطرفة ومشبوهة.

ثلاث نتائج مباشرة برزت: أولها؛ أن المجتمع الدولي لم يعد يراها قضية داخلية فحسب، وإنما تهديدًا إقليميًا يترجم إلى عقوبات صارمة وتجفيف لمصادر التمويل. ثانيها؛ أن أجزاء من المؤسسة العسكرية والشبكات المرتبطة بها أصبحت هدفًا للشك والرقابة الدولية؛ مما يعجّل بتصدع التحالفات التقليدية. وثالثها؛ إن الخطاب الدولي والقيود المفروضة على أجنحة الحركة وواجهاتها أغلق تمامًا أبواب المناورة السياسية أمامها، ووضعها في خانة العزلة التامة.

العقوبات ليست رمزية، فهي تهدف لتفكيك شبكات التمويل وضرب البنية الاقتصادية التي اعتمدت عليها الحركة عقودًا، وهذه الخطوة موجعة ومستمرة، وقد تفضي إلى تفكك منظم يضعف قدرات التنظيم على البقاء داخل المؤسسات، أو إلى انهيارات متسارعة داخل جسد الحركة الذي صار محاصرًا من كل الجهات بعد أن فقد غطاء الشرعية وفقد حلفاء الخارج.

الحركة لم تكن مجرد فاعل سياسي، وإنما كانت شبكة متغلغلة في مؤسسات أمنية وميليشيات سابقة ومخلب قط لأجندة خارجية إخوانية في المنطقة، والآن مع الوصم الدولي والضربات الموجهة لبنيتها المالية والأمنية، فإنها تدخل مرحلة شلل وفقدان تأثير لا رجعة فيه؛ ولقد سقط القناع، وانكشف المشروع وصار الإسلام السياسي السوداني مشروعًا مدانًا وملفوظًا محليًا وإقليميًا ودوليًا.

أمام هذه اللحظة يبرز سيناريوهان محتملين، الأول؛ التفكك المنهجي حيث ضغوط دولية منسقة وانقسامات قيادية تؤدي إلى تهميش قادة الحركة وتراجعها كمشروع موحد لتتحول شبكاتها إلى فضلات مصالح محلية أو فصائل هامشية لا تأثير لها. والثاني؛ مغامرة يائسة وانتحار سياسي حيث يدفع الحصار أجنحة متشددة لخيارات انتحارية محاولة لإثبات وجود عبر تصعيد عنيف أو تحالفات إقليمية معزولة. لكن هذا الطريق مسدود سيزيدهم عزلة، ويجلب مزيدًا من القمع الدولي والتتبّع المالي والتحركات الأمنية ضدهم، ولن يعيد لهم أي مشروعية، وإنما سيقبرهم سياسيًا.

بذلك تبدو الحركة الإسلامية أمام نهاية حتمية لمشروعها سواء عبر التفكك البطيء أو الانتحار السريع، وفي الحالتين، فإن عودتها إلى المشهد السياسي باتت مستحيلة.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.