مصور صحفي يكتب عن حادثة الاعتداء عليه في القاهرة من سودانيين داعمين للحرب

من ضحية دعاية إلى ضحية عنف هكذا يُقتل الناس خارج جبهات القتال
قبل أيام قليلة، وبينما كنت جالسًا في إحدى المقاهي بمدينة القاهرة برفقة عدد من الشباب السودانيين، صادفت شابًا أعرفه منذ سنوات، يسكن بالقرب منا في حي ودنوباوي. هذا الشاب، رغم صغر سنه، كان من أولئك الذين انساقوا وراء موجات الغضب والدعاية المُضلّلة التي اجتاحت مجتمعنا منذ اندلاع الحرب. لقد كان ممن يشاركون في تظاهرات تُعطّل الندوات العامة، يُطلقون الغاز المُسيل للدموع، ويهتفون بصوت واحد: “بكم؟ بكم؟ قحاتة باعوا الدم”.
لم يكن بيني وبينه أي خلاف شخصي. كنت أتعامل معه بشكل طبيعي و بكل حسن نية، كما أفعل مع سائر من أعرفهم. لكن بعد اندلاع الحرب، بدا عليه التأثر الشديد بالدعاية التي تصف القوى المدنية، والتي أنا جزء منها، بأنها جناح سياسي لقوات الدعم السريع. ومنذ ذلك الحين، بدأ يرسل لي رسائل مليئة بالشتائم والإهانات عبر “الماسنجر”. لم أُجبه، واكتفيت بحظره.
لكن المفاجأة كانت في القاهرة، حين التقينا مصادفة و عندما رآني، سرعان ما بادر بالاتصال بشباب سودانيين، وأخبرهم كذبًا أنني “من الدعم السريع” وأنني “قتلت شقيقه”. فجأة، وجدت نفسي محاطًا بعدد من الأشخاص انهالوا عليّ بالضرب المبرح، مستخدمين الكراسي والطاولات. سقطت أرضًا، عاجزًا عن التنفس، وقد أُصبت بإصابات جسيمة. نُقلت إلى المستشفى، وتبيّن أن أحد ضلوعي في الجهة اليسرى من الصدر قد تعرّض للرضخ، إضافة إلى جروح عميقة في ساقي، وما زلت حتى الآن أعاني من صعوبة في التنفس.
هذه الحادثة ليست معزولة، بل هي نتيجة مباشرة لخطاب الكراهية الذي يسود المشهد السوداني اليوم.
إن الحرب لم تكتفِ بحصد الأرواح في ميادين القتال، بل تمددت آثارها النفسية والاجتماعية لتطال الشوارع والمقاهي والمنازل. خطاب الكراهية الذي يُروج له دعاة الحرب، حول شبابًا عاديين إلى أدوات عنف، يُصدّقون الشائعات، ويعتدون على الناس لمجرد اختلافهم في الرأي أو الانتماء او الأفكار و الرؤي.
وهنا أُعلنها بوضوح: لستُ منتميًا إلى قوات الدعم السريع، ولا إلى أي طرف من أطراف الحرب.
لن و لم أكن يومًا جزءًا من أي مشروع عسكري أو سياسي يُسهم في قتل أبناء الشعب السوداني أو تشريدهم أو تهجيرهم. إن موقفي السياسي واضح وثابت لن و لم يتغير، وهو رفض الحرب رفضًا قاطعًا، والدعوة إلى وقفها فورًا، والعمل من أجل تحقيق السلام، والعدالة، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تُحترم فيها الكرامة الإنسانية وحرية التعبير.
أنا جزء من القوى المدنية الديمقراطية، وموقفي لا يتزحزح: لا للحرب، نعم للسلام.
اخيراً
أقولها بكل وضوح، لن تُرهبنا الدعاية، ولن يُثنينا العنف، عن مواصلة الطريق نحو وطن يسوده السلام و المحبة و التعايش والعدالة. إن معركتنا ليست مع الأفراد، بل مع الخطاب الذي يُجيّش العقول والقلوب نحو العنف و الكراهية.
فلنوقف هذه الحرب، قبل أن تُفقدنا ما تبقّى من إنسانيتنا.
ابراهيم نقدالله
مصور صحفي حر
١٦ مايو ٢٠٢٥
المصدر: صحيفة التغيير