عبد الرحمن الكلس

مصلح نصار الرشيدي .. ذلك الاسم الغامض الذي لا يحضر في أذهان الناس إلا كظلٍّ يتلوّى في زوايا بورتسودان، حيث يتقاطع الفساد مع السلطة، ويحتفي الانحطاط بنجاحاته الباهرة.

الرجل الذي عيّنه بالأمس كامل إدريس، دمية البرهان، مستشاراً، لا يعرفه أحد من حيث النشأة أو الأصل؛ كأنه سرٌّ دفين، خُبّئ عمدًا عن العلن.

ليس له من سيرة إلا ما تحفظه ذاكرةُ كبار رجال مدينة شندي.

يُقال إن نسبه لا يمت بصلة إلى قبيلة الرشايدة، تلك القبيلة العربية العريقة بشرق السودان، وأنّ اسم عائلته الحقيقي هو “القزايزي” لا “الرشيدي”، وأنّه انتحل نسب الرشايدة زورًا وبهتانًا، بلا جذورٍ، ولا عراقة.

عائلةُ مصلح نصار القزايزي الذي أصبح لاحقًا يُلقب بالرشيدي جاءت من صحراء سيناء بمصر، مطرودة من قبيلتها بعد أن أخلّ جدّه بميزان العدل والفضيلة: سرقةً وفسادًا وفجورًا..

وكان أن صدر صدر بحقّهم حكمٌ عرفيٌ بالتغريب، فطُردت عائلته من هناك قبل أكثر من ستين عامًا، فهاجرت إلى السودان واستقرّت في سهل البطانة، متّخذة من اسم الرشيدي ستارًا يُخفي دناءتها الأصلية.

لكن الأسرة لم تجد موطئ قدمٍ بين أهالي الرشايدة، الذين رفضوا إلصاق النسب بهم، فنبذوهم ولفظوهم، فهربت مجددًا، لتستقر الريح بها هذه المرة في ضواحي شندي، بمنطقة “مويس”، حيث جوبهت بالرفض أيضاً، ولم تُقبل إلا على مضضٍ شديد بعد تدخّل مرشد الطريقة الختمية: محمد عثمان الميرغني.

ومع ذلك، لم يحمل مصلح من تقاليد المجتمع المحلي هناك إلا ظلالها القاتمة. فلا عاداتهم اكتسب، ولا قيمهم تبنّى، بل اندسَّ بينهم بجيناتٍ موروثة مشبعةٍ بالفسق والانحلال، لم تستطع السنون أن تمحوها.

وفي عام 2007، تم القبض عليه متلبّسًا في قضيةٍ (أخلاقيةٍ) شنيعة، وعبر رشاوى وتدخّلاتٍ مشبوهة، أُغلق الملفّ، لكنه منذ ذلك الحين أصبح أداة طيّعة في يد أسياده في جهاز الأمن.

وللرجل ملفٌّ في جهاز الأمن يحمل الرقم (148)، وهو رقمٌ مشؤوم لمن يعرف مدلوله في القانون الجنائي لعام 1991؛ إذ يحكي عن قاعٍ من الفساد لا قاع تحته.

ولمّا كان البرهان، منذ انقلابه، لا يحيط نفسه إلا بالفاسقين والمنحلّين وسواقط المجتمع وتوافهه، فقد كان من الطبيعي أن يجد مصلح مكانه إلى جواره، لا كمستشار، بل كذراعٍ باطشةٍ في نهب الذهب وتهريبه.

بدأ بوصفه لسان البرهان عند لصّ المعادن “أردول” حين كان مديرًا لشركة الذهب، ينهب معه الذهب والفضة باسم البرهان، وبعلمه، وبمعرفته التامّة.

ثم مضى، يمارس كل أشكال السرقة والتجارة القذرة، مكرّسًا حياته للتجسّس لصالح بلده الأم، التي لا يزال يحنّ إلى حضنها، لا حنين الابن إلى أمّه، بل حنين الوضيع إلى سوقته الأولى.

مصلح القزايزي أو “الرشيدي” كما يُصرّ أن يُعرف هو الوجه القبيح لعصابةٍ جثمت على صدر البلاد. وهو رمز لسقوط القيم، وتآكل المعايير، وازدهار الكذب ببطاقات تعريف زائفة.

إنها قصةُ رجلٍ لم يشبع من الفساد، ولم يعرف للضمير طريقًا، ولم يتردّد يومًا في استخدام النفوذ لنهب الوطن وبيع أسراره بثمنٍ بخس.

وهو أيضًا تجلٍّ صارخٌ لكيف تلتقي الغربة، والأصل المبتور، مع الحقد والتفسّخ في ظلّ نظامٍ لا يرى في الظلال عيبًا، بل يجد فيها مأواه الأبدي.

وفي زحمة هذه الظلال، يبقى مصلح الرشيدي شاهدًا على وحل المرحلة، وامتدادًا طبيعيًا لمستنقع الكيزان، ووحل العسكر.

إنه خلاصة الرداءة حين تتجسّد في هيئة رجلٍ، لا يُراهن عليه إلا من ماتت فيه القيم، أو تآكلت في عينيه معاني الوطن.

وحين تنحدر الأمة، لا يصعد أمثال مصلح… بل يطفون.
والطفو، كما القذارة، لا يحتاج إلى جهد أو برهان .. فقط إلى قاع.. والقاع هو (البرهان)، وهو القذارة أيضاً.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.