اخبار السودان

مصر والرؤية الأمنية في حرب السودان السودانية , اخبار السودان

زين العابدين صالح

مصر والرؤية الأمنية في حرب السودان

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن العلاقة السودانية المصرية: علاقة استراتيجية منذ أن نال السودان الاستقلال في الأول من يناير 1956م، ورغم أن العلاقة في مسيرتها التاريخية تأخذ مستويات مختلفة صعودا وهبوطا، ولكن الجانبين ينظران لها من الجوانب الأمنية والاقتصادية ومياه النيل بأنها علاقة لا فكاك منها.. وفي هذا المقال آخذ جانب العلاقة الأمنية، وهي علاقة تخللتها أيضا العديد من المطبات الصعبة..

ولكي يفهم الموقف المصري من الحرب الدائرة في السودان لابد من الرجوع لملف العلاقة الأمنية بين البلدين في مراحل مختلفة.. في عهد الديمقراطية الثانية وبعد حرب 1967م عقد مؤتمر الخرطوم الذي تمت فيه مصالحة مصر مع المملكة العربية السعودية والتفاهم حول وقف الحرب في اليمن.. موقف السودان مع مصر في حرب الاستنزاف في عهد جمال عبد الناصر، وأيضا مشاركة السودان في حرب أكتوبر 1973م، ثم وقوف السودان مع أنور السادات عند ذهابه “تل أبيب” وكلها قضايا مرتبطة بالأمن..

تعرضت العلاقة بين السودان ومصر إلى هزة كبيرة، بعد انعقاد المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي في الخرطوم في 25 إبريل 1991م، وتخوفت مصر من تسرب الجماعات الإسلامية المتطرفة وخاصة العناصر المصرية عبر حدودها الجنوبية مع السودان، وكانت الخرطوم تعتقد أن المؤسسات المصرية “جامعة القاهرة فرع الخرطوم البعثة التعليمية المصرية المركز التجاري المصري نادي ناصر بعثة الري المصري” هي مراكز مراقبة وجمع معلومات تديرها المخابرات المصرية، لذلك أسرعت بمصادرتها وإغلاق بعضها.. وكذلك مصر حاصرت حركة المجموعة الأمنية التي كان في سفارة السودان في مصر.. ثم جاءت محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا والتي كان وراءها كما ذكر الدكتور الترابي شخصياً في حوار أحمد منصور معه في قناة الجزيرة، علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع الذي كان يشغل رئيس جهاز الأمن والمخابرات في ذلك الوقت.. وأذكر أن لجنة التنسيق العليا “للتجمع الوطني الديمقراطي” كانت طالبة من مصر السماح لها بعمل إذاعي على موجة قصيرة.. ثم صفحة في إحدى الجرائد المصرية الحكومية “الإهرام الجمهورية أخبار اليوم” واعتقدت المعارضة لقد جاء الوقت الذي سوف توافق السلطات المصرية على الطلب.. ولكن رفضت مصر..

سألت محمد الحسن عبد الله يسن الذي كان يشغل رئيس اللجنة التنسيقية العليا للتجمع عن سبب رفض المصريين.. ٌقال إنهم قالوا له إن مصر إذا وافقت على “الإذاعة وصفحة في جريدة حكومية” هذه بمثابة إعلان حرب ولا نريد أن تتطور العلاقة إلى ذلك.. وعندما حضر سيد احمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي للقاهرة أنزل في فندق “المريدين” شارع صلاح سالم مدينة نصر. وبعد اسبوع من حضوره اتصل بي سيد احمد في السابعة صباحا وقال لي أنا نقلت من فندق مريدين إلى هيلتون رمسيس وسط البلد بالقرب من ماسبيرو وأريدك أن تحضر إلي في التاسعة صباحا دون أن تخطر أي شخص بمكاني، ذهبت إليه في الموعد المضروب وجدت معه اللواء أحمد رجب المسؤول عن الملف السوداني في المخابرات، وكان الحديث يدور حول قضية التصعيد بين القاهرة والخرطوم.. كانت رؤية أحمد رجب التي كررها عدة مرات، أن السودان يمثل لمصر أهم ركيزة في إستراتيجية أمنها، نحن لا نريد أن نتدخل في الصراع السياسي الدائر في السودان هذه مسألة تهم الأخوة والأحزاب في السودان، لكن في الجانب الأمني ويتعلق بوحدة السودان؛ من باب النصيحة أنني بسمع بعض القيادات تدعوا إلى الكفاح المسلح لإسقاط النظام، وإذا وافقتوا على ذلك، سوف تشكل خطرا كبيرا على مستقبل السودان.. وسمعت نفس الحديث بعد سنة من اللواء عمر قناوي وكيل وزارة المخابرات المصرية واللواء محمود عبد الخالق مسؤول الملف السوداني في المخابرات في بيت محمد الحسن عبد الله يسن ومجموعة من القيادات الاتحادية..

في بداية 1997م اتذكر جاءت القاهرة في طريقها للخرطوم مساعدة لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت للشؤون الأفريقية في عهد الرئيس بيل كلينتون، قالت في تصريح لها إن زيارة الخرطوم يجب أن تمر بالقاهرة. وقالت إن المصريين يحبذوا أن تؤخذ أي معلومات عن السودان من بنك المعلومات في القاهرة.. هذا القول كان يغضب قيادات المؤتمر الوطني.. وأتذكر في أول زيارة إلى الخرطوم 2007م بعد 18عاما غياب عنها. أصر علي الصديق الراحل الدكتور تاج الدين السنوسي أن أزوره في مركزه ” آفاق” في حي أركويت، وهو مركز يهتم بالقضايا والعلاقات السياسية الدولية، وتعرضنا في النقاش كيف استطاع السودانيون أن تكون لهم علاقة مباشرة مع واشنطن دون المرور على القاهرة.. ودخل علينا شخص عرفني به الدكتور تاج الدين أنه اللواء معاش حسب الله عمر كان يشغل مسؤول الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات، وقال كان مكتبه في باريس.. قال حسب الله إنهم استطاعوا أن يفتحوا خطا ساخنا مباشرة مع واشنطن دون المرور على أي عاصمة..

إن التقاء وفد الحكومة السودانية مع المبعوث الأمريكي في القاهرة، هذه مربوطة بزيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين للقاهرة في المساعي التي يقوم بها مع مصر لوقف إطلاق نار في غزة.. وفي نفس الوقت يلتقي بالمبعوث بيرييلو، وربما يلتقي بالوفد السوداني للإجابة على أي تساؤلات يمكن أن تطرح.. القضية الأخرى أن الأمريكيين يعتبرون مصر تلعب دورا مهما في عملية التوافق بين الأطراف.. رغم أن مصر لها موقف معلن على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الإسلامي أن تكون المنطقة خالية من الميليشيات.. القضية الأخرى أن مصر بحكم إستراتيجيتها الأمنية لا توافق أي تدخل خارجي في السودان، وتعتبر الجيش يمثل العمود الفقري للسودان والذي يحفظ وحدة البلاد ويجب الوقوف إلى جانبه.. لكنها في ذات الوقت لا تتدخل في خيارات الشعب السوداني في النظام الذي يريده تطبيقه… نسأل الله حسن البصيرة…

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *