أكرم إبراهيم البكري

بينما يغرق السودان للعام الثالث على التوالي في حرب أهلية مدمرة، تبرز مصر كأكبر المستفيدين من استمرار النزاع، وسط اتهامات متزايدة بدورها في دعم الانقلاب العسكري الذي مهد لانفجار الأوضاع بالبلاد.هل كانت القاهرة طرف غير مباشر في إشعال الفتيل؟وماذا جنت من استمرار النار؟دعم مكشوف للبرهان وتواطؤ في انقلاب 25 أكتوبرفي صباح 25 أكتوبر 2021، أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان حل الحكومة الانتقالية واعتقال رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والقادة المدنيين ما لم ينسه السودانيون، هو أن البرهان كان في زيارة إلى القاهرة قبل ساعات من الانقلاب، حيث التقى بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وعاد ليقرأ بيان الانقلاب من الخرطومامتنعت القاهرة حينها عن إدانة ما حدث.واصلت القاهرة دعم البرهان الى كانت الدولة الوحيدة التي لم توقع على بيان الآلية الرباعية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات) الداعي إلى العودة للمسار الديمقراطي. واكتفت مصر بلغة دبلوماسية مبهمة تتحدث عن استقرار السودان، وهو تعبير أثار حفيظة الشارع السوداني، الذي رأى في الموقف المصري غطاء سياسي لانقلاب عسكري أطاح بأحلام دولة مدنيةمصالح مائية واقتصادية على حساب السودانمصر التي تعاني من أزمة سد النهضة الإثيوبي، وجدت في دعم الحكم العسكري في السودان وسيلة لتعزيز موقفها التفاوضي في ملف النيل. فوجود حليف عسكري في الخرطوم يضمن لمصر استمرار العمل باتفاقية مياه النيل لعام 1959، التي تمنحها نصيب الأسد من المياه، وتحرم السودان من تطوير استغلال موارده النهريةواستمر الوضع الان بشكل اكثر غباً من عسكر السودان باستمرار الحرب وبحسب حديث احد خبرائها في السدود فان مصر الى الان لم تتأثر بسد النهضة فحصة السودان من مياه النيل وبسبب الحرب تتجه الى مصر كاملة الفوضى في السودان أسهمت بشكل مباشر في نيل مصر لمياه اكبر من حصتها قبل بناء سد النهضةومع توقف ميناء بورتسودان عن العمل بفعل الحرب، تحوّلت بعض خطوط الاستيراد والتصدير إلى الموانئ المصرية. كما ارتفعت التحويلات المالية من ملايين السودانيين المقيمين بمصر، في وقت تنهار فيه البنية التحتية للاقتصاد السودانيوفي تقرير مشترك للبنك الدولي ومنظمة الأغذية العالمية (2024)، تم تقدير الخسائر المباشرة للحرب في السودان بما يزيد عن 45 مليار دولار، بينما تستفيد دول الجوار وعلى رأسها مصر من تحويلات، تجارة، وموارد غير مشروعة تمر عبر الحدود خلاف الدعم الذي تحصل عليه بتسجيل السودانيين في مفوضية اللاجئينالقاهرة تُجهض جهود الحل السياسيلم يتوقف الدور المصري عند حد الدعم الضمني للانقلاب، بل امتد إلى تعطيل أي محاولات لحل إقليمي، في مناسبات متعددة، أُفشلت بيانات أو مبادرات تسوية بسبب اعتراض مصري، خصوصاً خلال اجتماعات الآلية الرباعية الموسعة والاتحاد الأفريقيوفي أبريل 2025، التقى البرهان بالسيسي في القاهرة، في توقيت حساس كانت فيه الوساطات الدولية تقترب من اتفاق جزئي، خرج البرهان من اللقاء برسائل سياسية قوية، ليعود ويصعّد موقفه التفاوضي، ما أدى إلى نسف أي تقدم ملموس في الملف السياسي ونفس الصورة الدرامية كانت وكأنها سيناريو معد سلفا لإجهاض اجتماع الرباعية المفترض يكون في 29 يوليو 2025من المسؤول عن إطالة أمد الحرب؟وفق تقديرات الأمم المتحدة، تسببت الحرب في نزوح أكثر من 13 مليون سوداني، وسقوط ما لا يقل عن 150 ألف قتيل، مع دمار واسع في البنية التحتية الصحية والتعليمية والخدمية ،ولكن وسط هذا المشهد، تبرز القاهرة كطرف لم يدفع ثمنا سياسياً أو أخلاقيَا. بل تحوّلت إلى فاعل إقليمي يراهن على استمرار وجود حليف عسكري في الخرطوم، ضاربة عرض الحائط بإرادة الشعب السوداني وتطلعاته لدولة مدنيةالحرب ليست مجرد اشتباك مسلّح بين جنرالين، بل هي ساحة تصفية حسابات إقليمية. وما لم تُسمَّ الأمور بمسمياتها، فإن مصير السودان سيظل مرهونًا بمصالح خارجية لا ترى في دماء أبنائه سوى ثمناً معقولا لصفقات جيوسياسيةمصر اليوم مطالبة بأن تراجع دورها، وأن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية تجاه ما تفعله في السودان فالتاريخ لا ينسى، والشعوب لا تغفر بسهولة.
ولنا عودة

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.