مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!
خالد فضل

بعملية حسابية بسيطة، يمكن للمرء أن يمر على 100 كلمة مقروءة أو مسموعة يوميًا، أي 3000 كلمة شهريًا، 36000 سنويًا. لا تكاد تخلو واحدة منها من ألفاظ: “مصلحة”، “الشعب”، “السوداني”. يطرحها الكاتبون والمتحدثون، الخبراء والمحللون، السياسيون والعسكريون. تتداولها الأوساط العلمية، والورش، والندوات، واللقاءات الجماهيرية، والمؤتمرات، والتحالفات السياسية، والمدنية، والمهنية، مثلما تدور في أروقة الحافلات في المواصلات الداخلية، ومناسبات الأفراح والمآتم، وتحت ظلال الأشجار للمرافقين والزائرين للمرضى في المشافي، وسط الحقول، وجوّة في عمق المناجم: الرعاة والمزارعين، برًا وبحرًا وجوًا. منتديات المغتربين، واللاجئين، والنازحين، والمشردين، بين همسات المهاجرين على متن قوارب الموت عبر أمواج البحر الأبيض المتوسط، أو الفارين من فجائع معسكرات وغابات أولالا الإثيوبية وكرندياقو الأوغندية. عند تحالف “صمود وتأسيس” و”قمم” و”الكتلة الديمقراطية”، بل عند المصباح طلحة، والبراؤون، والناجي مصطفى، حتى البرهان، ود. نوارة، وياسر العطا، وكيكل، وكرتي. ويمتد المصطلح ليشمل دول الجوار والجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، والإيغاد، والأمم المتحدة، ومئات المنظمات، والهيئات، والبعثات.

تعبت المصطلحات واستهلكت قدرتها على النفاذ، ونعود لنسأل ببساطة عن كنهها وسط هذه اللجب الصاخبة: ما معنى مصلحة وجمعها مصالح؟ ما المقصود بالشعب ومن هو السوداني؟ أنا في حيرة من أمري منذ 1/1/1956م وحتى نهار هذا اليوم بعد سبعين سنة. كان نصيبي منها نحو 60، ولم أصل بعد إلى بر اليقين.

ما هي مصلحة أو مصالح؟ شخبيط لخبيط؟ حياة؟ أمن؟ طمأنينة؟ غذاء؟ دواء؟ ماء وكهرباء؟ تعليم؟ طرق وجسور؟ مزارع ومصانع ومعامل وحقول؟ انتخاب وترشح وترشيح وتنصيب؟ توظيف؟ تعبير، رقص وغناء وشعر ومسدار؟ زغاريد؟ صلاة وقيام، صوم وإفطار؟ سبر وكجور؟ وازا ومردوم؟ بطان وهسيس؟ راب وربابة ووتر وطمبور ودوباي؟ تلفزيون وإذاعة وصحيفة ومنشور؟ بيان وموكب؟ ترس وصبّة؟ رفض وقبول؟ و… و… و… إلى آخر الواوات.

ما الشعب؟ نساء ورجال؟ أطفال وكبار؟ ومجتمع الميم؟ أصحاء ومرضى؟ عقلاء ومختلين؟ معاقين؟ سود وبيضان وخاتفي لونين؟ فطس الأنوف ومستقيميها؟ زرق العيون وخضرها؟ غلاظ الشفاه ورقيقيها؟ جعد الشعر وناعميه؟… إلخ الصفات.

من السوداني؟ أدروب وبجا حديد؟ أمرأر وبشاريين؟ حباب وحلنقة وبني عامر؟ عبابدة ورشايدة؟ ضباينة وشكرية وحلقاويين؟ كواهلة ودناقلة ولحويين؟ رفاعة وعقليين؟ هوسا وفلاتة وأنقرياب؟ جعليين ومساليت وصبحة وشوايقة؟ محس وكنوز؟ شنابلة ونفيدية وجوامعة وحمر؟ مسيرية وميرفاب ورباطباب ومناصير؟ رزيقات وفور وحلاوين ومسلمية وجموعية وفاضلاب؟ همج وأدوك نيما وحوازمة وهيبان؟ مساليت وزغاوة ودباسيين؟ ماهرية وسلامات؟ فونج، برقد، برقو، وسكوت؟ حلب وعرب؟ وبين بين؟… إلخ الألف عرق وعشيرة وقبيلة أو تزيد. من هو السوداني/ة؟

هلا تناولت مخطوطاتنا ومسموعاتنا ومرئياتنا ومقررات مدارسنا ومناهج إعلامنا شرح هذه المصطلحات، عسانا نتبين المقصود. فالمصطلحات، على كثرة الدوران ورتابته، لم تبن بعد المحمول الفعلي للكلمات.

إذ ما يزال شأن الإدارة العامة ينحو منحى التبعيض. ما زالت المصلحة تخص ذوي القربى. ما يزال الشعب في الممارسة بعض جزء من كل عديد. ما يزال السوداني نهبًا للتوصيف بالغربة، وقادم مأجور من خلف الحدود. منزوع الهوية والوثيقة الثبوتية بسبب الرأي. ما يزال الناس يتحاربون ويموتون في الصراع بالرصاص والكيماوي والمتفجرات والدانات. ما يزال النعي يحمل صفة الشهيد للقاتل والمقتول، ومعكوسها الهالك لكلا الميتين. ما تزال الدعوات بالرحمة والغفران والاحتساب وتمني الجنان وبنات الحور ذيل كل منشور، مثلما تُمهر المنشورات في جهة أخرى بالشماتة وشكر الله على التخلص من ذات القتيل. لا اعتبار لوجود فيصل متحكم عادل؛ رب العالمين، وهو فقط المختص بشؤون المعاد… ويزعمون صحيح الاعتقاد، بل يقتلون الناس تحت رايات الجهاد تقربًا لله الغفور الرحيم…

فك طلاسم المصطلحات أولى درجات التعافي. قالها من يومين بول كيجامي في إذاعة رواندا: “تقدمنا ونهضنا وازدهر الحاضر. نتوق للمستقبل لأننا الروانديين، خاصة الشباب والنساء (تسامحنا مع الماضي)، فحظينا بالأولية على بلدان قارتنا الإفريقية. إذ ليس في بلادنا الفاتيكان أو الكعبة أو البيت الأبيض أو تاج محل، أو لأن رئيس رواندا بول كيجامي، بل لأن شعبًا وعى مصالحه، عرّف نفسه وعرِفها، هو صاحب الفضل في التغيير. فحتى متى نظل نرمح في غيبوبة كبرى وأوهام بلا عتاد!!”

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.