مستقبل العملية السياسية ما بعد الإطاري «9»
مجدي عبد القيوم (كنب)
هل هناك تطورات في موقف المجتمع الدولي
على “فولكر” الإلتزام بحدود تفويض البعثة
موقف جديد للمكون العسكري
العودة لمنصة التأسيس
حكومة تصريف الأعمال هي الحل
مقترح مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم يشكل اساسا جيدا لتشكيل الحكومة
في البدء يجدر بنا الإشارة إلى أننا لسنا ضد الحوار السياسي لحل الأزمة الوطنية الشاملة باعتبار أنه الأقل كلفة من جميع النواحي ولكن الحوار فى نظرنا هو الذى يشارك فيه جميع الفرقاء بلا استثناء دون ميزة تفضيلية لجهة ما انطلاقا من قناعتنا أن الانتقال يتطلب كشرط موضوعى لنجاحه مشاركة كل السودانيين الذين يؤمنون بالدولة المدنية فى جهود إعادة التأسيس.
فى الاخبار أن أمريكا استدعت سفيرها فى الخرطوم وكذلك بريطانيا وما من شك حسب تقديرنا أن ذلك يأتى فى إطار إعادة تقييم مسار العملية السياسية الذى بدأ أنها وصلت إلى مرحلة انسداد
كذلك الاتصالات الهاتفية التى اجرتها مساعدة وزير الخارجية الامريكي السيدة مولي في مع مختلف الفاعلين فى المشهد.
لا نعتقد أن هذه الاتصالات اقتصرت على نزع فتيل الازمة التى نشبت بعيد الجلسة الختامية لورشة اصلاح الأجهزة الأمنية والنظامية فلسنا ممن يرون أن أمريكا بعيدة عن سيناريو الفصائل العسكرية الموازية للجيوش الوطنية بل تزعم أنها وراء الظاهرة التى انتظمت معظم الدول العربية التى تعانى من الاضطرابات ومن قبل فى افريقيا لذلك فى التقدير أن الاتصالات تناولت مجمل الراهن السودانى وما وصلت إليه العملية السياسية ونقرأ ذلك مع استدعاء السفير الأمريكى كما أشرنا آنفا.
يبدو أن المجتمع الدولى قد بدأ فى إنفاذ ترتيبات المرحلة الجديدة من المشروع الدولى فى السودان ولا نعتقد أن حتى هذه هى الأخيرة انما هى قبل الأخيرة على احسن التقديرات.
حالة الانسداد التى وصلت اليها الأزمة السودانية شكلت نهاية مرحلة وايذانا بانطلاق مرحلة جديدة.
يمكن إلقول بإيجاز غير مخل بأن حالة انسداد
المشهد السياسي تمظهرت أهم تجلياتها فى الآتي:
(١) النزاع حول المواقيت الزمنية لعملية الدمج والتسريح بين الجيش والدعم السريع
(٢) التصلب فى موقفى المركزى والكتلة الوطنية
(٣) الرفض الواسع لبقية القوى للاطارى شكلا ومحتوى
(٤) الرفض المبدئي للعملية السياسية من قوى الحل الجذرى
(٥) إشكالية التأسيس أو المشروعية الدستورية.
يبدو أن هذه الاسباب جعلت المجتمع الدولى يعيد ترتيب أوراق اللعبة من جديد بعد أن توصل لقناعة أن هذه المساومة بين العسكر والتيار السلطوى و التى يسميها العملية السياسية لن تحقق اهدافها فى ظل هذا الرفض الواسع لمخرجاتها والاشكالية الدستورية
وفى السياق هناك تسريبات عن عدم الرضاء عن دور السفير السعودى فى المشهد وما وصل إليه من انسداد.
تناقلت الاخبار المقترح الذى تقدمت به الثلاثية لفض الاشتباك بين المركزى والكتلة الديمقراطية ومؤداه أن تمنح الكتلة نسبة ٤٧% مقابل ٥٣% للمركزى وعلى الرغم من أن منسوبى المركزى نفوا علمهم بهكذا طرح إلا أن منسوبى الكتلة اكدوه بشكل قاطع ومع أن المجموعات لا تتمتعان باى قدر من الثقة بين المركزى الكتلة بحسب التجربة إلا اننا نرجح صحة ذلك.
السؤال هل هذه البلاد التى نكبت بمثل هذه القيادات التى تتقاتل على كيكة السلطة على أشلاء جثث الشهداء واستمرأت سرقة أحلام الشباب حكرا على الكتلتين؟ ومن أين للثلاثية حق تقسيم سلطة يملكها الشعب ابتداء وهو من يحدد عبر الآليات المعلومة من يتولاها؟.
لا أحد يمكن أن ينكر الحق الطبيعى لأى من المجموعتين كمواطنيين ولكنهم قطعا لا يمثلون كل الشعب السودانى وربما كان القطاع الأوسع من الشعب يراهم كشهاب الدين واخاه.
من ناحية أخرى من أين أتى السيد فولكر بيرتس، بهذه السلطات التى تمنحه حق تقسيم السلطة كما يرى هو واعضاء بعثته؟
يجب أن يلتزم السيد فولكر حدوده فى إطار التفويض الممنوح لبعثه.
لقد دأب السيد فولكر على تكرار التأكيد بأنهم لا يديرون العملية السياسية وانهم مجرد مسهلين مع أن واقع الحال يقول بغير ذلك من الناحية العملية فإذا كان هو وثلاثيته محض وسطاء بين الفرقاء من المدنيين والعسكريين فما الجهة التى تتولى إدارة ما أطلقوا عليه تسمية العملية السياسية؟
لقد ظل الكثيرون يبحثون عن “فضولى” هذا ولم يتم العثور عليه حتى الآن، وتشير اصابع الاتهام الى الرباعية وهى هيئة لا مرجعية لها ولا موقع لها من الاعراب الا ليس من باب رعاية المصالح فحسب انما من شباك نهب موارد هذه البلاد التى رزأت بساسة يعرضونها فى سوق بيع الضمائر.
ينبغى الا تسمح القوى الوطنية بمثل هذا العبث ومن قبل الجيش على ما صابه من علل اورثها له النظام المباد، ففى كل الاحوال تظل القوات المسلحة السودانية هى المؤسسة الرسمية المناط حماية البلاد وحدودها وثرواتها ومواردها.
يبدو أن المكون العسكرى بشقيه قد بدأ يتجه نحو التعاطى العقلانى مع الأزمة بعد أن توصل لقناعة أن التيار السلطوى هنا وهناك لا يعنيه الا العودة لدست الحكم وان ادعى بغير ذلك.
موقف المكون العسكرى الجديد ليس بعيدا عن التطورات فى موقف المجتمع الدولى والملاحظ من خلال كلمتى الفريق البرهان والفريق حميدتى التطابق فى الموقف من العملية السياسية من حيث التأكيد على ضرورة توسيع قاعدة الاتفاق النهائى وهو ما يشىء بترميم جسور العلاقة بين الجيش والدعم السريع بعد ذوبان حاجز الجليد.
الملاحظة الجديرة بالانتباه هو ما ورد فى كلمة الناطق باسم العملية السياسية الذى بدأ متماهيا مع موقف المكون العسكرى بشقيه وهو موقف يحسب له ويكفر عن كثير من الاثام التى ارتكبها المركزى وأضرت بالعملية السياسية أو بالأدق لوبى المركزى الذى يختطف القرار السياسي ويمثل تنظيم الناطق الرسمى أحد اذرعه.
يبدو أن أثر قرصة مولي فى على اذان الجميع أثناء اتصالها الاخير بدأ واضحا.
من خطب التفكير أن يعتقد قادة المركزى أن السياسة الخارجية لامريكا تعبا كثيرا بالأنظمة المدنية الهشة أو أنها فعلا (بلحيل) على الانظمة الديمقراطية ان تقاطعت سياساتها مع مصالحها سيما فى ظل صراع دولة شرس على الموارد.
الآن المشهد يتجه عمليا نحو العودة إلى منصة تأسيس تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير بكافة فصائله بما بشكل قاعدة واسعة وعريضة تمثل كتلة الانتقال التى تكرر الحديث عنها مرارا وتكرارا.
أننا لن نمل الحديث عن أن البلاد لن تعبر من هذا النفق ولن تتعافى من جراحاتها إلا عبر تشكيل اوسع كتلة وجبهة مدنية للانتقال تعيد البلاد إلى منصة التاسيس وتطرح برنامجا وطنيا لمعالجة كافة الاشكالات التى لازمت الدولة السودانية منذ النشأة.
فى ظل تعقيدات المشهد الحالى الاقرب للواقع حكومة تصريف اعمال من رجال دولة بالمعنى الحرفى للكلمة اكفاء ومستقلين بعيدين عن انتماء حزبى تكمل المهام الأساسية للانتقال بعيدا عن الأحلام الأوهام.
حكومة يدرك افرادها أن الحكم مسؤلية وطنية عسيرة فى ظرف دقيق من تاريخ البلاد. وان الوزارة ليس مكانا لتوظيف الأصدقاء من عديمى المواهب،
فى التقدير أن المقترح الذى تقدمن به مبادرة اساتذة جامعة الخرطوم يصلح كاساس لتشكيل الحكومة لاشتماله على تفاصيل كثيرة تم اغفالها فى التجربتين السابقتين لحكومتى الدكتور حمدوك أو بالأحرى حكومتى تحالف قوى الحرية والتغيير.
مستقبل العملية السياسية ما بعد الإطارى «8»
المصدر: صحيفة التغيير