مستقبل العملية السياسية ما بعد الإطارى «2»
مجدي عبد القيوم (كنب)
تطورات الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها
التغيير الكبير في المشهد داخليا
العملية السياسية لا تقتصر على الإتفاق الإطارى
البلاد بحاجة إلى قيادة سياسية جديدة
تغير الشكل التقليدي للحكومات
في مقالنا السابق قلنا أن بيان الثلاثية بتاريخ ٣٠ يناير ٢٠٢٣ فتح الطريق لمرحلة جديدة من العملية السياسية التي مهد لها الإتفاق الإطارى كإعلان مبادىء بالنظر إلى البيان الذي أشار بوضوح إلى أن المرحلة ينبغي أن يشارك فيها الجميع سواء كانوا موقعين على الإطارى أو غير موقعين، بل وأشار إلى ضرورة إدارة حوار لرافضي العملية السياسية من حيث المبدأ من قوى الثورة.
كذلك أشرنا إلى أن هذا يؤسس للحوار السوداني السوداني الذي لا يقصي أي طرف والذي يفضي لإتفاق سياسي باوسع قاعدة ممكنة ليخلص إلى تشكيل حكومة كفاءات مستقلة.
الشاهد أن بيان الثلاثية استقرأ التطورات في المشهد الدولي التي افرزتها الحرب الروسية الأوكرانية والتي أعادت صياغة المواقف السياسية على إثر الاصطفاف الناشىء عن صراع الاحلاف كأحد أهم افرازات هذه الحرب.
معلوم للكافة أن ثمة تعديل في موازين القوى اقليميا تبعا للمواقف من الحرب الروسية الأوكرانية المرشحة لاتساع دائرة تداعياتها السياسية، ومن المؤكد أن الإقليم أو الشرق الأوسط عربيا وكذلك افريقيا ليست بمنأى عن هذه التأثيرات وحيث أن المشهد السياسي في السودان تتداخل فيه كل تلك العوامل فإنه قطعا معنق في سياق تطوراته بتلك التداعيات وبالتالي هناك تغيرا كبيرا في ميزان القوة سواء ما بين المدنيين بمختلف توجهاتهم أو العسكريين كذلك، هذه التطورات في المشهد الدولي لها انعكاساتها اقليميا وبالتالي داخليا.
زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف التي تزامنت مع وفود الإتحاد الأوروبي ودول الترويكا تقف دليلا على ما ذهبنا إليه. وفى التقدير أن موازين القوى داخليا اختلفت تماما الآن سيما أن سداد استحقاقات وكلفة المواقف السياسية في المسرح العالمي لبعض الفاعلين في المشهد السوداني داخليا واقليميا ستكون عالية جدا بحيث يمتد تأثيرها حتى على حلفائهم وبالتالي خلط الأوراق من جديد.
بعيدا عن جدل الإطارى والتجاذب حوله بين اطرافه وما يثار حوله من شكوك بشأن قدرته على تحقيق أهدافه المعلن عنها وما هو مخفي، فإنه لا يعدو إعلان مبادىء تمت صياغته وفقا لواقع ماثل تبعا لموازين قوة انذاك تغيرت كليا الآن فلم تعد أطراف من الرباعية بذات الزخم والتأثير تبعا لما أشرنا إليه انفا وبالتالي انعكس هذا سلبا على بعض الفاعلين الداخليين وايجابا على البعض وقطعا اثر هذا في تعديل موازين القوة وبالتالي لم يعد الإطارى كإعلان مبادىء بذات التأثير هذا أن لم تكن الأحداث قد تجاوزته تماما.
الآن المشهد السوداني طالته متغيرات كبيرة وهي بلا شك بحاجة إلى اعادة قراءة
ما يعنينا أن تركز القوى المدنية على الوصول بالبلاد إلى محطة أو منصة إنطلاق انتقال أمن غير مكلف من كل النواحي والآفاق، الإطارى ليس قاموسا للعمل السياسي ولا هو كتابا مقدسا انما هو محاولة ورؤية لحل الأزمة الوطنية التي عصفت بالبلاد ولا نرى أن من الحكمة أن تصر بعض الأطراف هنا وهناك أى المؤيدين أو المعارضين على الوقوف عند محطة الإطارى بل يجب الخروج من هذا المنعطف لإخراج البلاد من عنق الزجاجة الذي دخلت فيه.
في التقدير أن القوى المدنية قادرة على تجاوز هذا الموقف من التضاد والتجاذب أن بعدت عن منهج الاقصاء ووطنت نفسها على قبول الآخر وهي الفريضة والفضيلة الغائبة في السلوك السياسي لدى جل أن لم يكن كل السياسيين فمن يمارس منهج الإقصاء لا صلة له بالديمقراطية ايا كانت ادعاءاته ولن تشفع له تبريراته أن لم تلتزم المبدئية وتبعد عن الانتقائية واغراق الساحة بمصطلحات كذوبة على شاكلة الاغراق والفلول لتمرير مخططاته.
من نوافل القول أن نقدنا للمركزي لا يعني بأي حال تأييدنا المطلق لمناوئيه وهذا هو المنطق السليم المعلوم بالضرورة ولن يسعف المركزي أو يقوي من موقفه ادعاءات بعض قادته، إن نقده يعني بالضرورة دعما لموقف معارضيه فبحسب علمنا الذي لا يتطرق إليه شك ان مواقف المركزي ليست هى “استاندر” الحقيقة المطلقة ولا أن قادته أكثر ايمانا بالديمقراطية من غيرهم ولا نجد فرقا جوهريا بين من ينقلب على السلطة بالبندقية ومن ينقلب على سلطة الثورة بادعاء ريادتها واقصاء الآخرين.
في التقدير أن المشهد بحاجة إلى تغيير في نمط التفكير واحداث قطيعة مفاهيمية مع الماضي تضع البلاد على منصة إعادة التأسيس،
وفي التقدير أن المشهد بحاجة إلى رجال دولة حقيقيين وحكماء عركتهم التجربة وبحاجة إلى أحزاب حقيقية تنطلق من مواقف وطنية بعيدا عن المكاسب الحزبية.
إن البلاد الآن بحاجة إلى قيادة سياسية جديدة تتشكل من أوسع طيف من القوى السياسية والشبابية وقوى المجتمع المدني تضع نصب اعينها أهداف ثورة ديسمبر المجيدة بعيدا عن المزايدات
أن لم يحدث هذا فليبشر مربع بطول سلامة سيما فى ظل ما أشرنا إليه من تطورات في المشهد العالمي وما تنتهجه القوى الدولية من سياسات في التعاطي مع قضايا النزاعات الداخلية في البلدان وفقا للمنهج البرغماتي ولعل أي متابع السياسة الأمريكية منذ سبعينات القرن الماضي لم يكن بحاجة لتصريح كاميرون هدسون بشأن السياسة الامريكية فى السودان والذي وضع النقاط على الحروف خاصة أن امريكا اليوم قد ألقت بكل ثقلها فى ملف الحرب الروسية الأوكرانية وأصبح المحرك الاساسي لسياستها الخارجية لذلك اتسع النطاق السياسي لهذه الحرب بالنسبة لها وشمل دولا كثيرة على مستوى العالم بما فى ذلك بلادنا.
هذا من جانب وعلى جانب آخر يبدو واضحا أن الشكل التقليدى للحكومات في ظل الصراع العالمي على الموارد قد تغير كثيرا بالنظر إلى أن هذا الصراع تتصدره شركات عابرة قارات عبر وكلاء محليين في الدول الغنية بالموارد وهذا يستلزم أنظمة مستقرة تسيطر على أدوات السلطة أو القوة بمختلف اشكالها الصلبة والناعمة تحافظ على مصالح استراتيجية لاطراف دولية
وهذا لا يعني أننا ندعو للركون لهكذا واقع بائس أو التماهي معه بقدر ما هي دعوة للانتباهة في ظل عالم يمور بالمتغيرات المتسارعة وحتى لا ينطبق علينا القول “لمن تقرع الاجراس” ولا “مانع من اصطحاب الذئب على أن تكون الفأس بيدك” على قول الروس.
مستقبل العملية السياسية ما بعد الإطاري «1»
المصدر: صحيفة التغيير