مرور عام على إندلاع الحرب في السودان
د. عمر بادي
اليوم 15 أبريل 2024م يمثل ذكرى مرور عام علي إندلاع الحرب اللعينة والعبثية التي مثلت منعطفاً تاريخياً للمواطنين السودانيين وجعلتهم يعانون الأمرّين ويعيشون ضنك الحياة وضيقها الذي إستحكم عليهم وأفقدهم كل شيئ ، بما فيها حياتهم الغالية. لقد حضرت إندلاع الحرب وتمددها وأنا في الخرطوم وكنت شاهداً عليها ، وكغيري ممن يتواجدون مع أسرهم غادرنا الخرطوم تجنباً لإنتهاكات الجناة ولقصف البيوت بالدانات مع إنقطاع الكهرباء والماء.
بعد مرور أسبوعين على إطلاق الرصاصة الأولى للحرب وفي الأول من مايو 2023م كتبت مقالة عن الحرب ومعاناة المواطنين في النزوح إلى داخل السودان وخارجه ، وتطرقت فيها لكيفية بداية الحرب فكتبت في تلك المقالة الآتي :
(كثر المحللون والإعلاميون في ذكر ما يدور ، البعض يقول بنشاط تحركات الكيزان وفلول المؤتمر الوطني في الأيام الأخيرة من رمضان وأنهم أشعلوا فتيل الحرب بالهجوم علي معسكر الدعم السريع قرب المدينة الرياضية في جنوب الخرطوم ، والبعض الآخر يقول بإستعداد الدعم السريع لساعة الصفر في صبيحة يوم 15 أبريل وهجومه علي بيت البرهان في القيادة العامة وعلي مطار الخرطوم والقصر الجمهوري والإذاعة والتليفزيون، وبذلك دارت الآلة التدميرية في الخرطوم. لقد تأثر المواطنون كثيراً من الحرب الدائرة فانقطعت الكهرباء في بعض المناطق وإنقطعت المياه كلياً وأغلقت البنوك و المحال التجارية وتوقفت محطات الوقود من الخدمة وإرتفعت الأسعار إلى أرقام فلكية وكثر عدد الضحايا من المواطنين بفعل القذائف الطائشة وتبادل النيران ، ولذلك خرج الكثيرون طلباً للنجاة في أقاليم السودان وفي دول الجوار).
الذي إقتبسته من مقالتي تلك وأبنته هنا هو عين ما زال يتكرر من المحللين والكتّاب عن أسباب إندلاع الحرب ، وأما عن تطوراتها التدميرية للبلاد والعباد طيلة الأشهر الماضية فقد ضمنته في مقالات ومدونات عدة تكررت فيها دعوتي لوقف هذه الحرب اللعينة والجنوح للحلول السلمية عن طريق التفاوض وإتباع خارطة طريقه. اليوم 15 أبريل ينعقد في باريس مؤتمر باريس الذي تقوم به فرنسا وألمانيا والإتحاد الأوربي من أجل الضغط على أطراف النزاع في السودان لوقف الحرب وإيصال المساعدات للمواطنين المحتاجين لها في كافة مناطق السودان وإيجاد ممرات آمنة لذلك ودعوة الشركات الأجنبية والداعمين لطرفي النزاع بالسلاح والعتاد للتوقف عن ذلك. هو مؤتمر خاص بالدول النافذة وبالمانحين وبمن لديهم الحلول ولم يتم دعوة طرفي النزاع لهذا المؤتمر بل سوف يتم دعوتهما لمزاولة إجتماعات جدة المتوقع لها في يوم 18 الجاري بموجب دعوة المندوب الأمريكي للسودان بيريللي وبموجب خريطة الطريق التي وضعها الإتحاد الأفريقي لوقف الحرب وللسلام في السودان.
إن خسارة الحرب على السودان لكبيرة جداً وتقدرها الأمم المتحدة بمبلغ 150 مليار دولار يجب تعويضها للسودان ليعود كما كان قبل الحرب ، هذا بخلاف الأرواح التي قتلت من المدنيين بفعل الحرب والتي تُقدر ب 16 ألف قتيل ولا زال غير معروف عدد القتلى من العسكريين. لقد أصاب النهب والتدمير جل المحال والمعارض التجارية والمصانع في ولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة ، وتم نهب معظم بيوت المواطنين وما بها من سيارات وذهب وأموال وأدوات كهربائية وتوالت موجات النهب لتطال الملابس والأثاثات والأبواب والنوافذ ، مع التهديد بالطرد والإغتصابات. لذلك فقد نزح ما يقارب الثمانية مليون مواطن إلى الأقاليم داخل السودان ونزح ما يقارب المليونين مواطن إلى دول الجوار وصار 18 مليون طفل بلا تعليم وشملت إرهاصات المجاعة 40% من عدد السكان في السودان والخوف من إستفحالها فقد أدى هجوم قوات الدعم السريع إلى قرى ولاية الجزيرة وتشريدها للمزارعين إلى إفشال الموسم الزراعي الشتوي مثلما أدى هبوط مياه النيل الأزرق بفعل سد النهضة الذي لا يعيره أحد إنتباهاً.
كيف العمل وقد صار ما تبقى من إقتصاد السودان هو إقتصاد حرب ، ورغم قلته صارت الأولوية فيه للدفاع والأمن ولمتطلبات إستمرار الحرب ، التي وعد الجيش بالنصر فيها في أيام لا تتعدّى الخمسة أيام كما وعد الفريق ياسر العطا سابقاً ولكنها بلغت العام حالياً ولا زال الفريق ياسر العطا يتحدث عن الهجوم على الجزيرة من عشرة محاور وعلى الخرطوم بحري من ثلاثة محاور ، متزامناً مع ما يدور هذه الأيام من هجوم للدعم السريع على أطراف الفاشر وعلى أطراف سنار. من أجل الوطن والمواطنين الذين توقفت مرتباتهم لمدة عام كامل وتوقفت دخولهم ومعايشهم لا بد من وقف الحرب والجنوح للسلم وللتفاوض.
المصدر: صحيفة الراكوبة