
عبدالجليل الباشا
لقد طالعنا في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة البيانات الصادرة من قوى جبال النوبة المدنية، وآخرها البيان رقم (3)، الذي ورد فيه:
«تقدمنا بمذكرة إلى أطراف الحرب بجبال النوبة “جنوب كردفان”، ممثلة في الجيش السوداني والحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وأطراف أخرى ممثلة في قوات الدعم السريع والقوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح بدارفور وغيرها، بغرض الوساطة لنزع فتيل الأزمة ووقف الحرب وحماية وحقن دماء المدنيين بعد انتقال المعارك إلى الدلنج وكادوقلي».
من جانبنا نؤكد دعمنا اللامحدود لأي جهد وطني يهدف إلى وقف وإنهاء النزاع، باعتبار أن السلام هو الأصل في الحياة والحرب هي الاستثناء، لاسيما وأن ولاية جنوب كردفان عاشت ثلاث حروب مدمرة انعكست سلبًا على حياة المواطن قتلًا وتشريدًا وفقرًا. أولها حرب الجنوب التي تفجرت عام 1983 ولم تنتهِ إلا باتفاقية السلام 2005م، وثانيهما القتال بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بعد انفصال الجنوب في 6 يونيو 2011م، وثالثة الأثافي حرب 15 أبريل التي فُرضت على أهل السودان وما زالت مستمرة حتى اليوم بسبب عناد وممانعة الإسلاميين ولوردات الحرب الذين يوارون سوءاتهم بزعم مساندة القوات المسلحة.
وجدير بالذكر أن هذه الحرب، وما صاحبها من حصار لمدينتي كادوقلي والدلنج، جرت في ظل سياسات خرقاء لحكومة الولاية التي عجزت من خلالها عن توفير أي مخزون استراتيجي من الغذاء. ليس هذا فحسب، بل قامت بطرد المنظمات التي تقدم العون المادي والإنساني للجوعى والمرضى، فخلقت مجاعة غير مسبوقة ومعاناة فاقت حد الوصف. واستمر الوضع على هذا المنوال إلى أن ظهرت مؤشرات القتال في المنطقة، فأصبح المواطنون بين خيارين أحلاهما مر، إما النزوح أو محرقة الحرب، فاختاروا النزوح بحثًا عن الأمان والاستقرار في ظروف إنسانية بالغة التعقيد، متوجهين نحو مناطق سيطرة الحركة الشعبية جنوبًا وشرقًا، ومناطق الدعم السريع شمالًا وغربًا.
وبالرغم من مأساة النزوح، إلا أن حركة المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية والدينية والسياسية، وما وجدوه من ترحاب واستقبال، تؤكد متانة وصلابة العلاقات التاريخية التي سنها الرعيل الأول من الآباء والأجداد، ضاربين بذلك أروع الأمثال في دعم التماسك الاجتماعي وتعزيز التعايش السلمي بين أهل الولاية.
وعليه، وانطلاقًا من هذا الواقع الأليم، نتوجه بالنداءات أدناه:
أولًا: على مواطني الولاية الابتعاد عن مناطق الحرب واعتزالها بعدم الاستجابة لأي نوع من التحشيد الحربي.
ثانيًا: على أطراف النزاع بالولاية توفير الممرات الآمنة للمدنيين والحرص على حماية أرواحهم وممتلكاتهم.
ثالثًا: على المجتمعات المستضيفة التحلي بقيم التسامح وقبول الآخر ونبذ خطاب الكراهية دعمًا لمبادئ ثقافة السلام.
رابعًا: يجب على رموز وقيادات المجتمع والإدارة الأهلية التعامل باليقظة والحذر والتصدي لمحاولات زرع الفتن وتأجيج نيران الصراعات القبلية، ترسيخًا لقيم ومعاني السلام الاجتماعي.
خامسًا: على أطراف النزاع التحلي بروح الحكمة والعقلانية بإيقاف الحرب في الولاية على نهج اتفاقية سويسرا عام 2002م، والمراقبة بواسطة اللجنة العسكرية المشتركة (JMC).
سادسًا: على المجتمع الإقليمي والدولي الضغط على طرفي النزاع من أجل إيقاف وإنهاء الحرب، وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين في مناطق تواجدهم.
سابعًا: على الشعب السوداني وقواه الحية العمل على محاصرة دعاة الحرب وفرض إرادة السلام لبناء سودان العدالة والمساواة في ظل سلام مستدام يخاطب جذور الأزمة التاريخية حتى لا نرحّل الحرب إلى الأجيال القادمة.
المصدر: صحيفة التغيير
