محفل تجريف السحنات، رواية جديدة للقاص والروائي جمال غلّاب
عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع في دمشق، صدرت مؤخرا للقاص والروائي والمترجم السوداني جمال غلّاب رواية جديدة بعنوان (محفل تجريف السحنات)
مقتبس من الرواية:
الغابة شبه مظلمة وكلّما توغّلا خفتت الأصوات إلى أن تلاشت، فعلما أخيراً أن أولئك الحراس كفّوا عن مطاردتهم، لكنّهما لم يتوقفا عن الرّكض، وظلّت سلسلة الحرائق تطاردهما بينما الأغصان المتفحّمة تتساقط في كلّ مكان، كطفلٍ صغيرٍ استسلم صاحبنا لكفِّ عزّة القابضة على كفّه، وبعد أن صارت الحرائق خلفهما على مسافة بعيدة نسبياً، ساعدته على عبور باقي المشوار خبباً فيما ملامحها تنطق بالجديّة والعزم، بلغا موضعاً بدا وكأنّه حدٌّ فاصل بين عالمين، واجهته عزّة وأخذت تتملّى في المساحة التي كانت تشغلها تقاطيعُ وجهه، قبل أن تسحبه إلى جدولٍ صغيرٍ، أوقفته على ضفته ثمَّ التقطت بعض الوحل بسبّابتها، وأخذت ترسم ملامحه على مهل، ابتدأت بالشّفاه ثمّ بالأنف والعيون ومضت تضع المعالم والمنحنيات الأخرى بحركات رشيقة وهي تلتقط بسبابتها قليل من الوحل في كلِّ مرّة تستعيد فيها لصاحبنا بعض ملامحه الضّائعة، ومضت في إنجاز اللّوحة بحماس وعند اكتمال الوجه، طبعتْ قبلةً سريعةً على جبينه ثمّ أخذت تتراجع متمهّلةً حتّى انسحبتْ عابرةً الخطّ الفاصل بين العالمين والابتسامة لا تفارق شفتيها، وبينما هي تنأى كانت الغابة تحترقُ من حوله، أراد أن يتبعها، لكنَّ قوّةً خارقةً لا يمكنه مقاومتها غرسته وسط الوحل، وعلى ضوء اللّهبِ المتراقص رأى ملامحه المرسومة حديثاً تتلاعبُ بها حركة الماء، متموّجةً على سطح الجدول تتجمّعُ تارةً وتتبدّدُ تارةً أخرى.
المصدر: صحيفة الراكوبة