أثارت قضية الممرضة رانيا حسن أحمد علي، جدلاً واسعاً بعد صدور حكم قضائي بحقها على خلفية وفاة طفل أثناء وجوده تحت الرعاية الطبية في أحد المستشفيات بمدينة تبوك، وتداولت أوساط قانونية وإعلامية إمكانية استئناف الحكم أمام المحكمة العليا، وسط انقسام الآراء بين من يرى أن للممرضة أرضية قانونية قوية لإعادة النظر، وبين من يعتبر أن الحكم أصبح نهائياً بعد انتهاء المهلة النظامية.
تقرير: التغيير
المعطيات التي قد يستند إليها فريق الدفاع حال تقديم طعن تستند إلى أن الممرضة كانت مكلفة بثلاث حالات حرجة في وقت واحد، وهو أمر مخالف للمعايير الطبية ويضع المسؤولية على إدارة المستشفى وليس عليها وحدها.
كما أن جهاز المراقبة لم يصدر إنذاراً عند انخفاض الأكسجين، الأمر الذي قد يحمّل الشركة المصنعة أو إدارة الصيانة في المستشفى جزءاً من المسؤولية.
ويرى بعض القانونيين أن غياب الممرضة عن بعض الجلسات وعدم وجود محامٍ للدفاع عنها أضعف موقفها القانوني بشكل كبير، وهو ما يجعل من الضروري في أي محاولة قادمة لتصحيح المسار أن يتم توكيل محامٍ مختص وطلب وقف التنفيذ إن أمكن.
محاولة رغم ضآلة فرص النجاح
المحامي كمال الطاهر أوضح في حديثه لـ (التغيير) أنه راجع عدداً من المستشارين في المملكة العربية السعودية وتبيّن أن مدة الاعتراض البالغة 30 يوماً قد انقضت، ما يجعل الحكم قطعياً.
لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن فريق الدفاع يحاول تقديم طعن رغم ضآلة فرص النجاح، قائلاً: “نحن أمام حكم اكتسب الصفة القطعية، لكن لا بد من تجربة كل السبل المتاحة قانونياً، حتى وإن كانت الاحتمالات ضعيفة.”
المحكمة العليا ليست حلا
بدوره علق المستشار القانوني كمال عبدالعزيز، على قضية الممرضة رانيا، مؤكداً أنه لم يسمع بها إلا عندما وصلت إلى محكمة التنفيذ، حيث انصب الطلب على المساعدة المالية أكثر من القانونية، مع أن الأخيرة ـ بحسب تعبيره ـ هي الأهم في مثل هذه القضايا.
فرص الدفاع تكون أوسع وأقوى أمام محكمة الموضوع، بينما تضيق نسبياً عند الاستئناف
مستشار قانوني
وأوضح عبدالعزيز أن فرص الدفاع تكون أوسع وأقوى أمام محكمة الموضوع، بينما تضيق نسبياً عند الاستئناف، وتصبح أضيق أمام المحكمة العليا التي تقتصر على مسائل قانونية بحتة ذات طابع خاص. وأضاف: “التوجه مباشرة إلى المحكمة العليا والتعويل عليها وحدها أشبه بالتمني وتأدية واجب أكثر من كونه مساراً عملياً يحقق النتائج”.
وأشار إلى أن الحل الأنسب يتمثل في إعادة دراسة وقائع القضية من جديد وتحديد مكامن الخطأ والمسؤوليات، بما يشمل المستشفى المعني، الشركة، شركة التأمين، وحتى الإدارة ذات الصلة لتقصيرها في توزيع المهام.
كما شدد على أهمية النظر في الوضع الصحي للمريضة وقت وصولها إلى المستشفى، إذ قد تكون حالتها ميؤوساً منها منذ البداية، وهو ما يتطلب الاستعانة بتقارير خبرة فنية وطبية لتوضيح المسؤوليات بشكل جلي.
واختتم عبدالعزيز بالقول: “حتى هذه اللحظة لم أتمكن من الاطلاع على الحكم، ولذلك يبقى الرأي الأتم والنهائي بيد أصحاب الخبرة الأوسع مني”.
المسؤولية الأولية
أما المحامي بابكر سلك، فقد شدّد على أن المسؤولية في هذه القضية لا يمكن أن تقع على الممرضة وحدها، موضحاً أن القانون يقوم على نظرية “التابع والمتبوع”، حيث تنصرف أخطاء الموظف إلى جهة عمله أمام المضرور.
وقال في حديثه: “من البداية لا يمكن مقاضاة الممرضة مباشرة دون المستشفى. أهل الطفل كان ينبغي أن يوجّهوا شكواهم للمستشفى، ثم تقوم الأخيرة بالتحقيق وتحميل الأطباء أو التمريض المسؤولية.
وتابع: الممرضة يمكن أن تكون مدعى عليه ثانياً أو ثالثاً، لكن لا يمكن أن تكون الوحيدة.”
وأضاف أن ما جرى يعكس خللاً في فهم المسؤولية القانونية داخل المؤسسات الصحية، وأن اللجوء إلى تحميل موظف بعينه كامل العبء يتعارض مع روح العدالة.
قضية رأي عام
القضية لم تتوقف عند حدود قاعات المحاكم، بل تحولت إلى قضية رأي عام، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً واسعاً من السودانيين والعرب.
واعتبر كثيرون أن ما تعرضت له الممرضة يشير إلى ثغرات في نظم المحاسبة الطبية، بينما عبّر آخرون عن تضامنهم الإنساني معها.
وبرزت بشكل لافت حملة شعبية لجمع قيمة الغرامة المفروضة عليها، حيث ساهم السودانيون بالمملكة من مختلف الفئات في وقت قياسي بجمع المبلغ المطلوب.
هذه الخطوة قوبلت بإشادة عربية واسعة، واعتُبرت مثالاً على التكافل الاجتماعي والإنساني الذي يميز المجتمع السوداني.
الخيارات القانونية المتاحة الآن محدودة جداً، وأن أي طعن جديد يواجه فرصاً ضعيفة للنجاح
خبراء قانونيون
رغم أن الحكم القضائي ضد الممرضة رانيا بات قطعياً بانقضاء مهلة الاعتراض، إلا أن القضية ما زالت تثير نقاشاً قانونياً وأخلاقياً حول المسؤولية المهنية والطبية.
فبينما يرى بعض الخبراء أن هناك أرضية قانونية لإعادة النظر وتحميل جهات أخرى المسؤولية بالتضامن، يؤكد آخرون أن الخيارات القانونية المتاحة الآن محدودة جداً، وأن أي طعن جديد يواجه فرصاً ضعيفة للنجاح.
ورأى البعض أن هذه القضية مؤشرا على الحاجة الماسّة لإصلاحات تشريعية وإجرائية في قضايا الأخطاء الطبية، بما يضمن عدالة أوسع وحماية للعاملين في القطاع الصحي كما للمرضى وذويهم.
المصدر: صحيفة التغيير