اخبار السودان

متلازمة الإنكار والإقرار كظاهرة شاعت بين أنصار الجيش في الحرب السودانية

عمر البشاري

غرد الهندي عز الدين قائلاً :

(أخي وصديقي شيخ الأمين في أمن وأمان فمن يكون في حماية جيش السودان لن يصيبه أذى وتشهد الولايات التي لم يدخلها التمرد المجرم على حال المواطن خلافاً لما يجري وجرى في الجزيرة والخرطوم والجنينة والقحاتة أتباع الجنجويد قلقون على أنفسهم لا على شيخ الأمين)

هذه التغريدة التعليق تتماشى مع خط التحليل النفسي لحالة مناصري الجيش والبلابسة المتناقضة فكرياً غير المتصالحة مع ذواتهم نفسياً وهي حالة تتراوح بين منزلتي الإنكار والإقرار.. لحقيقة واحدة لا يجوز إلا إقرارها أو إنكارها جملة واحدة بلا تفصيل..

هم يقرون ويثبتون تمرد الدعم السريع ويصفونه بالمليشيات الإجرامية الخارجة على سلطة الدولة التي يمثلها الجيش..

وفي نفس الوقت يتجاهلون وينكرون التقصير والغياب لدور الجيش المنوط به بموجب ادعاء مشروعية تمثيل الدولة في حماية المواطنين.. وعجزه عن التصدي لتمرد صنيعته التي جاءت من رحمه ويقع عليه واجب إخضاعها لإرادته وتطويعها لسلطته إن حاولت الخروج عليها.

فالمواطن في الخرطوم والجنينة والجزيرة يعاني ما يعاني بسبب فوضى غياب الدولة التي سببها عجز الجيش عن القيام بواجبه في حماية الشرطة والقضاء والنيابات والسجون كمؤسسات عدلية تحفظ الأمن وتقيم النظام.

فالفوضى في مناطق الدعم السريع بقدر ما هو مسؤولاً عنها فالجيش يشاركه ذات المسؤولية من ناحية التنازع على السلطة وإشعال الحرب وتحطيم الجهاز والمؤسسة العدلية فعدوان الدعم وتقصير الجيش وجهان لذات العملة وهي لا تعطي قيمة تبادلية ذات نفع وفائدة في سوق صرف المفاهيم العقلية إن غاب أحدهما وظهر الآخر.

وبطبيعة الحال العالم يدرك ذلك ولهذا يساوي بينهما في المسؤولية وعرف النزاع بأنه بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وسلطة برهان التي يراها العالم في هذا النزاع تقتصر على أنه قائدا للجيش وحميدتي قائدا للدعم السريع…يتساويان في المقدار والمسؤولية عما وقع من خراب على أهل السودان لا أفضلية لأحدهما على الآخر كما يوهم الهندي نفسه ويريد  إيهامنا معه..

والتعامل مع برهان كرئيس للدولة ضرورة أملاها الواقع حتى لا يحدث فراغاً تمثيلياً لشعبها المنكوب بالحرب والرزايا المحتاج للعون في المجال الدولي وليس لمشروعية سلطة برهان الغائبة ويريد أنصار جهاز الدولة المعطوب إقناعنا بوجودها.

وعليه نلاحظ أن أمثال الهندي يقرون بأن الجيش هو الدولة والنظام والأمن والعدل وينكرون ويتنصلون عن الاعتراف بتقصيره في قيامه بواجبه في المناطق التي ذكرها  وغيرها..

ومتلازمة الإقرار والإنكار هذه حالة تدل على التناقض الوجداني العميق الذي يؤثر على الوعي والإدراك الطبيعي للواقع.. الناتج عن واقعة الحرب الصدمة التي أدت إلى انهيار الدولة نفسها..

نسبة للخلل العميق في بنيتها وأساسها وتركيبها الذي تسبب في الحرب وقاد إلى شللها (الدولة) وعدم قدرتها على القيام بوظيفتها وأداء أدنى واجباتها في صيانة حياة الناس أرواحهم وممتلكاتهم وعروضهم ومقتنياتهم..

الوضع الطبيعي الذي يدركه العالم كما ذكرنا سابقاً والناس الأسوياء أن مؤسسة الدولة السودانية ممثلة في عمودها الفقري وهيكلها الأساسي القوات المسلحة السودانية قد انهارت وتهاوت وما عادت قادرة على تحقيق الاستقرار وحفظ الأمن وذلك لأنها فرطت في دورها وواجبها في احتكار العنف فشاع بين الناس وتعددت الجيوش مما أداء أدى إلى انهيار باقي مؤسساتها ولم يعد بالإمكان استعادتها لهذا الدور وأدائها لهذا الواجب باستخدام القوة..

وعلى قيادتها الإقرار بذلك والجنوح للسلم وصيانة حياة الناس من القتل والجوع والتشرد والمرض والحصار والفوضى والإمساك عن الانسياق خلف التيارات السياسية المأزومة نفسياً وتعيش خارج السواء الذي يتيح لها إدراك الواقع بالرشاد والمسؤولية الواجبة وتسعى مدفوعة بالمطامع والمخاوف مؤججة  للدمار  زارعة للفتنة داعية إلى استمرار الحرب تحت شعار (بل بس ) بلا قدرة على (البلبسة) وإنما رغبة طفولية في تجنب العقاب وتحمل المسؤولية عما حدث زد عليه أحلام وأطماع خيالية بالعودة إلى سلطة الحكم وامتيازات السيطرة الاحتكارية على جهاز الدولة لأجل الهيمنة وقهر شركاء الوطن من القوى المدنية مثل تقدم التي لا يستقيم تصريح لهم من غير ربطها بالدعم السريع وبذل التهديدات الرخيصة لها مثلما أكد الهندي هنا بأن القحاتة قلقون على أنفسهم وليس شيخ الأمين.

وما أراد قوله هو إن على القوى المدنية أن تبحث لها عن وطن بديل في حالة استعادة تنظيم الهندي للسلطة عبر الجيش ، فهو يتوعدهم بالعقاب والانتقام حتى قبل حسم الحرب وعودتهم لنهب الموارد القومية والاستئثار بها دون الآخرين شركاء المواطنة.. وذلك بدفع البلهاء إلى محرقة الحرب واختباء مؤجحوا نيرانها في المنافي السعيدة البعيدة مستمتعين هم وذويهم بما نهبوا سابقاً في أمن وأمان ورفاهية حد البذخ

وكعادتهم ما داموا هم وذويهم  بخير فلا يهمهم استمرار الحرب وعناء الناس ، فالجزيرة مستباحة والخرطوم تئن من الجوع وكردفان ودارفور تحت حصار جائر يمنع عن أهلها الإغاثة التي يجود بها العالم البعيد والقريب على الجائع والمريض والمحروم.. إحساسا بواجب الإنسانية التي لا يدركها البلابسة وتغيبها عن وعيهم أطماعهم واحقادهم وانحرافهم عن سواء الفطرة الإنسانية السليمة.

كفانا جنوح للجنون وجرياً لاهثا خلف من هم على شاكلة الهندي عز الدين وهو نموذجاً مثالياً للبلبوسي المختل نفسياً الانتهازي الرخيص الذي لا يغشى الوغى ولا يعف عند المغنم وقد سبق أن أكد في قول مشهور عنه إنه من حسن حظ أهل السودان أن أنعم عليهم بحاكم مثل عمر البشير ولربما يكون محقاً في أن البشير قد ساهم من حيث لا يدري الهندي ولا يريد هو نفسه  في تحطيم الدولة القديمة الظالمة المتعفنة ذات الأساس النخر المسوس بتأسيس وتقنين الدعم السريع كقوة تنجز هذه المهمة هنا والآن..

عمر البشاري

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *